عاجل
الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

"اللصيمة" أكلة شعبية سيناوية تشبه البيتزا الإيطالية

"اللصيمة" أكلة شعبية سيناوية تشبه البيتزا الإيطالية
"اللصيمة" أكلة شعبية سيناوية تشبه البيتزا الإيطالية

العريش- مسعد رضوان

يتميز المجتمع السيناوي بالحفاظ على عاداته وتقاليده، وهى موغلة في القدم.. حيث أدت الطبيعة الصحراوية الى التأثير فى هذة العادات والتقاليد حتى انسحبت على عاداته الغذائية.. فكان طعامه وأدواته بسيطة مشابهة لبساطة الطبيعة المحيطة به.. مما أدى الى اختصار هذة الأدوات الى أبسط صورها حتى لا يتكلف جهدًا أو مشقة فى الحل والترحال.



ويؤكد عبد العزيز الغالى عضو اتحاد الكتاب وأمين عام جمعية متحف التراث السيناوى أن العادات الغذائية هى وليدة أى مكان، وبالتالى فقد انعكس ذلك على أبناء سيناء.. حيث تفرد فى تصنيع مواده الغذائية من منتجاته الأصلية النابعة من الطبيعة المتفردة للتربة والمناخ الذى تتمتع بها شبه جزيرة سيناء آسيوية الجغرافيا وافريقية الهوية.. مما جعل تفردها هذا تميزآ لها عن باقى محافظات الوادى، واذا وجد ما يشابه منتجاتها من حيث الاسم أو الشكل الا أنه لا يتساوى معها من حيث الجودة والطعم وحلاوة المذاق.. ومثال ذلك : الخوخ، الكانتلوب، التين، المشمش، البطيخ، الأعشاب العطرية، والنباتات الطبية.. فكلها منتجات " بعلية " أى مروية على مياة الأمطار، وذلك بخلاف السمان والأسماك المتميزة.. سواء من البحر الأبيض المتوسط المشهود له بعدم التلوث أو من بحيراتها الثلاث البعيدة أيضا عن التلوث مثل البردويل والزرانيق وبورفؤاد.. علاوة على البحر الأحمر بذراعيه الخليجيين " العقبة والسويس " وتفردها بإنتاج زيت الزيتون البكر والفاخر الغنى بمكوناتة الغذائية العالية، والذى يعتبر مكونا رئيسيا لتصنيع العديد من الأطعمة، وفى مقدمتها " اللصيمة " التى يحرص الجميع على تناولها ويتم تداولها جيلا بعد جيل حتى أصبحت من أهم مظاهر التراث السيناوى.. حيث يشكل الطعام السيناوى ببساطته وطريقة طهيه على الحطب المـأخوذ من الأشجار المتواجدة فى الطبيعة ميراثا عريقا وعظيما.. فهو جزء من ثقافة وحياة سكان شبة جزيرة سيناء، ويصل الماضى بالحاضر.

وأشار الى أن اللصيمة تعد من أشهر أطباق وأكلات سيناء وألذها وأحبها وأقربها الى قلوب أبنائها ( بدو وحضر ).. اذ يتنسمون فيها عبق الماضى والزمن الجميل.. وان كانت مكوناتها لاتعدو أن تكون من المشهيات حين تصنع كسلاطة، ولكنها تصبح طبقآ رئيسيآ حين يضاف اليها الفت " قرص الملة " والذى يصنع من الدقيق ويدفن فى رمضاء النار فيتطهر وينضج مكتسبآ طعمآ ومذاقا لا يقاوم، وأصبح لها موسم يتزامن مع بواكير وبشاير البطيخ متمثلة فى صغار ثمارالبطيخ قبل النضج مما يسمى " العجر "، ويلذ تناولها فى ليالى الصيف المقمرة.

وأوضح أن اللصيمة هى أكلة جماعية لا تتم ولا يستطاب طعمها الا بوجود صحبة أو جماعة تتعاون على صنعها وتسويتها.. فهى عمل جماعى، ومازال أهل سيناء يحافظون على تقاليدها وطقوسها ويأكلونها فى رحلاتهم الخلوية بالبر، وفى مدينة العريش تحايل الناس على الطبيعة داخل مدينتهم ووجدوا ضالتهم فى شارع العشرين باتساعه وكثرة الغرود الرملية حوله مما يحاكى البر فيزدحم فى موسم " العجر " بكثرة مرتاديه مساء كل يوم ويزداد الازدحام كل يوم خميس - ليلة الجمعة من عشاق اللصيمة حتى نسى الناس اسم الشارع الأصلى وصار يسمى بشارع اللصايم.

وأردف : تعتبراللصيمة واحدة من مكونات هذا التراث مثلها فى ذلك مثل أكلات عديدة اشتهرت بها سيناء مثل : ( الجريشة – الرقاقة - حرقة الأصبع – الطشطاشة – المنسف – المقلوبة – السمان – الصيادية - البيض المقعد – وأخيرا شهقة العجوزة.

لقد أصبح التراث السيناوى ( ومن ضمنه اللصيمة ) احدى ابتكارات الفرد السيناوى تلبية لحاجات المجتمع، ومستغلآ لمنتجات الطبيعة من البيئة البرية الخاصة والمحيطة به، وبما يتناسب مع احتياجاته الشخصية والمعيشية.

ويقول عبد العزيز الغالى : ان حبنا للصيمة ودون أن نشعر هو حفاظ منا على موروثنا الثقافى الخاص بالطعام، ونراه تواصلآ مع آبائنا وأجدادنا ونعتبره اعتزازآ وتميزآ بشخصيتنا.

وقد أصبحت اللصيمة سواء فى البر أو على شاطئ البحر أو فى المزارع أو فى أفنية المنازل تمثل جزءا من تراثنا الذى يجب ألا نخجل منه أو نتوارى.. لذا أصبح احياء الموروث الطهوى أمانة تاريخية وضرورة لابد منها لمواجهة تحديات الحداثة أمام عالم مهووس بأطعمة باهظة الثمن فقيرة المكونات الغذائية ومسببة لأمراض متعددة ومكلفة، وان كان لدى البعض مشكلة فى اللصيمة لأنه يخجل من اسمها المتداول.. فما بال أقوام دول أخرى لا يخجلون من أكلاتهم التراثية العريقة مثل : ( المطازيز – الزربيان – المرهوك – الزمول – الربيص – المشخول – الفركاعة – المضروبة –الخبيصة – الزربيان – معصوبة – الفقشة – البلاليط – الكسكسى – الخ )، وهل الكبسة السعودية والتى جاءت من كبس الشئ أى ملئة عن آخرة أخف وقعآ وأجمل من " لصم " الذى اشتق منها لفظ " اللصيمة " انه ليس خجلآ ولكنه ضرب من الحساسية المفرطة.

وتبقى مشكلة التقديم، وهى خاصة بالمستوى الثقافى والاجتماعى والظروف الاقتصادية لصانعيها وطرق تقديم البعض لها.. فالبعض يقدم القهوة (رغم تقاليدها) فى أكواب زجاجية بدلآ من فناجين، والهنود حتى الأثرياء منهم نادرآ مايتناولون الأرز بملاعق.. بل يتلذذون بتناوله بأيديهم، ولم ينكر أحد على الصينيين تناولهم نفس الأرز حبة حبة بالعصى الخشبية وذلك لتأصيل ثقافة وتراث فرضتها الظروف الاقتصادية.

ويحكى التراث عن اللصيمة أنها كانت تقدم فى وعاء كبير يسمى " لقن " مصنوع من الفخار الذى تصنع منه الطواجن، و" البرام " و " لقن"  كلمة طشقندية نسبة الى " طشقند " احدى مقاطعات الاتحاد السوفيتى، والتى وردت الينا عن طريق الأتراك، وهو صحى أكثر بكثير من الأوانى المعدنية الحديثة المليئة بالعيوب الصحية من أول الألومنيوم وانتهاء بالتيفال.. بل ان الفخار يضفى عليها مذاقآ مميزا.. كما كانت تقدم فى وعاء أصغر يسمى" الهنابة ".. كما أنها تقدم فى " باطية " تصنع من الخشب الجيد مما يصنع منه الجرن العرايشى الشهير، وهى أدوات مناسبة جدآ للبيئة الصحراوية.. فالى جانب حفاظها على الطعم المميز لما يوضع بداخلها من طعام.. فهى ملائمة تمامآ مع ظروف المناخ والطقس، وتتناسب مع ارتفاع وأنخفاض درجات الحرارة، وتتسق مع تكيف الطعام مع البناء الفسيولجى والبيولوجى لجسد الانسان.. مما يدفعه للتكيف مع البيئة المحيطة.

أما مكونات اللصيمة الغذائية البسيطة والصحية والغنية بفوائدها تجعلها تتربع على قمة الأطعمة النباتية المتميزة من أول فوائد العجر " البطيخ الصغير " المشوى والبندورة والفلفل العرايشى الحار والثوم والجرادة والبصل الذى يضاف اليها أو يقدم بجانبهآ.

ويعود شموخها الى وجود زيت زيتون سيناء المقدس والذى يعطيها مذاقا متميزا بطعم عسلى مما لا يضاهيه مذاق آخر.. فهو الى جانب مكانته الدينية المحترمة فهو صحيآ يتفوق عن باقى زيوت الزيتون الأخرى المنتجة فى العالم بعدد 36 عنصرا لا تتواجد الا فى زيت زيتون سيناء.

وكل مكونات " اللصيمة " النباتية وخلوها من اللحوم جعلها تتسق مع الغذاء المتوسطى، ووقوعها على ساحله.. مما يؤهلها للانضمام بفخر لعضوية نادى البحر الأبيض المتوسط العالمى، والذى يحعلها مثالية ومتوافقة مع شروط النادى الذى تتميز أطعمته بخلوها من الكوليسترول وأنها صحية لغناها بالألياف والخضروات الطازجة والتى تساعد على المحافظة على الرشاقة ولاتتسبب فى السمنة.. فالعجر المشوى " البطيخ الصغير " المكون الأساسى للصيمة فوائده لا تعد ولا تحصى.. فهو يغسل المثانة ومدر للبول وينظف البطن ويكثر ماء الظهر ويعين على الجماع وينقى البشرة، وهو ملين خفيف يساعد فى حالات الامساك ومدر للبول وعلاج لضغط الدم المرتفع، وهو كذلك من الأغذية المفضلة لمرضى قرحة المعدة والذين يعانون من الحموضة ويقوى الدم ويفتت حصى الكلى ويخفف الأمراض الجلدية.

والمكون الثانى وهو البندورة " الطماطم " ذات الأصل المكسيكى والتى نقلها للعالم بعد ذلك المكتشفون الأسبان، وتعتبر من أهم الخضروات على أى مائدة.. فهى غنية بفيتامينات (ب) و (ج) و (أ) و (د) علاوة على احتوائها على كمية لابأس بها من العناصر الغذائية الأخرى كالبروتينات والكربيوهيدرات والأملاح المعدنية والمواد الدهنية والملونة التى تمنع الأكسدة، وتكفى ثمرة واحدة منها لتمد الفرد بحوالى ثلث حاجته اليومية من فيتامين ( ج ) وتوصف لالتهابات المفاصل والتعفنات المعوية ومكافحة الامساك واخراج الفضلات، وعصيرها سهل الامتصاص ويدخل فى الدورة الدموية حاملآ معه أهم العناصر اللازمة لبناء الجسم.

كما أن تناول البصل الى جانب اللصيمة يساعد مساعدة فعالة فى علاج مرض السكر وارتفاع ضغط الدم وتنظيم عملية هضم الطعام.. ناهيك عن فوائد الثوم الجمة والتى لا تعد ولا تحصى.

الى جانب فوائد الفلفل الحار الفاتح للشهية والملئ بفيتامين (أ) و (ب) و (س) وغنى بالكالسيوم والفسفور والحديد، وهو يحافظ على صحة القلب ومليئ بالبيتاكاروتين، ويعمل كمضاد للأكسدة ومطهر ومساعد على الهضم، ويساعد على التعرق ( افراز العرق ) ويجعل ضخ الدم فعالآ، ويساعد على تنظيف الدهون من الشرايين ويحسن من توزيع الأوكسجين فى الدم والذى يقطع البلغم ويطرد الريح ويقطع الرطوبات الفاسدة.

أما زيت الزيتون فهو المكون العمدة الذى يوضع آخر شئ على وجه اللصيمة.. فهو يتربع بمنافعه العديدة ويزهو ويتباهى بمنافعه وفوائده العديدة.. فهو مدر للبول وخافض لمعدل السكر ومفيد لتصلب الشرايين ومفيد للامساك ومدر للصفراء وخافض للحرارة وملين للمعدة ومفيد فى التخلص من السموم المختلفة وطارد للديدان، ويقلل من حدوث مرض تصلب شرايين القلب التاجية، ويقى من سرطانات الرحم والمبايض، ويقلل من حدوث سرطان المعدة.

وأكد الغالى أن حديثه ليس تعصبآ أعمى للصيمة، ولكنه عودة لغذاء الطبيعة والبساطة والعادات الغذائية الجميلة.. مشيرا الى أن اللصيمة قد تلقى نفورآ فى بادئ الأمر ممن لم يجربها من قبل أو يتذوقها.. لكن سرعان ماينقلب هذا النفور، والذى جاء من حيث الشكل الغريب الى قبول صداقة حميمية من أول لقمة يتلذذ بها الفم وهو يلوك العجر المشوى بعصارته الشهية التى تضاهى مذاق وحساء لحم الضأن، ولكنها قد لا تلقى قبولا لمن كانت عنده حاسة التذوق مريضة أو معطلة أو لأسباب نفسية أخرى.

وأعلن أن اللصيمة أكلة عرايشية، وتعتبر أحد مكونات المطبخ السيناوى العريق الموغلة فى القدم شأنها فى ذلك شأن البيتزا الايطالية.. فكلاهما كانتا اختراع فرضته الظروف الطبيعية والاقتصادية نتيجة اشتراكهما فى عضوية نادى البحر الأبيض المتوسط ويقع البلدان فى الموقع الجغرافى لحوض البحر الأبيض المتوسط.. فمثلآ البيتزا الايطالية تم صنعها لأول مرة حين كانت أميرة ايطالية تدعى ( مارجريتا ) تقوم برحلة صيد فى الريف الايطالى، وتصادف أثناء مرورها أن شاهدت بعضآ من النسوة الايطاليات يقمن بتسوية وزج أرغفة الخبز الطازج بالفرن واشتمت رائحته الذكية فحركت شهيتها وطلبت منهن بعضآ منه، ولأنها أميرة استحين أن يعطينها خبزآ حافا ( أى بدون غموس ) فقامت احداهن بتقطيع وحدات من الخضروات الحقلية المتواجدة ( طماطم - فلفل أخضر - زيتون أسود –زعتر ) ووضعتها على أحد الأرغفة ومسحته بزيت الزيتون وقليل من الجبن المبشور وزجته بالفرن حتى نضج الخبز وقدمته للأميرة التى سمى باسمها تيمنآ بزيارتها المباركة ( بيتزا مارجريتا )، وكذلك اللصيمة.. فقد جاءت استجابة لرحلات أهل سيناء السنوية فيما يسمى بموسم ( الحصيدة ) حيث كانوا يذهبون للشرق ناحية أرض فلسطين فى موسم حصاد القمح ( الحصيدة ).. حيث يجمعون القمح ويطحنوه بالرحاية ويصنعون منه قرص ( الملة ) على هيئة أقراص دائرية تشبة البيتزا، ولأنه فى الصحراء لا توجد أفران معدة للخبيز فكان الحل هو التعامل مع الطبيعة بايقاد النار من جذوع الأشجار المتواجدة وشى الخضروات كبواكير البطيخ الغير ناضج والمسمى بالعجر أو الباذنجان والبندورة ( الطماطم ) ثم امالة قرص العجين ودسة فيما تبقى من رمضائها الملتهبة حتى ينضج، ويقطع خبز القرصة ويفت ويخلط مع العجر المشوى ويصب عليه زيت الزيتون.

وتعتبراللصيمة طعامآ مثاليآ وطبيعىآ أورجانيك  ( Organic )فكل مكوناتها طبيعية وطازجة من الحقل مباشرة مما يجعلها غذاءآ آمنآ وشهيآ، وهى تعد من المشهيات وليس بها أى مشاكل سوى أنها من فرط طعامتها ولذة مكوناتها لايستطيع متناوليها أن يتوقفوا فى الوقت المناسب مما يحدث نوعآ من التخمة فيحملونها أى ( اللصيمة ) وزر طفاستهم وعدم كبح شهيتهم.. علاوة على وجود بعض الأخطاء التى قد تصاحب عملية الاعداد مثل : عدم الخبرة بانضاج عجين ( القرصة ) مما يحدث تلبكآ معويآ أو استعمال زيت زيتون قديم أو به نسبة عالية من الحموضة أو ( تصوبن ) أو الافراط فى اضافة الفلفل العرايشى الحار ( الحريف ).. مما يؤثر بالسلب على من يتناولونه لأول مرة أو ممن يعانون من أمراض القولون أو كذلك الأكثار من فت الخبز على حساب مكونات العجر والخضار مما يؤثر بالسلب حيث يزيد حجم الأول فتمتلئ به المعدة ويعزى الخطأ للصيمة وتظلم مرة أخرى.

وفى النهاية.. أعرب عبد العزيز الغالى عن أمله بأن يرى اليوم الذى يطلب فيه من المطاعم المنتشرة بالعريش" لصيمة دليفرى أو على الأقل أن تكون أحد مكونات البوفية المفتوح بالفنادق الكبرى.

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز