عاجل
الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

كنز فني يعاد اكتشافه بمتحف "جاير أندرسون" بالسيدة زينب

كنز فني يعاد اكتشافه بمتحف "جاير أندرسون" بالسيدة زينب
كنز فني يعاد اكتشافه بمتحف "جاير أندرسون" بالسيدة زينب

كتبت - سوزى شكرى

لوحة "الصلاة" للفنان الرائد "محمود سعيد" تكشف اختلافات في التوثيق 



أعمال للفنانين الرواد كل من "محمد ناجي"، و"جورج صباغ"، و"إيمي نمر" 

ولوحة لـ "محمد على" تؤرخ مرور عام على تولية حُكم مصر

لوحة رسم بالفحم للفنان " برنادررايس".. ولوحة بورترية "جاير اندرسون " للفنان الإنجليزي المتمصر "حمزة كار"

 قد لا يدرك البعض مدى المسؤولية التاريخية والمهنية في تناقل معلومات عن الأعمال الفنية للفنانين الرواد، فكم من المعلومات المتناقضة والمتضاربة نجدها متداولة في المقالات النقدية والمجلات والكتب المتخصصة، وفى الكتالوجات والأبحاث والرسائل العلمية، فمع تكرار تداولها ورصدها منحت صفة المصداقية وأصبحت الصواب السائد دون أن نتأكد من صحتها، وذلك لأننا نفتقد التوثيق، لذا كان يجب بل يجب على كل من يرصد معلومة غير مؤكدة، أن يذكرها أنها معلومة احتمالية ليمنح الفرصة للآخر أن يستكمل رحلة البحث بعده، وحين توصلنا الى اكتشاف جديد يحمل صفة التأكيد والحسم حول المعلومات السابقة، يلزمنا هذا الاكتشاف بتصحيح ما سبق رصده من معلومات، وذلك حافظًا على الأمانة العلمية واحترامًا لقيمة الفن والفنانين.

الاكتشاف الجديد هو مجموعة من اللوحات الفنية النادرة لرواد الفن في العصر الحديث المصريين والأجانب والمتواجدة ضمن مقتنيات بمتحف "جاير اندرسون Gayer Anderson " أو بيت الكريتلية، الذى يقع بجانب مسجد بن طولون في حي السيدة زينب بالقاهرة، والتابع لوزارة الآثار، فقد شكلت وزارة الاثار لجنة متخصصة برئاسة أستاذ الجرافيك بكلية الفنون الجميلة بجامعة حلوان، الناقد الفني والمؤرخ الدكتور ياسر منجي وعضوية ميرفت أمين مدير عام المتحف وعدد من أمناء المتحف، للقيام بأعمال التوثيق العلمي للأعمال الفنية التي تم اكتشافها بالتوصيف الدقيق من حيث " معرفة الفنان وهويته - موضوع اللوحة فكرة العمل – أبعاد اللوحة وحالتها - ونوعية الخامات المستخدمة - وتقنية التنفيذ - تاريخ الإنتاج". 

ولمعرفة تفاصيل الاكتشاف كان لـ "بوابة روز اليوسف" هذا اللقاء مع الدكتور ياسر منجى رئيس لجنة التوثيق وتوصيف الأعمال المكتشفة.

  ذكرت في العديد من اللقاءات أن التاريخ يحتاج إلى تصويب بسبب عدم الدقة في التفاصيل، حدثناه عن ذلك؟

كنتُ، ولا أزال، مُصرًا على أن وقائع تاريخ الفن المصري الحديث لم تُكتَب بعدُ كاملةً، وعلى أن المخبوء والمجهول والمَنسي من تفاصيلها وأحداثها وتحولاتها، بل وأبطالها، يكاد يوازي – إن لم يَفُق – المعلوم والشائع والمتاح، تأريخًا وتوثيقًا ودراسةً. وخلال السنوات الماضيات اللاتي أوقَفتُ في أثنائها شطرًا كبيرًا من جهدي البحثي على إعادة توثيق سِيَر المنسيين والمجاهيل من فناني مصر، وإعادة تصحيح المغلوط وتوضيح المُلتَبِس من وقائع تاريخنا الفني الحديث وأعماله .

وقد كان يقيني، ولا يزال، أن آفة الآفات الكامنة في صميم هذه الفجوة التاريخية، إنما تتمثل في استسهال نقل المعلومات المتواترة، واستنساخها عن الشائع من المصادر والمشهور من المراجع. فهذا الاستسهال – للأسف – هو السبيل المطروق عند الكتابة عن تاريخ الفن المصري الحديث، لدى جمهرة عظيمة من الباحثين، مِمَّن يكتفون عادةً بوسائل البحث المكتبية، ويستغنون بها عن بقية أدوات البحث الميداني، وعن المراجعة الحية للوثائق الأصلية، ناهيك عن إجراء المقارنة بين المصادر ومطابقة بعضها ببعض.

في رأيك هل هو اكتشاف جديد أم هو إعادة اكتشاف أعمال الفنية بمتحف "جاير أندرسون"  

هو إعادة اكتشافٍ لمجموعةٍ فنيةٍ نادرة، تتضمن فرائد من أعمال نخبةٍ من مشاهير رواد الفن المصري، وعددٍ من أبرز الفنانين الغربيين الذين استوطنوا البلاد خلال النصف الأول من القرن العشرين، وتركوا خلال مكوثهم بها بصماتٍ مؤثرةٍ، سواء في معترك الحركة الفنية أو في دوائر التدريس الأكاديمي للفنون في مصر، وبرغم شهرة هؤلاء الفنانين جميعًا، فقد ظلت هذه المجموعة – أو بالأحرى هذا الكنز – مهجورةً مِن قِبَل دارسي الفن المصري الحديث ومؤرخيه ونقاده، ولم تلقَ ما تستحقه من دراسةٍ وتوثيقٍ منهجي، بل ولم تَحظَ حتى بمجرد التنويه بها في المراجع والمصادر الفنية المتخصصة، وظلت الاعمال مجهولة قرابة خمسة وسبعين عامًا رغم أنها معروضة بالمتحف، وتحت بصر الزائرين منذ عام 1943 دون أن يُلقي إليها أحدٌ من مؤرخي الفن المصري الحديث بالًا.

هل لديك تفسير لعدم انتباه المؤرخين لهذه المجموعة الفنية بالمتحف، وأنها ظلت مجهولة منذ عام 1943؟  

 لا أزعم أنني اهتديتُ سوى لبعض الاحتمالات، التي قد تبرر عدم انتباه المتخصصين في الفن إليها، فمن هذه الاحتمالات: الخصوصية التاريخية للمكان نفسه، فزائرو المكان يأتون في الأساس وهم مفتونون بنموذج شخصية "جاير أندرسون" "روبرت جرونفيي جون جاير أندرسون" "1881 – 1945" – أو "أندرسون باشا" – ذلك الميجور الإنجليزي صاحب السيرة المثيرة، التي التقت فيها ممارسة الفن، بجمع الآثار، واقتناء نفائس الأثاث والمنسوجات والتحف والكتب، والذي هام بمصر وبتراثها وآثارها حُبًا، ليتخذ من بيت "الكريتلية" مستقرًا، جمع فيه ذخيرة رحلته تلك. 

باختصار، يمكن القول بأن أغلب زائري المكان يأتون وهم مشحونون بذلك الحِسّ النوستالجي، الذي تختلط فيه إثارة السيرة الفريدة لـ"أندرسون" بدوافع الافتتان بهذا الأثر المعماري البديع، وبما يشمله من مجموعات المقتنيات التاريخية، والنوادر الأثرية، التي تستقطب جُلّ اهتمام السواد الأعظم من الزائرين، بأكثر مما قد تفعله مجموعة "لوحات" حديثة، في إطار ثقافةٍ عامةٍ لا تعبأ كثيرًا بالفنون البصرية، وأن طبيعة المكان، باعتباره مزارًا أثريًا في المقام الأول، قد لا يتطرق لأذهان الكثيرين أنه يحوي بين ذخائره ما يَمُتّ للفن الحديث بِصِلةٍ .

وأيّاً كانت الأسباب التي أدت بهذه المجموعة إلى أن تظل مجهولةً لدى متخصصي الفنون ومحبيها، ففي ظني أنها تُبَيّن مدى جسامة الإشكالية التي يعانيها التأريخ الجاد لفننا المصري الحديث، وتوضح جانبًا من التحديات التي تكتَنِف مساعي توثيق بدائع هذا الفن والتأريخ الدقيق لمُجمَل ثروة مصر الفنية.

 كفنان وباحث هل كان لك زيارات سابقة لمتحف "جاير أندرسون"؟ 

كانت أول صلةٍ لي ببعض فرائد هذه المجموعة الفنية، قد بدأت عام 2012، في أثناء عكوفي على إكمال مادة كتابي المُعَنوَن "برنارد رايس : الأب المجهول للجرافيك المصري"، الذي نُشِر في العام نفسِه، وذلك حين لاحظتُ خلال إحدى زياراتي للمتحف وجود عمل من أعمال الرسم بالفحم ضِمن هذه المجموعة، يحمل توقيع "برنارد رايس"، إضافةً إلى أعمالٍ جرافيكيةٍ أخرى له، منفذة بطريقة الطباعة البارزة ، ونظرا لظروف سفري خارج مصر، فلم أشرع في تَقَصّي بقية فرائد المجموعة ، واستكشافها والتعرف على فنانيها بأسلوبٍ منهجي، بالإضافة الى انشغالي ببعض المهام البحثية ومشروعات التوثيق الفني والتراثي بعدة دول عربية، لم أفرغ منها إلا منتصف عام 2016.

وبعودتي آنذاك لزيارة المتحف، بصحبة دفعات من طلاب كلية الفنون الجميلة، استَجَدّ الدافع مرة أخرى للشروع في دراسة هذه المجموعة الفنية، وضرورة مخاطبة إدارة المتحف في هذا الشأن رسميًا، وهو ما حدث بالفعل خلال نهاية شهر نوفمبر من عام 2018، حينما تحدثتُ إلى الأستاذة "مرفت عزت"، مدير عام المتحف بهذا المعنى، لأجدَ من جانبها استجابةً وحماسًا، يعزّزهما وعيٌ، وطُموحٌ لتطوير المتحف وتوثيق نفائس محتوياته، وكان أن أسفر هذا النقاش عن تشكيل لجنة رسمية شرفتُ برئاستها لهذا الغرض، واستمر العمل ثلاثة شهور متواصلة.

اذكر لنا الأعمال الفنية للفنانين المصريين المكتشفة بمتحف "جاير أندرسون " وتوصيفها؟

اشتملت هذه المجموعة الفنية الفريدة على أعمالٍ لكلٍ من الرواد: "محمود سعيد" والتي تعد اكتشافًا مهمًا وتشير إلى مدى الاختلافات في رصدها في المراجع، كما تواجدت لوحة للفنان "محمد ناجي"، و"جورج صباغ"، و"إيمي نمر"، بالإضافة إلى لوحة نادرة، مرسومة بالألوان المائية، من أعمال الأمير "محمد علي توفيق"، ولي عهد مصر الأسبق، وصاحب القصر الشهير بالمَنيَل، وهي موقعة، ومؤرخة بعام 1936، وتتضمن إهداءً بالإنجليزية لبيت الكريتلية.

واحدةٌ من المفاجآت حدثت في أثناء فحص لوحةٍ، تتضمن صورةً شخصية للوالي "محمد على" باشا، وبأسفلها تأريخ ليوم 13 مايو 1806، وهو تاريخ ذكرى مرور عام على مناداة زعماء الشعب المصري بـ"محمد على" واليًا على مصر، وبأسفل التأريخ، عبارة نَصُّها: "مؤسس العائلة العلوية الخديوية محمد على الكبير"، وعند فحص ظهر اللوحة، ظهرَت أربعة ملصقات متفاوتة المساحات، أولها بطاقة موقعة بتوقيع "جاير أندرسون"، تتضمن عبارات قصيرة بالإنجليزية حول وصف العمل. 

أما الملصق الثاني فهو غلاف العدد رقم 106 من مجلة "الراديو المصري"، الصادر في 27 مارس من عام 1937، احتفالاً بمئوية تأسيس نظارة المعارف "ديوان المدارس"، وقد ظهرت على الغلاف صورة اللوحة نفسها، مطبوعة بدرجات الأبيض والأسود، وقد كُتِب أسفلها: "صورة زيتية لرأس الأسرة المالكة المصرية، يرجع عهدها إلى 13 مايو عام 1806، سمح بنشرها مُجاملةً الميجر جاير أندرسون صاحب "بيت الكريتلية"، بمناسبة الاحتفال بالعيد المئوي لوزارة المعارف"، وإلى جوار هذا الغلاف، اشتمل ظهر اللوحة على ملصقٍ ثالث، يتضمن الخبر نفسه مطبوعًا باللغة الإنجليزية، أما الملصق الرابع، فيتمثل في طابع بريد، يتضمن صورة "محمد علي"، وقد صدر عام 1938، بمناسبة استضافة مصر للمؤتمر الدولي للمناطق الحارة.

من هم الفنانون الغربيون ضمن المجموعة الفنية المكتشفة؟ 

الفنانون الغربيون، الذين كشف الفحص عن وجود أعمالٍ لهم ضمن المجموعة، من أبرزهم كلٌّ من: المصور الإنجليزي "سبيرلينج"، و"توماس جاير أندرسون" – الشقيق التوأم للميجور "أندرسون" صاحب المتحف – و"برنارد رايس" مؤسس فن الجرافيك المصري الحديث، و"حمزة كار"، الذي كان من أساتذة مدرَسَتَي الفنون الجميلة والفنون التطبيقية، وكان من أبرز تلامذته "صلاح طاهر" و"رمسيس يونان". 

 كما تتضمن المجموعة كذلك أعمالاً للفنانين الإنجليز: "فيفيان فوربس"، والحفار "إيريك جيل"، و"جلين فيلبوت"، و"رجينالد بريل"، و"إرنست بروكتر"، و"وليام ستيوارت"، و"أوسكار بيرجمان"، و"إدنا كلارك هول"، و"دود بروكتر"، و"إدوارد لير"، و"وليام أشتون"، و"جورج إلجوود"، و"فرانك برانجوين"، و"هربرت ترومان".

وقد تم توثيق كل البيانات الخاصة بأعمال المجموعة، من خلال التقارير التفصيلية لأعمال اللجنة، تمهيدًا لنشرها لاحقاً في كتالوج خاص، من إصدارات المتحف، مزود بالصور، سيتضمن دراسة تاريخية وافية عن المجموعة وفنانيها، بقلم كاتب هذه السطور، كما أنه من المُزمَع أن يُنَظّم المتحف معرضًا خاصًا لهذه المجموعة، لإعادة إلقاء الضوء عليها بما يناسب قيمتها الفنية.

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز