عاجل
الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

ترامب ومسمار جحا مع الصين.. "تايوان"!

ترامب ومسمار جحا مع الصين.. "تايوان"!
ترامب ومسمار جحا مع الصين.. "تايوان"!

كتبت - هدى المصرى

لعل نظرية المعادلات الصفرية التي يتبناها البيت الأبيض حاليًا ويعمل بموجبها ولا يريد التخلي عنها، ‏‏العامل الرئيسي وراء استمرار الخلاف والتوتر الأمريكي- الصيني على خلفية ملفات عدة، يبرز على السطح منها الآن مسألة تايوان، هذه المسألة الممتدة والشائكة بين البلدين لا سيما مع وصول الرئيس دونالد ترامب إلى السلطة.



وبرز ملف تايوان إلى السطح الأن بعد موافقة وزارة الخارجية الأمريكية مؤخرًا، على خطة لبيع أسلحة تبلغ قيمتها حوالي 2.22 مليار دولار أمريكي إلى تايوان، في خطوة اعتبرتها بكين تدخلًا في شؤونها الداخلية وانتهاكًا صارخًا لمبدأ الصين الواحدة، ما جعلها تفرض عقوبات على الشركات الأمريكية المتورطة في بيع الأسلحة لتايوان.

وإشكال صفقة الأسلحة الأمريكية لتايوان هذا، أنه وضع الجانبين الأمريكي والصيني في مفترق طريق صعب، وذلك بالرغم من الاجتماع الناجح نسبيًا الذي عقد مؤخرًا بين الرئيسين الصيني والأمريكي في أوساكا باليابان على هامش قمة العشرين، حيث بدت الموافقة على مبيعات الأسلحة الجديدة إلى تايوان نوعًا من الاستفزاز لبكين وتقليلًا من أهمية الاجتماع سالف الذكر وما نتج عنه من هدنة بين البلدين أتاحت الفرصة لالتقاط الأنفاس بعد حرب تجارية شرسة مستمرة بينهما منذ عام.

فقضية تايوان أكثر القضايا حساسية بالنسبة إلى الصين، التي تعتبر تايوان جزءًا من أراضيها، وإقليمًا متمردًا لا بد أن يعود يومًا إلى كنف الوطن الأم، ولذلك فإن سياسة بكين دائمًا واضحة وصارمة تجاه هذا الأمر بأن هناك صين واحدة فقط في العالم، وان تايوان جزء لا يتجزأ من هذه الصين. وبموجب هذه السياسة، تقيم الولايات المتحدة علاقات رسمية مع الصين الشعبية وليس مع تايوان، حيث سياسة الاعتراف بموقف الصين حيال هذا الموضوع لا يعد حجر الزاوية في العلاقات الصينية- الأمريكية فحسب، بل يعد أيضا القاعدة الأساسية للسياسة والدبلوماسية بالنسبة للصين.

ورغم ادعاء حكومة تايوان بأن الجزيرة كيان مستقل تطلق عليه رسميا اسم "جمهورية الصين"، لا يسع أي دولة ترغب في إقامة علاقات دبلوماسية مع جمهورية الصين الشعبية إلا أن تقطع علاقاتها مع تايوان التي باتت معزولة دبلوماسيًا عن المجتمع الدولي.

وقد اعتمدت بكين في تعامل واشنطن مع ملف تايوان على السوابق في السياسة الأميركية التي تم تبنيها من قبل الإدارات الأميركية المتعاقبة منذ عام 1979، حيث أقرت واشنطن بمبدأ «الصين الواحدة» بعد أن تحسنت علاقتها ببكين وقطعت علاقاتها الدبلوماسية مع تايوان لكنها ظلت أقوى حليف للجزيرة ومورد الأسلحة الأجنبي الوحيد لها، وفتحت "المعهد الأميركي في تايوان" لمتابعة العلاقات بعد قطعها رسميًا.

ومع مجيء دونالد ترامب وانتهاج مقاربة جديدة تجاه بكين تقوم على "ضرب الصين في كل مكان، ورؤية ما الذي ينجح" بدأت تنكشف المساعي الأمريكية لتقويض مبدأ «الصين الواحدة»، فترامب يعلم جيدًا أهمية تايوان الاستراتيجية بالنسبة للصين كونها خطًا أحمر لا يقبل المساس، ومن ثم سعى إلى تعزيز سبل التعاون مع حكومتها كنوع من "المكايدة" السياسية للخصم الاقتصادي اللدود، وهو ما تجسده العديد من الخطوات التي اتخذها منذ قدومه للبيت الأبيض، أولها الاتصال الهاتفي الذي أجراه برئيسة تايوان تساي إنغ وين وهو الأول من نوعه منذ العام 1979، ثم موافقة إدارته خلال العام 2017 على بيع أسلحة لتايوان بقيمة 1.3 مليار دولار تضمنت دعمًا فنيًا يتعلق برادارات الإنذار المبكر والصواريخ المضادة للإشعاع فائقة السرعة والطرابيد ومكونات الصواريخ، ورغم تحذيرات بكين لواشنطن من إتمام هذه الصفقة مع تايوان لم يتراجع ترامب عن الصفقة كما لم يتوقف عن تعزيز العلاقات بتايوان والإفصاح عن نيته بيع أنظمة تسلّح متطوّرة لها.

بل إنه في عام 2018 قام بالتوقيع على قانون السفر لتايوان الذي يدعو إلى إجراء زيارات على مستوى أعلى بين البلدين، وكانت خطوة غير مسبوقة في تاريخ العلاقات بينهما، هذا بخلاف دراسة الجانب الأمريكي لمسألة زيادة التعاون البحري مع تايوان عن طريق إرسال قطع بحرية أمريكية إلى القواعد التايوانية البحرية، وفتح مكتب تمثيلي جديد تبلغ كلفته 256 مليون دولار في العاصمة التايوانية تايبيه، يعمل كسفارة من الناحية الفعلية، وهو أمر لم يحدث منذ سبعينيات القرن الماضي.

ومن هنا يمكن ربط جميع التحركات الأمريكية الدبلوماسية والعسكرية إزاء تايوان ومن ضمنها موافقة وزارة الخارجية الأمريكية على خطة لبيع الأسلحة إليها وإقرار مجلس النواب الأمريكي ما يسمى "قانون ضمان تايوان"، بإعادة مبيعات الأسلحة إلى طبيعتها، ثم الموافقة على مبيعات الأسلحة الجديدة بملف المفاوضات التجارية بين واشنطن وبكين والضغط على الجانب الصيني في هذا الإطار، فالجانب الأمريكي يشدد على أن التوصل إلى اتفاق في هذا الملف مرهون بالمكاسب الأمريكية وفقا لتصريحات ترامبوالذي أكد بأنّ اي اتفاق يتمّ التوصّل إليه يجب أن "يميل" لمصلحة الولايات المتحدة وبأنه لا يمكن عقد صفقة متساوية 50/50. ويجب أن تكون الصفقة مائلة إلى حدّ ما لصالح أمريكا.

خلاصة القول، أن توطيد العلاقات مع تايوان بهذا الشكل ليس محض صدفة، بل أمرا مرتبا متعمدا، من قبل ترامب وإدارته.

ويمكن البناء على تصريحات ترامب سالفة الذكر التي أعقبت قمة العشرين واتهامه للصين بعدم شراء منتجات زراعية أمريكية طبقا لتعهدات قال إنها قطعتها، الاستنتاج أن كل ما يصدر عن واشنطن من خطوات تصعيدية في ملف تايوان فهي مقصودة ونتاج عمل فريق ترامب وراء الكواليس. وهذا يقود إلى أن كلا من واشنطن وبكين لا تزال بينهما خلافات كثيرة وأن المواجهات الكبرى ما زالت ممكنة. كما أنه من الصعب الحكم في هذه المرحلة على نجاح استئناف المفاوضات التجارية بين الجانبين، لأن المناقشات بعد الهدنة وان كانت تمثل مرحلة بناءة لكن ما تسلكه واشنطن حاليًا لا يبدد الشكوك الصينية حسنة النوايا والتي أكدت في أكثر من مناسبة بأنها تؤيد حل النزاعات التجارية عبر المفاوضات، لكنها "ستحمي بحزم" حقوقها ومصالحها المشروعة وبأنها لن تقف مكتوفة الأيدي إذا ما تضرر اقتصادها.

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز