عاجل
السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

د. خالد البغدادي: كارمن .. فتاة الجبل صراع بين القلب والعقل

د. خالد البغدادي: كارمن .. فتاة الجبل صراع بين القلب والعقل
د. خالد البغدادي: كارمن .. فتاة الجبل صراع بين القلب والعقل

( أنا عشتار.. النار المستعرة في الجبال ..) نص بابلي



 

ويبدو أن هذه النار قد لامست قلب كارمن أيضا، فأشعلت النار في قلوب كل الرجال .. فتاة الجبل الغجرية التي تتقمصها روح عشار تلك الإلهة الأنثى والتي ترقص رقصة النار التي تحولت الى رقصة الموت .. في هذا السياق جاء العرض المسرحي ( كارمن ) إنتاج وزارة الثقافة، ويعرض على مسرح الهناجر تحت إدارة الفنان محمد دسوقي وإدارة الإنتاج الثقافي للمخرج خالد جلال .

والعرض رؤية وإخراج للمبدعة ريم حجاب ابنة الشاعر الكبير سيد حجاب، الذى تعلمت منه كيف يحرر المبدع عقله من القيود الوهمية، ويركب حصان الخيال وينطلق الى آفاق أرحب وأوسع .. فالفن هو محاولة لرؤية الأشياء بشكل مختلف، والمخرج الناجح هو من يمتلك رؤية ووجهة نظر في الحياة .. ويقدم سياق مغاير لرؤية الأشياء، فعندما تشاهد العرض تشعر أنك أمام مخرج يفكر فيما يقول ويفعل .. كما أنها شجاعة تحسب لها أن تقدم على هذه المغامرة في تقديم رؤية جديدة ومختلفة لنص عالمي وعمل مسرحي عرض في معظم دول العالم.

وتم استلهام ذلك العمل المسرحي في العديد من الصيغ والوسائط الإبداعية المختلفة .. حيث تحولت القصة الى العديد من الأفلام العربية والعالمية واشتق منها أعمالًا درامية كثيرة، كما كانت شخصية كارمن مصدر إلهام لكثير من المبدعين والفنانين التشكيليين على مستوى العالم في العديد من اللوحات والتماثل والمعارض الفنية .. فكيف تحولت تلك الفتاة الغجرية التي تعمل في مصنع للدخان ( كارمن بتاعة السجائر)، كما يقال في الثقافة الشعبية الى ( نداهة إسبانيا) كما وصفتها الفنانة مادلين طبر .. التي تسحر قلوب الرجال ويسيرون وراءها إلى النهاية بأقدامهم ..

 

صراع القلب والجسد

وكارمن رواية كتبها أديب فرنسى ينتمى الى العصر الرومانسي بروسبير ميريميهprosper merime     والتأليف الموسيقى لجورج بيزيه george bizet حول غجرية إسبانية شرسة وجميلة .. متوحشة الطبع تؤمن بحرية الجسد وتكره القيود .. ترقص لتحرر جسدها، تسحر الرجال وتحرق كل من يقع في حبها، حتى وصفها الأديب يوسف السباعي بأنها ( امرأة بلا قيد) التي تمثل فكرة التحررية والتحرر وفكرة التمرد على كل القيود وكل القواعد .. فلا قانون إلا قانون الحياة .. والاستمتاع بها وأن تعيشها .. وأن تعتصر كل نفس فيها حتى آخر لحظة ..!!

وكارمن عند ريم حجاب فكرة أكثر منها شخص.. حيث تناقش فكرة الحرية والتمرد عبر عمل جماعي جيد ومنظم ومنضبط .. فكلهم في لحظة يصبحون كارمن وكل الشباب يصبحون الضابط خوسيه، فهي تناقش الفكرة التي تدور في خلدنا جميعًا فكارمن أصبحت معنى للتمرد والحرية والرفض القاطع لكل القيود .. لذا فبداخل كل منا – رجل أو امرأة – كارمن تسعى الى التمرد والخروج، ففي لحظات معينة يصبح الشخص في حد ذاته فكرة .. مثل جيفارا الذى أصبح فكرة أكثر منه شخص وتحول الى أيقونة ملهمة لكل شباب العالم ..وغاندي الذى أصبح فكرة ورمز للمقاومة السلمية ..وجان دارك التي تحولت إلى رمز للتحرر والحرية ..!!

وهنا لابد أن نتذكر رائعة فيكتور هوجو ( أحدب نوتردام )، حيث أزميرالدا هي كارمن التي ترقص لتحرر جسدها، والمقارنة بين كارمن وأزميرالدا هي في الحقيقة مقاربة أكثر منها مقارنة، فالصراع بين كارمن والضابط ( خوسيه )، الذى من شدة حبه لها تركها تهرب مخالفًا بذلك واجبه وضميره .. لكنه انحاز الى قلبه وحولته من ضابط يطبق القانون الى مجرم خارج عن القانون، فلا سلطان أقوى من سلطان الحب .. وقانون الحب دائما هو الشرع والشرعية ..

مما خلق نوعًا من الصراع بين الحب والواجب ...

سلطة الحب أم سلطة القانون ....

لكن أزميرالدا الغجرية، حولت بالحب الأحدب الوحش إلى عاشق رقيق القلب، لكنها في المقابل حولت رجل الدين إلى شرير متوحش الذى كان شديد الولع الجنسي بجسدها الهائج وأنوثتها المتوحشة .. والدراما دائما قائمة على الصراع .. سواء في الفن أو حتى في الحياة، مما خلق نوعًا آخر مغاير من الصراع بين سلطة القلب وسلطة الدين ..

صراع بين الفضيلة والغواية ..

بين انطلاق الروح وجموح الجسد..

بين القلب والعقل

بين اللاهوت والناسوت

فبين المقدس والمدنس تتأرجح الحياة بكل المتناقضات ..

 

تطوير الرؤية

ويقدم لنا هذا العمل مخرجة متمكنة من أدواتها وتفكر بشكل مختلف، وتعي ما تفعل .. وأيضا مجموعة جيدة وواعدة من الممثلين الشباب لديهم حيوية وطاقة عالية وتحريك الديكور جيد، ويحمل دلالات رمزية رغم بساطته، وهناك تحريك جيد للمثلين وتوظيف جيد الإضاءة، لكنها في حاجة الى إعادة رؤية، خصوصا في المناطق التي تحمل منولوج وحوارًا داخليًا لتخدم العرض أكثر، ورغم أن العرض كله يدور في جو من الفانتازيا الفنية، إلا أن هناك مشهدًا واحدًا يخرجنا فيه من هذا الجو وهذه الحالة لتعيدنا الى الوقت المعاصر الحالي .. وهى رؤية خاصة بها كمخرجة وربما تكون جيدة.. وقد صنعها محمد صبحى في مسرحية كارمن عام 1999 بحرفية عالية عندما صنع حالة من التداخل والتماهي ما بين الواقع والعرض المسرحي .. والصراع الذى يدور في الواقع والصراع الذى يدور في المسرح .. لذا فالفكرة جيدة لكنها تحتاج الى تأكيد في أكثر من موقف ..!!

والعرض في مجمله جيد ومبشر لذا يجب المحافظة عليه وإعادة تقديمه في أكثر من موسم وأن يتم انتقال عرضه الى أماكن أخرى سواء داخل مصر أو خارجها، إلا أن العرض في حاجة الى تطوير للرؤية وإعادة صياغة للآليات والأدوات، وإعادة صياغة بعض المواقف والمشاهد لتكون أكثر حيوية وتأثير وتوظف في خدمة العرض وإثرائه بشكل أفضل، مثل مشهد الغواية الذى يجب أن يكون أقوى من ذلك بكثير .. ومشهد الموت الذى يحتاج الى أن يكون أكثر قوة وإثارة وخصوصًا أنه مشهد النهاية .. كما يحتاج العرض الى مشهد فلامنكو استعراضي راقص يصاحبه عزف جيتار مباشر  .Live 

   والعرض أيضا في حاجة ماسة الى نجمة أو ممثلة معروفة تستطيع أن تحتمل شخصية كارمن وتقدمها للجمهور، خصوصا أن كارمن شخصية لها مواصفات جسدية وفيسيولوجية وسيكولوجية خاصة .. يجب على من تقوم بدورها أن تحمل تلك المواصفات التي تساعدها في التماهي معها حتى تستطيع أن تقنع الجمهور ويصدقها .. عندها سيصل العرض والمعنى الى الجمهور بشكل أفضل ..!!  

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز