عاجل
الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

علي بنه يكتب: الذكرى الـ٤٩ لوفاة الزعيم عبدالناصر

علي بنه يكتب: الذكرى الـ٤٩ لوفاة الزعيم عبدالناصر
علي بنه يكتب: الذكرى الـ٤٩ لوفاة الزعيم عبدالناصر

منذ أيام كانت الذكرى الـ٤٩ لوفاة الزعيم عبدالناصر، لتطفو على سطح ذاكرة التاريخ حكاياته، المحفورة في قلب وعقل ووجدان كل مصري.



 فنشأته الأولى والأحداث التي مر بها، تضافرت جميعها لتشكل اتجاهاته وتكون قناعاته، وتؤثر في ملامح شخصيته، لتنعكس على قراراته، التي غير بها وجه الحياة في مصر، سياسيا واجتماعيا واقتصاديا، فيتحول إلى زعيم قومي، تخلده أعماله المحفورة في صفحات التاريخ وتستدعيها من وقت لآخر ذاكرة الأفراد مع الأحداث، التي تمر بها البلاد وشعوب المنطقة العربية.

 وُلد جمال عبد الناصر في 15 يناير 1918، في حي باكوس الشعبي بالإسكندرية، لأب موظف بسيط في مصلحة البريد، ينحدر من أسرة تنتمي إلى قرية بني مر بمحافظة أسيوط في صعيد مصر.

التحق بروضة الأطفال في محرم بك بالإسكندرية، ثم انتقل إلى المدرسة الابتدائية بالخطاطبة، إحدى قرى دلتا مصر، في عامي ١٩٢٣، ١٩٢٤.

وفى عام ١٩٢٥ تم تحويله إلى مدرسة النحاسين الابتدائية في حي الجمالية الشعبي بالقاهرة، وأقام عند عمه خليل حسين، وكان في العطلات المدرسية يذهب لزيارة أسرته بالخطاطبة.

 في الإجازة الصيفية لعام ١٩٢٦ سافر إلى قرية الخطاطبة، مشتاقا لرؤية والدته وأبيه وأسرته، وهناك عرف أن والدته قد توفيت منذ شهرين، ولم يجد أحد الشجاعة لإبلاغه بموتها، ولكنه اكتشف ذلك بنفسه بطريقة ارتج لها كيانه رجا، كما ذكر ذلك لـ"دافيد مورجان" مندوب صحيفة "صنداي تايمز" ثم أضاف: "لقد كان فقد أمي في حد ذاته أمرًا محزنًا للغاية، أما فقدها بهذه الطريقة، فكانت صدمة تركت في شعورًا لا يمحوه الزمن، وقد جعلتني آلامي وأحزاني الخاصة في تلك الفترة أجد مضضًا بالغًا في إنزال الآلام والأحزان بالغير في مستقبل السنين".

في صيف ١٩٢٨ أرسله والده عند جده لوالدته، ليتم انتقاله من مدرسة النحاسين بالقاهرة إلى مدرسة العطارين بالإسكندرية، ليصبح تلميذا فيها بالصف الرابع الابتدائي.

استصدرت وزارة إسماعيل صدقي في عام ١٩٣٠ مرسومًا ملكيًا بإلغاء دستور ١٩٢٣، لتندلع مظاهرات الطلبة هاتفة بسقوط الاستعمار وبعودة الدستور.

ويحكى جمال عبد الناصر عن أول مظاهرة اشترك فيها فيقول: "كنت أعبر ميدان المنشية في الإسكندرية، فوجدت اشتباكًا بين متظاهرين من التلاميذ وقوات من البوليس، ولم أتردد في تقرير موقفي؛ فانضممت على الفور إلى المتظاهرين، لأكون في الجانب المعادي للسلطة، دون أن أعرف ما السبب الذي يتظاهرون من أجله، ولم أشعر أني في حاجة للسؤال، مرت لحظات سيطرت فيها المظاهرة على الموقف، لكن سرعان ما جاءت إلى المكان الإمدادات، حمولة لوريين من رجال البوليس لتعزيز القوة، وهجمت علينا جماعتهم، وأذكر أني (في محاولة يائسة) ألقيت حجرًا، لكنهم أدركونا في لمح البصر، وحاولت الهروب، لكن هوت على رأسي عصا من عصى البوليس، تلتها ضربة ثانية حين سقطت على الأرض، ثم شحنت إلى الحجز والدم يسيل من رأسي مع عدد من الطلبة الذين لم يستطيعوا الإفلات.

في قسم البوليس، أخذوا يعالجون جراح رأسي، سألت عن سبب المظاهرة، فعرفت أنها مظاهرة نظمتها جماعة مصر الفتاة في ذلك الوقت للاحتجاج على سياسة الحكومة.

يواصل الزعيم عبدالناصر حديثه فيقول: دخلت السجن تلميذًا متحمسًا، وخرجت منه مشحونًا بطاقة من الغضب". (حديثه مع "دافيد مورجان" مندوب "صحيفة صنداي تايمز" ١٨/٦/١٩٦٢).

التحق جمال عبد الناصر في عام ١٩٣٣ بمدرسة النهضة الثانوية، في حي الظاهر بالقاهرة، ليتضح نشاطه السياسي، فأصبح رئيس اتحاد مدارس النهضة الثانوية.

 وظهر شغفه بالقراءة في التاريخ والموضوعات الوطنية، فقرأ عن الثورة الفرنسية وعن "روسو" و"فولتير" وكتب مقالة بعنوان "فولتير رجل الحرية" نشرها بمجلة المدرسة. كما قرأ عن "نابليون" و"الإسكندر" و"يوليوس قيصر" و"غاندى" وقرأ رواية البؤساء لـ"فيكتور هيوجو" وقصة مدينتين لـ"شارلز ديكنز".

 

كذلك اهتم بالإنتاج الأدبي العربي فكان معجبًا بأشعار أحمد شوقي وحافظ إبراهيم، وقرأ عن سيرة النبي محمد وعن أبطال الإسلام، وكذلك عن مصطفى كامل، كما قرأ مسرحيات وروايات توفيق الحكيم، خصوصًا رواية عودة الروح، التي تتحدث عن ضرورة ظهور زعيم للمصريين يستطيع توحيد صفوفهم، ودفعهم نحو النضال في سبيل الحرية والبعث الوطني.

 

في عام ١٩٣٥ أقامت مدرسة النهضة الثانوية حفلا لعب جمال دور "يوليوس قيصر" بطل تحرير الجماهير في مسرحية "شكسبير"، بحضور وزير المعارف في ذلك الوقت.

 

 في ٩ نوفمبر من عام ١٩٣٥ صرح "صمويل هور"، وزير الخارجية البريطانية برفض بريطانيا لعودة الحياة الدستورية في مصر، وعلى إثر ذلك اندلعت مظاهرات الطلبة والعمال في البلاد، وقاد جمال عبد الناصر في ١٣ نوفمبر مظاهرة من تلاميذ المدارس الثانوية، واجهتها قوة من البوليس الإنجليزي، فأصيب بجرح في جبينه، سببته رصاصة مزقت الجلد ولم تنفذ إلى الرأس، وأسرع به زملاؤه إلى دار جريدة الجهاد التي تصادف وقوع الحادث بجوارها، ونشر اسمه في العدد، الذي صدر صباح اليوم التالي بين أسماء الجرحى. (مجلة الجهاد ١٩٣٥).

وتحت الضغط الشعبي، خاصة من جانب الطلبة والعمال صدر مرسوم ملكي في ١٢ ديسمبر ١٩٣٥ بعودة دستور ١٩٢٣.

 

انضم جمال عبد الناصر في ذلك الوقت إلى وفود الطلبة، التي كانت تسعى إلى بيوت الزعماء تطلب منهم أن يتحدوا من أجل مصر، وقد تألفت الجبهة الوطنية سنة ١٩٣٦ بالفعل على أثر هذه الجهود.

ونتيجة لنشاطه السياسي المكثف في هذه الفترة، والذي رصدته تقارير البوليس، قررت مدرسة النهضة فصله بتهمة تحريضه الطلبة على الثورة، إلا أن زملاءه ثاروا وأعلنوا الإضراب العام وهددوا بحرق المدرسة، فتراجع ناظر المدرسة عن قراره.

 

انشغل جمال بالسياسة، فتجول بين التيارات السياسية، التي كانت موجودة في هذا الوقت، انضم إلى مصر الفتاة لمدة عامين، ثم انصرف عنها بعد أن اكتشف أنها لا تحقق شيئًا، كما كانت له اتصالات متعددة بالإخوان المسلمين، إلا أنه عزف عن الانضمام لأي من الجماعات أو الأحزاب القائمة، لأنه لم يقتنع بجدوى أي منها، "فلم يكن هناك حزب مثالي يضم جميع العناصر لتحقيق الأهداف الوطنية".

 

تسلل الوعي العربي لتفكيره، فكان يخرج مع زملائه كل عام في الثاني من شهر نوفمبر، احتجاجًا على وعد "بلفور" الذي منحت به بريطانيا اليهود وطنًا في فلسطين على حساب أصحابه الشرعيين.

 

أتم جمال عبد الناصر دراسته الثانوية وحصل على البكالوريا في القسم الأدبي، فقرر التقدم بأوراقه إلى الكلية الحربية، فنجح في الكشف الطبي وجميع الاختبارات، لكنه سقط في كشف الهيئة، لأنه حفيد فلاح من بني مر، وابن موظف بسيط لا يملك شيئًا، ولاشتراكه في مظاهرات ١٩٣٥، وليس لديه واسطة، فتم رفضه.

 

 التحق في أكتوبر ١٩٣٦ بكلية الحقوق جامعة القاهرة ومكث فيها ستة أشهر إلى أن عقدت معاهدة ١٩٣٦ واتجهت النية إلى زيادة عدد ضباط الجيش المصري من الشباب بصرف النظر عن طبقتهم الاجتماعية أو ثروتهم، فقبلت الكلية الحربية دفعة في خريف ١٩٣٦ وأعلنت وزارة الحربية عن حاجتها لدفعة ثانية، فتقدم جمال مرة أخرى للكلية الحربية، ونجح في مقابلة وكيل وزارة الحربية اللواء إبراهيم خيري الذي أعجب بصراحته ووطنيته، وإصراره على أن يصبح ضابطًا فوافق على دخوله في الدورة التالية؛ أي في مارس ١٩٣٧.

 

 أصبح ناصر "رئيس فريق"، وأسندت إليه منذ أوائل ١٩٣٨ مهمة تأهيل الطلبة المستجدين الذين كان من بينهم عبد الحكيم عامر. وطوال فترة الكلية، لم يوقع عليه أي جزاء، كما رقي إلى رتبة أومباشي طالب.

كانت مكتبة الكلية الحربية غنية بالكتب القيمة، ومن لائحة الاستعارة تبين أن جمال قرأ عن سير عظماء التاريخ مثل "بونابرت" و"الإسكندر" و"جاليباردي" و"بسمارك" و"مصطفى كمال أتاتورك" و"هندنبرج" و"تشرشل" و"فوش". كما قرأ الكتب التي تعالج شؤون الشرق الأوسط والسودان وتتناول مشكلات الدول التي على البحر المتوسط والتاريخ العسكري. وكذلك قرأ عن الحرب العالمية الأولى وعن حملة فلسطين، وعن تاريخ ثورة ١٩١٩.

 

تخرج في الكلية الحربية بعد مرور ١٧ شهرًا، أي في يوليه ١٩٣٨، وذلك لاستعجال تخريج دفعات الضباط في ذلك الوقت، لتوفير عدد كاف منهم، لسد الفراغ الذي تركه انتقال القوات البريطانية إلى منطقة قناة السويس.

التحق بسلاح المشاة ونقل إلى منقباد في الصعيد، فمكنته إقامته بها أن ينظر بمنظار جديد إلى أوضاع الفلاحين وبؤسهم. وهناك التقى بكل من زكريا محيي الدين وأنور السادات.

 

يذكر جمال عبد الناصر: "في هذه المرحلة رسخت فكرة الثورة في ذهني رسوخًا تامًا، أما السبيل إلى تحقيقها فكانت لاتزال بحاجة إلى دراسة، وكنت يومئذ لاأزال أتحسس طريقي إلى ذلك، وكان معظم جهدي في ذلك الوقت يتجه إلى تجميع عدد كبير من الضباط الشبان، الذين أشعر بأنهم يؤمنون في قراراتهم بصالح الوطن؛ فبهذا وحده كنا نستطيع أن نتحرك حول محور واحد هو خدمة هذه القضية المشتركة".

أثناء وجوده في العلمين جرت أحداث ٤ فبراير ١٩٤٢ حينما توجه السفير البريطاني – "السير مايلز لامسبون" – ليقابل الملك فاروق بسراي عابدين في القاهرة بعد أن حاصر القصر بالدبابات البريطانية، وسلم الملك إنذارًا يخيره فيه بين إسناد رئاسة الوزراء إلى مصطفى النحاس، مع إعطائه الحق في تشكيل مجلس وزراء متعاون مع بريطانيا وبين الخلع، وقد سلم الملك بلا قيد ولا شرط.

يقر جمال عبد الناصر أنه منذ ذلك التاريخ لم يعد شيء كما كان أبدًا، فكتب إلى صديقه حسن النشار في ١٦ فبراير ١٩٤٢ يقول: "وصلني جوابك، والحقيقة أن ما به جعلني أغلى غليانًا مرًا، وكنت على وشك الانفجار من الغيظ، ولكن ما العمل بعد أن وقعت الواقعة وقبلناها مستسلمين خاضعين خائفين. والحقيقة أنى أعتقد أن الإنجليز كانوا يلعبون بورقة واحده في يدهم بغرض التهديد فقط، ولكن لو كانوا أحسوا أن بعض المصريين ينوون التضحية بدمائهم، ويقابلون القوة بالقوة لانسحبوا كأي امرأة من العاهرات.

 

رقي إلى رتبة اليوزباشي (نقيب) في ٩ سبتمبر ١٩٤٢. وفي ٧ فبراير ١٩٤٣ عين مدرسًا بالكلية الحربية. ومن قائمة مطالعاته في هذه الفترة يتضح أنه قرأ لكبار المؤلفين العسكريين من أمثال "ليدل هارت" و"كلاوزفيتز"، كما قرأ مؤلفات الساسة والكتاب السياسيين مثل "كرومويل" و"تشرشل".

 

وفي ٢٩ يونيو ١٩٤٤ تزوج جمال عبد الناصر من تحية محمد كاظم – ابنة تاجر من رعايا إيران – كان قد تعرف على عائلتها عن طريق عمه خليل حسين، حيث لعبت دورًا مهمًا في حياته، خاصة في مرحلة الإعداد للثورة واستكمال خلايا تنظيم الضباط الأحرار، فقد تحملت أعباء أسرته الصغيرة - هدى ومنى - عندما كان في حرب فلسطين، كما ساعدته في إخفاء السلاح حين كان يدرب الفدائيين المصريين للعمل ضد القاعدة البريطانية في قناة السويس.

 

خلفت حرب فلسطين آثارًا بعيدة على نفس وفكر جمال عبد الناصر، فعلى حد قولة: "لم يكن هناك تنسيق بين الجيوش العربية، وكان عمل القيادة على أعلى مستوى في حكم المعدوم، وتبين أن أسلحتنا في كثير من الحالات أسلحة فاسدة، وفى أوج القتال صدرت الأوامر لسلاح المهندسين ببناء شاليه، للاستجمام في غزه للملك فاروق.

 

بعد رجوعه للقاهرة، أصبح مقتنعا أن المعركة الحقيقية هي في مصر، فبينما كان ورفاقه يحاربون في فلسطين كان السياسيون المصريون يكدسون الأموال من أرباح الأسلحة الفاسدة، التي اشتروها رخيصة وباعوها للجيش، كما يرى أنه من الضروري تركيز الجهود لضرب أسرة محمد علي؛ ليكون الملك فاروق هو هدف تنظيم الضباط الأحرار منذ نهاية ١٩٤٨ وحتى ١٩٥٢.

ومع بداية مرحلة التعبئة الثورية، صدرت منشورات الضباط الأحرار، حيث كانت تطبع وتوزع سرًا. التي تدعو إلى إعادة تنظيم الجيش وتسليحه وتدريبه بجدية بدلًا من اقتصاره على الحفلات والاستعراضات، كما دعت الحكام للكف عن تبذير ثروات البلاد ورفع مستوى معيشة الطبقات الفقيرة، وانتقدت الاتجار في الرتب والنياشين. وفي تلك الفترة اتسعت فضيحة الأسلحة الفاسدة إلى جانب فضائح اقتصادية تورطت فيها حكومة الوفد.

 

كل ذلك كان ينزر بميلاد زعيم قائد وطني، يغير وجه الحياة في مصر، ينحاز للطبقة الفقيرة، يحقق العدالة الاجتماعية، يعلي دولة القانون، وقد كان.

 فلروحه الرحمة والسلام، ولاسمه الخلود في صفحات التاريخ وذاكرة الوطن العربي والشعب المصري.

بقلم/ 

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز