عاجل
الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

محمد دويدار يكتب: مصر الخير

محمد دويدار يكتب: مصر الخير
محمد دويدار يكتب: مصر الخير

بالأمس استوقفني رجلٌ في العقد الخامس من عمره يبدو على هيئته الفقر المدقع فملابسه رثة، هالات السواد تكسو عينيه، ملامح وجهه تحمل في طياتها عناء الأيام ومشقتها، في خطوات هزيلة بدأ يتقدم نحوي رويدًا رويدا متكئًا على عصا يحملها باليد اليمنى بينما اليد اليسرى تحمل كتاب الله وبعض الأوراق الأخرى، في بادئ الأمر ظننت انه متسول آت لطلب المال، فهممت بالابتعاد عنه إلا أن الرجل وفي حركة مفاجئة انحنى بصعوبة بالغة حتى أصبح قاب قوسين أو ادنى من قدمي محاولا تقبيلها ومتوسلا إليّ أن أساعده!



أسرعت بإبعاده وأجلسته على حافة الرصيف وجلست بجانبه أستمع لطلبه فاذا به وبصوت خافت لا يقوى على الاسترسال يخبرني بأنه مريض منذ سنوات ولم تفلح زياراته السابقة لأطباء قريته في تخفيف تلك الآلام التي تذهب النوم من عينه، وقد دله أهل الخير على هذا الطبيب الشهير الذي تقع عيادته في العقار المقابل لنا وأشار لي على اسمه وعرض بعض الإشاعات والتحاليل التي كان يحملها، وللمصادفة فقد كان يقصد نفس الطبيب المعالج لأبي والذي كنت بصدد التوجه اليه.. أمسكت بيده وقررت أن أرافقه لأعلى كي أتأكد من صدق حديثه وطلبت من السكرتير الخاص بالطبيب ان يحجز له "كشف مستعجل وفوري" وأخبرته بالقصة كاملة وأخبرته أيضا ان تكاليف الكشف انا من سيتحملها وبالفعل انتظرنا حتى جاء دورنا وما إن هممت أن أشرح للطبيب قصة الرجل فإذ به يطلب مني الانتظار وقام مسرعا بفحصه فحصا كاملا وبعدها وعلى الفور أمسك بهاتفه محدثا قسم الطوارئ بالمستشفى الفاخر ليخبرهم بأن رجلا من طرفه في الطريق إليهم فورا، وطلب القيام باللازم حتى إن استدعى الأمر حجزه بالعناية المركزة!

لا أخفي عليكم سرا فقد انتابني القلق، كيف له ان يفعل ذلك دون استشارتي ومن سيتحمل تلك التكاليف الباهظة التي لن أقدر عليها بكل تأكيد، ولماذا لم يسألني مثلا! وقبل أن أجد إجابة لكل تلك الأسئلة بادر الطبيب الجميل بالإجابة قائلا "اتفضل أنت يابوحميد الحالة دي بتاعتي أنا من الألف للياء" وأمر برد ثمن الكشف لي مرة أخرى.

ما إن انصرفت حتى وجدت أغلب المرضى المنتظرين بالعيادة قد علموا من السكرتير بأمر الرجل وكلهم بادروا بالتبرع للمساعدة وأبدوا رغبتهم في تحمل جزء من تكاليف العلاج!

مرة أخرى يظهر اجمل ما فينا بعيدا عن التفرقة المصطنعة التي يحاول البعض دسها بيننا عمدا أو جهلا، مرة أخرى ألوم نفسي وألعنها لأنني كنت سأشيح وجهي عن هذا الرجل وأتركه يعاني الموت لمجرد سوء ظن مني، مرة أخرى أتعلم معنى أن الله وحده هو المطلع على ما في القلوب ومدبر التدابير وما نحن إلا أسباب!

دعواتكم له بظهر الغيب أن يشفيه الله ويشفي كل مريض.. اللهم آمين. 

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز