عاجل
الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

سميرة داود تكتب:حوار وحديث الموبايل: "باي باي إنسانية"

سميرة داود تكتب:حوار وحديث الموبايل: "باي باي إنسانية"
سميرة داود تكتب:حوار وحديث الموبايل: "باي باي إنسانية"

في مكان وركن بعيد غير مرئي "بعض الشيء" من أرجاء منزلها.. تجلس الصديقة ملقية بجسدها على كرسي.. يتخلله دفء المكان.. محاطة بجدرانه.. تنظر في الأفق البعيد من وراء زجاج شرفتها.. تتأمل وتنصت بشغف وعشق لمقطوعات من موسيقى حالمة.. تبث في هذا الفضاء المكاني.. تهدئ من روعها.. من زحام أفكارها المتشابكة المتلاحقة.. من تضاد المبادئ بشخوصها المتلونة. تسرح بمخيلتها وترسم صورة لعالم غير عالمنا وزمان غير زماننا.. تحلق بروحها وتغرد في السماء السابعة.. وسط السحاب الضبابي.. وأمطاره الغزيرة.. وقطرات ماء تتساقط على زجاج شرفة بيتها. تطل برأسها وتنظر بعينيها الواسعتين اللامعتين على كوكبنا الأرضي.. "بتكنولوجيته الإيجابية السلبية".. خاوية خالية من بني الإنسان وبشريته المحيرة دوما "الدافئة أحيانا والثلجية أحيانا أخرى".. عالم أرضي تنحسر فيه الإنسانيات وتخلو تدريجيا من دفء العلاقات.. مشاعر الرحمة.. أمان الروح والقلوب "آفاتنا المجتمعية". نظرت نظرة الطائر المحلق فتراءى لها عن كثب.. بيت من زجاج بداخله أجهزة تكنولوجية وروبوت لا يقف ساكنا.. يتحرك حركة دائبة لخدمة من يسكن هذا المكان الثلجي.. تتوسطه منضدة معدة بأشكال مختلفة من أطعمة غذائية.. لم نرها من قبل نحن بني البشر.. محاطة بكراسي من حديد.. يجلس عليها ثلاثة من أجهزة الموبايل.. ليتناولوا معا طعام الغذاء. يتحاورون يتجادلون بشفرة كلمات إلكترونية.. يتسامرون فتعلو ضحكاتهم الآلية الثلجية.. يتصادقون يتعاطفون بمشاعر موبايلية. ودار حوار وحديث الكتروني.



 

الموبايل الأول....

مساء اللايكات.. هل أستطيع الجلوس على الكرسي لتناول طعام الغداء معكم.. أفتقدكم كثيرا.

الموبايل الثاني.....

مائة في المائة

الموبايل الثالث.....

نعم.

 

الموبايل الثاني.....

تأخرت عن موعدي كثيرا.. سأتناول غدائي في عجالة وأمضي.

الموبايل الأول....

لايك.

الموبايل الثالث....

أوك.

 

الموبايل الثالث....

أرغب في من يساندني، يشد من أزري.. هل لدى أحدكما ثمة وقت للذهاب معي إلى عيادة الطبيب مساء.

الموبايل الأول....

لا.

الموبايل الثاني....

سأفكر في الأمر.

 

الموبايل الأول...

أشعر بضيق.. أريد أن أفضفض معكم عما يجول بخاطري.

الموبايل الثاني....

ليس لديّ وقت كاف.

الموبايل الثالث....

لدى دقيقة واحدة.. تفضل سريعا.

 

الروبوت....

هلا انتهيتم من تناول طعام الغداء؟

الموبايل الأول....

نعم.

الموبايل الثاني....

صح.

الموبايل الثالث....

مائة في المائة.

 

أفاقت الصديقة الجالسة بعيدا في ركن من أركان منزلها بغتة.. وفركت عينيها وتنبهت لصوت إنسان قادم من الغرفة المجاورة يحمل بين يديه جهاز موبايل.. لا يرفع عينيه من على شاشته.. وكأنه آلة متحركة بصوت وكلمات ومشاعر إلكترونية.. وساءها ما رأته. أدركت للتو أن هذا العالم عالمنا.. وأن الزمان زماننا.. وأن المكان مكاننا. لقد قتلنا في أنفسنا عمدا رقي المشاعر الإنسانية وصدقها.

"بيدي لا بيد عمرو". ولا عزاء لكم ولنا وللأجيال القادمة. "باي باي إنسانية".

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز