سري القدوة يكتب: الاستقلال الاقتصادي عن الاحتلال مقدمة للتحرر الوطني
فرض الاحتلال الإسرائيلي ومنذ قيام السلطة الوطنية الفلسطينية حصارا شاملا على الاقتصاد المحلي الفلسطيني، ووضع البرامج والخطط لحصار الاقتصاد الفلسطيني والتي تشرف عليها أجهزة متخصصة في الإدارة المدنية الإسرائيلية، وذلك لتدمير الناتج المحلي، وعمل الاحتلال على ربط أي تطوير بالاقتصاد الفلسطيني يكون مرهونا بالموافقة الإسرائيلية السياسية، وبالتالي وخلال سنوات معاهدة أوسلو وقيام السلطة الوطنية الفلسطينية، عملت حكومة الاحتلال على اتباع سياسة ضرب وتدمير الاقتصاد الفلسطيني.
وفي إطار هذه السياسة حاربت سلطات الاحتلال أي تطوير للاقتصاد، وأبقت الباب مفتوحا فقط للانخراط في سوق العمل الإسرائيلي، ما ساهم في حصار الإيرادات الفلسطينية وربطها بالاقتصاد الإسرائيلي، واليوم تفرض سلطات الاحتلال وتتحكم في توريد مستحقات السلطة الوطنية الفلسطينية من عائدات الضرائب بل وتفرض الغرامات وتقوم بالخصم ومصادرة الأموال الفلسطينية لصالح العملاء على حسب ما أصدرته محكمة تابعة للاحتلال الإسرائيلي وتحت حجج واهية، حيث يخضع الاقتصاد الفلسطيني لنظرية الأمن الإسرائيلية.
عملت سلطات الاحتلال على التحكم المباشر في طبيعة منظومة العمل للاقتصاد الفلسطيني، ووضعت البرامج الكفيلة في إعاقة تقدم الناتج المحلي وعدم تطوير الاقتصاد الفلسطيني بشكل مستقل، حيث عملت واصلت سلطات الاحتلال وخلال السنوات الماضية على الاحتفاظ بالصلاحيات المركزية لتتمكن من مواصلة بسط سيطرتها على الاقتصاد الوطني الفلسطيني.
كما تعمل سلطات الاحتلال على فرض القيود الصارمة على حرية حركة الفلسطينيين داخل الأراضي المحتلة، ومنعت السلطة من الوصول إلى مصادر تمويل حيوية، وتعيق إدخال أي معدات لازمة لتفعيل الصناعة، أو إقامة مشاريع تنموية، وتفرض قيودا شاملة على حركة النمو الاقتصادي الفلسطيني، ومنعت سلطات الاحتلال العسكري وحاربت كل المشاريع التنموية، وأبقت الباب مفتوحا فقط على الاستيراد الخارجي من خلال الموانئ الإسرائيلية، لتقوم بفرض الضرائب ضمن التعرفة الإسرائيلية.
وقد أدت هذه الخطوات إلى تدهور الاقتصاد الفلسطيني وعدم نمو الناتج المحلي خلال سنوات عمر السلطة الوطنية الفلسطينية، كما اعتمد السوق المحلي الفلسطيني على العمالة بداخل الأراضي المحتلة، ما عزز من اعتماد مجمل الدخل المحلي على الواردات من هذا السوق، وعكس ذلك إعاقة تقدم دخل الفرد في الأراضي الفلسطينية، وعدم توفر الموارد لدى الاقتصاد الفلسطيني لتوفير فرص التنمية والنهوض بالاقتصاد الوطني الفلسطيني بشكل مستقل.
إن العمل على اعتماد منهاج وطني شمولي ومتكامل لمفهوم الاستقلال الاقتصادي والانفكاك عن الاحتلال يعد بمثابة المقدمة الفعلية والخطوات العملية للتحرر والاستقلال الوطني الشامل وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، ولا بد هنا وفي هذا المجال من وضع الاستراتيجية الوطنية للاستقلال الاقتصادي عن الاحتلال، وبداية بناء الاقتصاد الوطني الفلسطيني والعمل على إصدار العملة الفلسطينية، واعتمادها رسميا ووقف العمل بالعملة المحلية (الشيقل)، أو العمل على اعتماد عملة الدينار الأردني كعملة وطنية فلسطينية بشكل مؤقت، مع العلم أن العملة الأردنية متداولة وتعتبر العملة الثانية من حيث التداول بالسوق الفلسطينية، واغلب البنوك الفلسطينية تتداول العملة الأردنية كعملة رسمية معتمدة بداخل المؤسسات المصرفية الفلسطينية، وأنه حان الوقت لوقف التعامل بالعملة الإسرائيلية، واتخاذ القرار من قبل القيادة الفلسطينية لإعلان الاستقلال الاقتصادي بمفهوم الانفكاك عن الاحتلال الإسرائيلي، ووقف التعامل مع مؤسسات الاحتلال الإسرائيلية، التي تستغل الإنسان الفلسطيني وتتعامل بواقع ومعطيات وإملاءات احتلالية مع المؤسسات الفلسطينية، فارضة وجهة النظر الإسرائيلية وقيامها بسرقة الأموال الفلسطينية بحجج واهية وبأساليب رخيصة، كما تستغل مئات العمال وتدفع لهم أجورا زهيدة وبشروط عمل مجحفة، وتعمل سلطات الاحتلال العسكري الإسرائيلي على فرض قيود وإجراءات تعسفية بحق العمال الفلسطينيين، بحيث أصبح يتم تفتيشهم بشكل استفزازي، ويتعرضون للإذلال والإهانة على الحواجز الإسرائيلية، وفي بعض الأحيان يتعرضون للضرب المبرح دون سبب من قبل الجنود الإسرائيليين.
كما تعمل سلطات الاحتلال على استغلال واقع العمال الصعب وتطلب من العمال الفلسطينيين ضرورة الحصول على تصاريح للعمل إضافة للبطاقة الممغنطة، ولا يمنح العامل هذا التصريح إلا بعد الحصول على براءة ذمة من الجهات الأمنية والضرائبية، إضافة لذلك اشترطت أن يكون العامل مسجلا في مكتب العمل الإسرائيلي، وأن يكون هناك طلب خطي من صاحب العمل الإسرائيلي، ونتيجة لهذه الإجراءات أصبح يتعين على العامل الفلسطيني أمام كل حاجز إسرائيلي إبراز البطاقات الثلاث التي بحوزته (بطاقة الهوية الشخصية، البطاقة الممغنطة، وتصريح العمل) ونتج عن هذا الإجراء حرمان آلاف أخرى من العمال الفلسطينيين من الالتحاق بأعمالهم، كما ويتم استغلال حاجة العمال الفلسطينيين للعمل ويخضع ذلك للموقف الأمني والسياسي لحكومة الاحتلال الإسرائيلي.
إننا أمام وقائع جديدة ومعطيات الاستقلال الوطني الفلسطيني يتحتم علينا ضرورة العمل وفق خطة وطنية شاملة من اجل فتح باب العمالة للعمال الفلسطينيين، والعمل على تعزيز القدرة الذاتية للاقتصاد الفلسطيني وفك ارتباطه مع الاحتلال العسكري الإسرائيلي، وإنشاء شبكة أمان اجتماعي لدعم الفقراء والعاطلين عن العمل، وذلك بإنشاء صندوق اجتماعي للتنمية، يعمل على تمويل المشاريع الصغيرة، ويمكن توفير التمويل اللازم له من صناديق التنمية العربية والدولية، وإيجاد سوق عمل عبر فتح الاستثمارات الواسعة لتشغيل العمال، خاصة في القطاع الزراعي والقطاع السياحي، وبناء اقتصاد وطني مستقبل لا يخضع للاحتلال ويلتزم بالمعايير الوطنية ويخضع لشروط الاستقلال الفلسطيني.
سفير النوايا الحسنة في فلسطين
رئيس تحرير جريدة الصباح الفلسطينية