عاجل
الثلاثاء 14 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

‎المكفوفون: عالمنا أجمل من الواقع

‎المكفوفون: عالمنا أجمل من الواقع
‎المكفوفون: عالمنا أجمل من الواقع

كتب: ندى مختار



ينظر إليهم البعض بشفقة لعدم قدرتهم على رؤية الأشياء، إلّا أنهم يتميزون عن غيرهم من المُبصرين بأن لهم طريقة خاصة يرون من خلالها العالم، فكثيرٌ منا يوجد فى محيطه شخص كفيف، كثيرًا ما تعجب من طريقة تعامله مع الأشياء من حوله، إحساسه يُحركه للتعامُل مع مَن حوله.. فدُنيا الكفيف تحمل فى طياتها العديد من التفاصيل التى تزيد ثراءً وتميزًا عن عالم المُبصرين.

يمتلك الكفيفُ قدرةً على التكيُّف مع الظلام تفوق المُبصر، الذى إذا أغمض عينيه للحظات فإنه يواجه العديد من الصعوبات، فالكفيف لديه وعى بالبيئة المحيطة به ما يفوق بشكل كبير الوعى الذى نتخيله عنه، فقد يحتاج فترة للتعرُّف على المكان الذى يحيط به فى حال انتقل لمكان جديد، لكن هذا لا يعنى أنه يحتاج لمساعدة متواصلة، ولديهم شغف دائم فى التعليم واستخدام التكنولوجيا.


نرى ما لا ترونه


«ماريا أشرف»، طالبة بكلية الإعلام جامعة القاهرة بالفرقة الثالثة قسم الإذاعة والتليفزيون، واحدة من أولئك الأشخاص الذين تحدّوا إصابتهم والواقع لإثبات نفسها، فهى ترفض فكرة النظر إلى الإنسان الكفيف على أنه يعانى من مشكلات ذِهنية أو فكرية أو حركية، فالأمر بالنسبة لها تعليم اعتيادى، فكل مكان جديد ترسم له صورة ذهنية معينة، تُمكنها من التعايُش معه بمفردها، ومع الاعتياد تستطيع الذهاب لأى مكان بمفردها.


تقول ماريا: «نحن لا نرى الظلام أو يصيبنا رهبة واكتئاب منه، فنحن لا نعرف أن هذا هو الظلام لأننا لم نرَ النورَ، وفى اعتقادى أنه شىء جيد وأتعايش مع ذلك بشكل طبيعى جدّا، أعتقد أن نظرة المجتمع لنا تختلف؛ لأنهم عند انقطاع التيار الكهربى يكون المبصر كضال الطريق لا يعرف ماذا يفعل؟ وأين يذهب؟! ويتعذر عليهم التفرقة بين الأشياء ويعتقدون أن هذا تمامًا ما يحدث معنا ولكن الأمر عكسى!!».


المبصرون يعتمدون على الرؤية البصرية، ومن دونها  يرون أن الحياة مستحيلة، تضيف ماريا: «رُغْمَ أننا محرومون من البصر؛ فإن الله أنعم علينا بنِعَم كثيرة نحاول استخدامها بشكل مفيد؛ لتساعدنا على التعايش بشكل طبيعى».
«ماريا» وُلِدَتْ فى الشهر السابع مع شقيقتها التوأم، ولكن بسبب حجمها الصغير اضطر الأطباء لإدخالها بالحضَّانة وأصيبت بضيق تنفسى، وكتب القدر كلماته بأن تفقد بصرها بسبب زيادة نسبة الأكسجين الذى تعرضت له ما تسبب فى انفصال فى شبكية العين، وقتها لم يدرك والداها ما حدث لطفلتهما وعندما لاحظا الأمرَ وعلمَا بعدم وجود علاج لها بدآ فى التعامُل معها بطريقة طبيعية للغاية، فقد بدأت فى التحدث قبل إتمام عامها الأول.


حرص الوالدان على شراء كل الألعاب التى تمتلك صوتًا لتعويضها عن الصور، وساعداها فى التعرُّف على الحيوانات وأشكالها، والحروف واستخداماتها؛ حُبّا فى أن تتعلم كل شىء، وكانت تلعب معهما بلألعاب الورقية - أوراق الكوتشينة- التى كتبتها بطريقة برايل، ولم يُشعراها بثمة اختلاف عن شقيقتها.

 



ولكم فى الموسيقى حياة


بدأت «ماريا» فى الاستماع إلى الأغانى وحِفظها، ما دفع والدتها لتعليمها الموسيقى، واشترت لها «أورج» وهى لم تبلغ عامها الخامس، والتحقت بمدرسة لتعليم الموسيقى، وبعد فترة أخبرت المدرسة الأم أن «ماريا» لن تستطيع الوصول لمرحلة الاحتراف بحُجة أن البيانو يحتاج لرؤية- على حد قولهم- فلم يكن هذا إلا دافعًا حقيقيّا فى زيادة شغفها فى احتراف عزف البيانو، فتركت تلك المدرسة وتدربت على يد أستاذة جامعية بكلية التربية الموسيقية، الأمرُ الذى فتح لها المجال فيما بعد أن تجتاز معادلة «Trinity College»  من لندن، وحصلت على درجة البكالوريوس، وحاليًا تعتزم تحضير الدبلومة والماجستير فى البيانو. 


التحقت «ماريا» بمَدرسة النور والأمل للكفيفات، وهى تابعة لجمعية النور والأمل، وبدأت فى تعلم القراءة والكتابة وتأدية اختباراتها بطريقة برايل بنفس المناهج الدراسية، وهذه المَدرسة فتحت أمامها الطريق فى أن تتعرف على معهد النور والأمل التابع للجمعية لتبدأ فى دراسة الكمان، وبعد خمس سنوات انضمت للأوركسترا، وهو فريق مكوَّن من بنات كفيفات قُمن بحفظ العمل الموسيقى وعزفه من دون إشارات المايسترو بفضل التدريبات الكثيرة قبل الحفلات، وساعدها ذلك فى السفر إلى فرنسا والصين وبلجيكا والنمسا وألمانيا، التى كانت من أمتع تجاربها، وساعدها ذلك فى التعرف على ثقافات جديدة؛ حيث ازدادت فخرًا بهذا التطور والرقى فى كل شىء؛ خصوصًا فى طريقة التعامل معهم. 


فى بداية الأمر لم تكن «ماريا» حددت طريقًا لدراستها الجامعية، ولكن بعد تفوقها فى المرحلة الثانوية وحصولها على 97 % وجدت الأنسب لميولها الالتحاق بكلية الإعلام جامعة القاهرة قسم الإذاعة والتليفزيون لحبها الشديد لفن الدوبلاج والتعليق الصوتى، وبدأت بأخد دورات تدريبية لتطوير نفسها بالإضافة إلى حُبها للكتابة، فحلمها كتابة قصص للأطفال وتأديتها بصوتها وترجمتها للإنجليزية والفرنسية ونقل التراث العربى لكل دول العالم.


من المشكلات التى واجهتها عدم النظام فى الطرُق، فلا يلتزم أحد بإشارات المرور، كما أن السيارات تمشى بسرعة رهيبة، فبالتالى من الصعب عبور الشارع بمفردها على عكس ألمانيا التى قامت بعمل إشارة صوتية ما يسهل عليهم الأمر، فضلا على مشكلة تجميع المادة العلمية بسبب عدم توافرها بأسلوب البرامج الكتابية، لذا تلجأ لتسجيل المحاضرات وبعد ذلك يقوم والدها بتدوينها لها. وتستاء كثيرًا عندما تجد بعض أماكن الدورات التدريبية أو العمل لا تقبلهم فقط لكونهم كفيفات!!.


رحلتى من الكتاب إلى الكمبيوتر


أمّا «حسام محمد عبدالتواب»- الذى يبلغ من العمر الواحد والأربعين، ويعمل حاليًا كمدرب للحاسب الآلى- فلا يختلف كثيرًا عن «ماريا»، فهذا الشاب الذى وُلد فى إمبابة، ذلك الحى الشعبى الذى كان يختصر تعليم الكفيف فى حفظ وإجاده القرآن الكريم وتلاوته فى الجنائز والمقابر، يقول: «بالطبع حِفظ القرآن شرفٌ، وأى شرف، ولكن يجب أن يترك كل منا بَصمته، وهو الأمر الذى حرص عليه والدِى». موضحًا أنه استطاع حِفظ ستة أجزاء من القرآن باجتهاده الشخصى من خلال استماعه للشيخ الحصرى على شرائط الراديو أو الحاسب الآلى.


«حسام» هو أخ لشقيقين كفيفين تََوَفَّى الأصغر منهما ولم يتجاوز الخامسة من عمره، وحصل «حسام» على الشهادة الابتدائية والإعدادية والثانوية من معهد النور بحمّامات القبة، والتحق بكلية الآداب جامعة عين شمس قسم التاريخ، الذى اختاره لشغفه فى التعرف على التاريخ والحضارات، ونجح فى الحصول على الماچستير من شعبة التاريخ الإسلامى وتم تسجيل رسالته.


بدأت رحلته مع الحاسب الآلى كتجربة قرر خوضها ولم يكن لديه أى خبرات سابقة، فتحوَّل الحلم إلى حقيقة وأصبح مدربًا للكمبيوتر منذ عام 2007م حتى وقتنا الحالى، ويُعد هذا العام انطلاقة قوية لسلسلة نجاحات، بعد أن حصل على شهادة إعداد مدربين من شركة IBM بالتعاون مع جمعية أهالى لذوى الاحتياجات الخاصة فى 2006م، وفى العام نفسه حصل على شهادتين إحداهما فى الأعمال المكتبية والأخرى فى لغات البرمجة، كما حصل على الرخصة الدولية لقيادة الحاسب الآلى وكان ضمن أول 18 كفيفًا على مستوى الشرق الأوسط من المكتب الإقليمى لليونسكو بالقاهرة، وفى قيادة الحاسب من وزارة الاتصالات.


حصل «حسام» أيضًا على شهادة رخصة الحاسب الآلى ICDL فى 2009م، بالإضافة إلى شهادة فى الموارد البشرية من شركة HBA بالتعاون مع مركز تأهيل الحاسبات، وحصل على أخرى فى تكنولوچيا المعلومات من شركة (Cisco Network Academy)، ويحرص على تقديم خبراته ونصائحه للمستفيدين.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز