عاجل
الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

المستكاوي محاورًا فنيًّا لثقافات الشرق والغرب من خلال لعبة "الشطرنج".. (حوار- 3)

المستكاوي محاورًا فنيًّا لثقافات الشرق والغرب من خلال لعبة "الشطرنج".. (حوار- 3)
المستكاوي محاورًا فنيًّا لثقافات الشرق والغرب من خلال لعبة "الشطرنج".. (حوار- 3)

كتبت- سوزى شكرى

نستكمل الجزء الثالث من لقائنا مع الفنان حازم المستكاوي والذي خصصناه للتعرف على عملة الفني المشارك في بينالي القاهرة الدولي الثالث عشر، والذي يعد من أفضل الأعمال الفنية المرتبطة بتيمة البينالي "نحو الشرق"، العمل تحت عنوان "مدارات الشرق والغرب" صاحب عمله الفني المعروض بمتحف الفن الحديث بالأوبرا نصا مصاحباً يسرد فيه الفنان المضمون الفكري والفلسفي للعمل، ونتحدث عن اختياره للعبة الشطرنج ولمدرسة الباهاوس، وكيف ربط بينهما فنياً وفكرياً وفلسفياً.



عن مكونات العمل من الجانب الفني والتركيبي وصف لنا الفنان الآتي:

وهو عمل مكون من عدة عناصر متباينة ومركبة داخل غرفة واحدة: شطرنج نصف قطعه من تصميم الباوهاوس (ممثلاً للغرب الشمالي) ونصف قطعه الآخر من تصميمي أنا لشطرنج مصري (ممثلاً للشرق الجنوبي)/ منضدة محايدة للعبة الشطرنج الذهنية/ مقعدان للاعبي الشطرنج متشابهان وغير متطابقين / 16 صولجانا مذهبا لرموز بعض القوى المتحكمة والسلطة المتنافسة والأيديولوجيات المتناحرة وقوى الاستعمار والإمبراطوريات منذ بداية تأسيس الدول وحتى الآن / مع جهاز صوت يذيع أصواتا لمشجعي مباريات كرة قدم جماهيرية شعبية- جميع القطع منفذة بثلاثة ألوان فقط وهي الأسود والأحمر والذهبي والعمل الفني بتفاصيله منفذ من الكرتون والورق المقوى والأوراق والغراء وقليل من القطع الخشبية (في حالة من حالات تدوير الخامات كما أن هناك تدويرًا للأفكار والأيديولوجيات).

وهذا هو النص المصاحب للعمل كما سرده الفنان بجانب العمل المعروض الآن.

مدارات الشرق والغرب

أبدعت الحضارات الشرقية القديمة وعلى رأسها الحضارة المصرية حين استحدثت الزراعة والصناعة والعلوم والفنون ولقنتها لليونان، ومن بعدها الرومان مع فتوح الإسكندر، ففي الحضارات الشرقية القديمة نجد القصص الديني وعلوم بحتة وعلوم إنسانية وفنون وألعاب بحثت وأبدعت في قضايا الإنسانية: الوجود، الخلود، الخير والشر، الجنة والنار، الأصل والمصير كل هذا الإبداع الفكري والعلمي والإنساني والفني في الحضارة الغربية القديمة اليونانية والرومانية ستجد له أصل نبت منه في الحضارات الشرقية القديمة.

ولقد نجحت الحضارة الغربية في الاستفادة من هذه الفلسفة والفكر والفن الشرقي الأساس في وضع تعريف وتصنيف لماهية وعلة كل هذا، حيث لم تضع الحضارات الشرقية القديمة تصنيفات دقيقة لهذه العلوم والفنون والفلسفات وبالتالي لم يقيموا لها علوماً مستقلة، وهذا ما نجح فيه اليونان والرومان (الغرب) فوضعوا علماً مستقلاً بذاته من كل ما نقلوه عن مصر والهند وفارس والعراق والشام (الشرق)، ولا نستطيع أن نقول أن جميع ما أنجزه اليونانيون والرومان نقلوه عن الشرق القديم حرفياً أو تعلموه تلقينياً ولكنه كان المصدر والمحرك الأساسي للتفكير على نحو علمي ويحسب لهم مداومتهم على البحث والتفكير والتطوير من حينها وحتى الآن.

ولا يوجد ما هو أعمق تأثيراً على البنية الأساسية العليا للمجتمعات والحضارات أكثر وأهم من الفلسفة والثقافة والفنون فهي العناصر التي تبني وتمنح التميز والتمايز للمجتمعات وتنشأ الحضارات، وهي المنوط بها استشراف تغيير العالم والدفع نحو هذا التغيير.

تتغير أبعاد الحياة في المجتمعات الإنسانية وتتطور وتنتقل من مرحلة إلى أخرى ومن مكان إلى آخر، فجميع العصور التاريخية ما هي إلا مراحل انتقالية في حياة الإنسانية ومن المؤكد أنها لا تسير في خط مستقيم unlinear ولا حتى دائري فالمدارات لا تعود لنقطة البداية، ربما تتزامن أو تتقاطع أو تختلف في الكم والكيف وفي التأثير والتأثر في الحياة الاجتماعية والثقافية بل ربما السياسية والاقتصادية للمجتمعات.

الشطرنج

ومن نماذج هذا التغير والتطور والانتقال الإيجابي بين الحضارات والثقافات لعبة "الشطرنج" التي انتشرت في العالم من أقصاه إلى أدناه، أختلف التأريخ على أصل لعبة "الشطرنج" مابين الهند وبلاد فارس في حدود القرن السادس بعد الميلاد، وهناك من يقول أن أصل اللعبة يعود إلى الصين وحضارة الشرق الأقصى حول القرن الثاني قبل الميلاد، لكن لم يختلف على أصل الألعاب المشابهة أو ما يسمى بألعاب الألواح في تاريخ الحضارات فكانت لعبة "سنيت "senet منذ أكثر من 5000 عام في مصر القديمة، ولكن من المؤكد تاريخياً أن تطور الشطرنج وقوانينه تم على يد الحضارة الفارسية القديمة والتي نقلته بدورها للحضارة الإسلامية وانتشر بها انتشاراً كبيراً، وكان من الطبيعي أن ينتقل الشطرنج مع الحضارة العربية الإسلامية إلى أوربا في القرون الوسطى مع دخول العرب إلى الأندلس وبدأ انتشار الشطرنج في أوربا منذ القرن الثامن بعد الميلاد.

وبالطبع أتخذ الشطرنج تصميمياً الطابع الملكي متأثراً بالثقافة الفارسية العربية الإسلامية التي اعتمدت "الشاه" كعنصر أساسي للعبة وأقوى وأهم قطعة على رقعة الشطرنج والذي ينتهي الصراع بقتله، إلى أن ظهر شطرنج "الباو هاوس" Bauhaus من تصميم "يوزف هارتفيج" Josef Hartwig عام 1923 ذو الخطوط الصريحة والتشكيلات التي تعتمد الأشكال الهندسية الأساسية (المربع والمثلث والدائرة) لمدرسة الباوهاوس، والذي يختلف اختلافاً كلياً عن الشطرنج الأوربي الملكي أو العربي أو الفارسي اللذين أعتمدوا شخصية "الشاه" أو "الملك" وبالتالي كانت كل وحدات الشطرنج تشخيصية، عكس شطرنج الباوهاوس الذي يحاكي بل يقترب أكثر من فلسفة لعبة "سينت"senet  المصرية القديمة من حيث التلخيص والبساطة.

 

 

الباوهاوس 1919

تعتبر مدرسة الباوهاوس Bauhaus فنياً وتعليمياً منذ إنشائها عام 1919 الأهم على الإطلاق في القرن العشرين من حيث مدى تأثيرها على الحداثة في الفن والتصميم والعمارة منذ ظهورها وحتى الآن، تأثرت مدرسة الباوهاوس الألمانية بمدارس وأتجاهات الفنون الحديثة الأوربية مثل: البنائية الروسية  Russian Constractivism وأرت أند كرافت البريطانية  Arts and Crafts والأرت نوفو الفرنسية Art Nouveau واليوجند ستيل Jugendstil والفينرسيكسيون Wiener Secession النمساوية الألمانية، وأيضاً تأثرت وربما نستطيع القول بأنها تبنت أو أعتمدت على فلسفة فنون الحضارات الشرقية القديمة وعلى رأسها فلسفة الفن المصري القديم، من ادراك أهمية الربط بين الفن والمجتمع، الفنون التشكيلية بالفنون التطبيقية، الفن والتصميم والعمارة واعتبارهم جميعاً فن أو عمل فني واحد.

 ربط الإبداع الفكري وبالتصنيع واحترام الحرفة حتى أنها قدمت نفسها للمجتمع ولحركة الفن العالمية وكأنها مؤسسة الحرفيين Craftsmen's guild وكانت هذه الأفكار المتطورة الحديثة تقود التغيير والتطوير والتحديث في المجتمع الألماني والأوربي بالتالي، وهذا ما دفع السلطة الفاشية النازية لإغلاق المدرسة ومنع ممارستهم الفنية في عام 1933 مما دفع أساتذة وطلاب المدرسة للهروب من هذا الجحيم الفاشي والسفر في شتى بلاد الأرض فانتشرت أفكار وفلسفة مدرسة الباو هاوس في كل دول أوربا وحوض البحر المتوسط بل أتسع نطاق تأثيرها حتى أمريكا الشمالية والجنوبية، وسقط صولجان الفاشية والنازية واختفت وظلت فلسفة وأفكار وفنون الباوهاوس تؤثر وتطور منذ 1919 وحتى الآن حيث نحتفل جميعاً بمائة عام على ميلاد وإنشاء أكثر مدارس الفن تأثيراً على الحداثة في العالم.

 

 

 

اللعبة 2019 المدارات لا تعود لنقطة البداية

اللعب في الأصل سلوك فطري يتطور ويتغير بتغير الإدراك ويتطور مع زيادة الوعي وقد تتحول اللعبة إلي حلبة للتنافس بل والصراع يخرج منها منتصر ومغلوب.

في لعبة الشطرنج لا يغادر الملك المهزوم حلبة الصراع مثل باقى القطع بل تنتهي اللعبة بسقوط الملك (الشاه مات) دون ان يغادر الرقعة، الشطرنج لعبة ذهنية تحتاج الي مقومات لا تستند على القوة المباشرة إنما تعتمد بشكل أساسي على الخطط الاستراتيجة ومتتالية من التوقعات لخطط الخصم، وفي لعبة الشطرنج المعتادة تتطابق القطع في التصميم التشخيصي وتختلف في اللون كدلالة على التكافوء في البدايات بينما هنا تختلف القطع رغم استنادهما لنفس القيم التصميمية الهندسية اللا تشخيصية، هنا نحن امام لاعب جنوبي شرقي يلعب بقطع شطرنج بنيت تصميمياً على لعبة "سنت" المصرية القديمة والعناصر الهندسية التي تعتمد معايير المعماريين العظماء" سنن موت" ، "امحتب" ، "حم أيو نو"  واللاعب الآخر هو لاعب شمالي غربي يلعب بقطع شطرنج الباو هاوس الحديثة من تصميم "يوزف هارتفيج" بعناصر الهندسة الاساسية (المثلث والدائرة والمربع) أبجديات لغة الباوهاوس.

يجلس كل لاعب الي الرقعة مع قطعه الخاصة وعلى مقعده الخاص، نزال ذهني مؤقت لا يزول بزوال الرمز، فالرقعة ثابتة والقطع واللاعبين متغيرات وهو ما يأخذنا إلى رموز القوى ودلالاتها التى تشير إليها الصولجانات وعلاقتها باللعبة واللاعبان وهل هذه العلاقة تبادلية ام متتالية ؟ احتمالية تغير اللاعبان في مدارات تبدأ باعتلاء رمز ثم دخوله مع اخر في صراع على نفس الرقعة الأصلية ينتهي بموت أحدهما دون ان يغادر المنتصر الرقعة؟ أم تستمر اللعبة بلاعبين آخرين ؟ تتراكم الرموز المتنحية جانباً أو تتحور لكيانات أخرى أو تتحد لخلق كيانات جديدة هجينة في انتظار بعث جديد يدفعها لنزال مستقبلي مع لاعب مستحدث في شكل مختلف من أشكال الصراع، ربما تعود!

رموز ودلالات قوى ربما فكرية، فلسفية، علمية، سياسية، اقتصادية، ثقافية تحملها الصولجانات و تضعها في احتمالية أن تكون أو كانت لاعبا أساسيا في اللعبة ، رمزية الصولجان كما اللعبة هي الأخرى في الأساس انتقلت من مكان لآخر شرقاً وغرباً شمالاً وجنوباً لتكتسب صوراً مختلفة للقوة والسطوة ، سطوة العلم والفلسفة والعقيدة في مصر القديم، سطوة الاستعمار والامبراطوريات بداية من عصر الإسكندر، سطوة الأديان في القرون الوسطى، سطوة الأيديولوجيات والقوى النووية في النصف الأول من القرن العشرين، سطوة راس المال في القرن الحادي والعشرين، تتغير أشكال القوة والسطوة و تستحدث أشكال جديدة الا انها تظل قابلة للتجسد فى هيئة صولجان له نفس الرمزية والقوة والتأثير منذ القدم، تتغير المقاعد و القطع و يحضر كل لاعب حاملا أدواته الي نفس رقعة الشطرنج لينازل الآخر و بنفس قوانين اللعبة تتبادل الرموز مقاعدها و تنتظر دورها لتنافس على الرقعة القديمة وتدور أحداث اللعبة في غرفة مغلقة حيث يتابع المباراة آلاف المشجعين وملايين المتفرجين من عشاق الألعاب الشعبية مثل كرة القدم.  

 

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز