عاجل
السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

على بنه يكتب : الموروث

على بنه يكتب : الموروث
على بنه يكتب : الموروث

كان قرارها الابتعاد عني، الاختفاء من حياتي تماما، غادرت مسكنها، لم يعرف أحد طريقًا لها، احتارت صديقاتها في أمر اختفائها، تركتني للاشتياق ينهب نفسي، يصرخ أعماقي في تمرد، معلنًا عصيانه، على واقع فرضته عليّ أيامي، يطالبني في إلحاح باستردادها، أفتش في وجوه المارة، إثناء سيري في الشوارع وتواجدي بأماكن التجمعات العامة، علني أجدها، وحينما تلوح لي سيدة من بعيد تشبهها، أتابعها بنظري، حابسا  أنفاسي، متأرجحا  بين يأسي ورجائي، تمزقني الحقيقة، حين أكتشف أنها ليست هي، تمر الأيام والسنين ملتهمة عمري، لأغوص في أعماق ندمي، مترنحا بين آمال لقائها وآلام فراقها.



مساء اليوم، ذهبت للمكان، الذي شهد أول لقاء لنا، منذ زمن بعيد، تخليدًا وتقديسًا لها، ولذكريات حبنا، تغيرت بعض المعالم، وظلت أخرى محتفظة بشكلها، يتعلق نظري عليها، يعانقها إحساسي، ينتشي لها وجداني، تنسل ذكرياتي، الواحدة تلو الأخرى، لتحوم حولي، هنا كان همس كلمات حبنا، هناك تشابكت أصابعنا، وراء هذا الجذع، اختطفت منها أول قبلتنا، أشعر بالحرارة تبدد الصقيع الذي ضرب أركاني، ويذوب إحساس الغربة، الذي تملكني، منذ غربت عن حياتي.

بينما أنا جالس، أفتش في معالم المكان، أسترجع الذي كان، وقع نظري على سيدة تشبهها قادمة من بعيد، تعلقت عيناي كالعادة عليها، لأحفز ذاكرتي، على أن تطفو صورة حبيبتي من قاعها، وعلى غير المعهود، ينتفض داخلي، تتزلزل أركاني، تزداد ضربات قلبي، يجف حلقي، أفرك عيني، أعيد النظر، كلي يرتج، إنها هي؛ هي بالفعل؛ قفزت متجهًا نحوها، بقوة تفوق سنين عمري، محركها حرماني وتشقق وجداني، أمسكتها بكلتا يداي بقوة، أجذبها في إصرار لاحتضانها، تدفعني بيديها، ترجوني ألا أفعل، لكن عينيها تفضحها، كأنها تقول لي لا تصدقني، إني كاذبة، ضمني بكل قوة لصدرك، يلتهمها صدري التهاما، ليروي ظمأ سنين حرماني، أقول لها:

- ما زلت تحتفظين بجمال قوامك وبريق عينيك، فلم تغيرك الأيام كثيرا

- وأنت ما زلت تحتفظ بصورتك، إلا بعض من الشعر الأبيض يغزو رأسك، ليزيدك وسامة

- كم اشتقت لك، وأرق نومي حرماني منك طيلة سنوات بعادك

- وأنا قاسيت من غيابك، وعانيت من الصقيع الذي خيم على كل أيامي

- أحداث أيامي، ومتغيرات حياتي، كانت تؤكد دائما احتياجي لك، وبمرور الأيام والسنين، تحتج نفسي عليّ، لضياع ذاتي، لأنك من حققتها وجعلتها شامخة، وبانسحابك تبخرت ولم أستردها للآن، ونجاحي في حياتي العملية، لم يعوضني عنها أو عنك

- ألم تتزوج؟

- تزوجت، لتتأكد قيمتك، فأنت كنت حظي، الذي أهداني إياه قدري، أخرجك من طيات أيامي، ليضعك أمامي،

- كنت أعبدك وما زلت أحبك، اختزلت كل أحلامي وآمالي فيك، كنت محور اهتماماتي، كانت سعادتي في أن أمسح حذاءك من الأتربة التي علقت به، كان أملي أن أجعلك أسعد رجل في العالم، سعادتي في أن تملكني وأذوب في شخصيتك، غيرت ما أحبه وأكرهه إلى ما تحبه وتكرهه، كنت أتعلم هواياتك لأشاركك اهتماماتك، أطير من السعادة كالفراشة، حين تأمرني أو تطلب مني شيئا لأنفذه.

- أنا آسف لأني أضعتك وأضعت نفسي

- يوم أن صارحتني، بأنك لا يمكن أن تتزوجني، لأني مطلقة وأكبرك في العمر بعام، وأنك لم يسبق لك الزواج، وهذا ما سوف ترفضه عائلتك، ويضعك أمام الجميع في مرمى الشك والأقاويل؛ صفعتني كلماتك، شعرت بأن الأرض تميد بي، وأنك سكبت كل آمالي وأحلامي

- كنت حمارا وضحية لثقافات متخلفة، لن أتركك تضيعين مني مرة أخرى، ولنصلح ما فات، ونبدأ من جديد

- كنا واقعا، جعلته وهمًا، وبعد أن أدركت الحقائق، أصبحنا سرابًا

- ولكننا أصبحنا الآن واقعا، ولسنا سرابا، وحبنا حقنا

يمر من أمامنا شاب وفتاة، تشابك أصابع يداهما، تؤكد أنهما حبيبان، وددت أن أقول له، تمسك بحبيبتك، حارب من أجلها، ربما تكون هي فرصتك الوحيدة، التي أهداك القدر إياها، أتابعهما بنظري مبتسما، كانا في مشهد استنساخ لنا من الماضي، التفت لحبيبتي، أجدها تتابعهما في تمني، تخرج منديلا من حقيبة يدها، تنحني، تمسح حذائي، لتمحو ما علق به من تراب.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز