عاجل
الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

تشوى سلامة تكتب:مصر عادت شمسك الذهب

تشوى سلامة تكتب:مصر عادت شمسك الذهب
تشوى سلامة تكتب:مصر عادت شمسك الذهب

كانت أيامه الأخيرة متلاحقة متوترة، لكن كنت أحمل في قلبي يقينًا أن النهاية لم تأتْ بعد، في هذا الشهر لعام٢٠١٣ أتيت إلى القاهرة أكثر من مرة لأرى الحال مزريا وأرى وجوه الناس بائسة وأرى البلد يغطيها سواد، ليس فقط في سمائها إنما على وجوهٍ ظهرت علينا وما كانت قبل نعرفها، امتلأت بها كل الأماكن والمصالح وكأنهم كانوا يلبسون وجوهًا أخرى قبل ذلك وخلعوها، أو أن تلك الوجوه كانت لهم من البداية ونحن الذين خدعنا أنفسنا ولم نكن لنرى جيدًا.



خلال ذلك الشهر لم أر في حياتي المطار بهذا السوء- فقد كنت في دولة أخرى منذ ٢٠١١- خلال ذلك الشهر لم أر في حياتي مكان بيتي ومن حوله من واردون ومستجدون بهذه الهيئة ولا الفُجر والفظاظة في السلوك والتبجح والبلطجة، كنت أمقت الأيام وأمقت الناس الذين تسببوا في رؤيتنا لهؤلاء، وألعنهم سرًا وعلنا  لما أوصلونا إليه بوهمهم وبتطاولهم على الدولة بأنها هي من عقدت الصفقات وأتت بهؤلاء، لكنني أحمل اليقين بزوالهم وأحمل الأمل بأن بلدي ستعود وأن دولتي لا تزال قوية وأقولها دائمًا في نفسي، رجعولي بلدي خلوني أرجع بلدي، وبعدما وقعت استمارة تمرد ورأيت الجموع تتلاحق على التوقيع ويحثون بعضهم البعض على التوقيع دخل الارتياح إلى قلبي قليلا، ولكنه ارتياح مصحوب بارتياب، فلم أعد أثق بالجموع.

كنت أكتب في هذه الفترة كثيرًا، وحتى من دون مراجعة ولا تدقيق فيم أقول، كان الكلام مسترسلا يحمل كل ألمٍ ووجعٍ على بلدي شعرت به، وكانت الأحداث متلاحقة بشكل سريع، نستيقظ كل يوم على خبرٍ يزيدنا سخط عمن يقبعون في بلدنا ويظنون أنهم خالدون وأنها النهاية، لقد كانوا بالفعل يرددونها وتابعوهم، لن نتركها أبدًا، لقد جلسنا على الحكم.

وقبل الحدث الأكبر- وهكذا أسميته- بأيام  تْسعٍ، أتيت إلى القاهرة لكن هذه المرة في إجازة برفقة أبنائي ليفجعوا هما أيضا بما آلت إليه حال البلد، وكل يوم أعد وأرصد النتيجة وأقول مر يوم، ولا يزال هناك أيام لا تمر، ومتى أرحل ثانيًا وكيف سأتحمل وكيف لي من ترتيب أمور في وسط هذه الأجواء الملتهبة.

وفي الأيام الثلاث التي سبقت ٣٠ يونيو، كنت أتفزز من نومي بكوابيس، وكنت كالمجذوبة إذا غادر أحد من أولادي المنزل، وكنت كأنني في سجن أحكمت أنا قضبانه بنفسي خوفا من الخارج، خوفًا من وجوه عابثة تتمنى زوالنا لأننا فقط نقول تحيا مصر، ما هذا الحصار، ما هذا الدمار الذي أرى كل ساعة، من هؤلاء الناس، كيف يعيشون وسطنا، كيف كنا لا نعرفهم قبلا، كيف انخدعنا، هل سَيصدق ظني وهل سأتبع يقيني، أم خوفي وفقداني الثقة في كل شيء سيجعلني أصاحب اليأس وأستسلم للواقع القميء المثير للاشمئزاز.

ومرت الساعات وكأنها دهورًا إلى أن جاء البيان، وقتها فقط علمت أن الليل والسواد ذهبا إلى زوال وأن النهار لآت، وجدت نفسى مع ابنتي نطلق الزغاريد بهستيرية، ونفتح النوافذ لنسمع الجميع قوة الفرحة، لنسمعهم صراخنا بالفرحة، الصرخات التي لن تعود مرة أخرى تنزوي خوفًا، فقد أُعيدت لنا الثقة والبيان محا كل خوف كان قد تملك مننا، لقد علمنا أن بلدنا عاد كما تعود الشمس، لن تكفِ أي كلمات لتعبر عن خوفي قبل ذلك من المجهول، ولن تكفِ أي كلمات لتعبر عن اطمئناني الآن من المعلوم يقينا وما عاد مجهولا ، ٣٠ يونيو تحيا مصر ألف مرة ٣٠ يونيو أصبح بداية التقويم السنوي بالنسبة لي، مصر عادت شمسك الذهب. 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز