عاجل
الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

عادل عبدالصبور يكتب: أزمة الثقافة والشباب

عادل عبدالصبور يكتب: أزمة الثقافة والشباب
عادل عبدالصبور يكتب: أزمة الثقافة والشباب

في ظل ما تتعرض له أمتنا العربية من مؤامرات تستهدف تقسيمه، وإعادة ترسيم حدوده ونهب ثرواته ومقدراته ومحو هويته، أصبح ملف أزمة الثقافة يفرض نفسه بقوة على الساحة، باعتباره أحد أهم الأسلحة الضرورية للتصدي، ومواجهة مخططات الاستعمار الجديد، وحروب الجيل الرابع، التي تعتمد على بث الفتن والشائعات والأكاذيب، وخلق بيئة مناسبة لنمو وانتشار أفكارهم باستخدام ميليشيات إليكترونية، وشرائح وفئات مختلفة في الداخل والخارج، مستغلة الأمية الثقافية لدى أغلب المجتمعات العربية، وحالة السطحية المعرفية التي أصبحت من سماتها الأساسية، وفي مقدمتها شريحة الشباب، تلك الشريحة العريضة التي تمثل مستقبل الأمة والأوطان، والتي أثبتت التجارب أنها الشريحة الأكثر تأثرًا بالشائعات والأكاذيب والمعلومات المنقوصة أو المغلوطة والأكثر ترويجًا لها،



وفي هذا الشأن أعود للوراء قليلا وأتذكر الهجوم الرهيب الذي شنه عدد كبير من الشباب على الزعيم الراحل جمال عبدالناصر على شبكات التواصل الاجتماعي، أثناء الاحتفال بذكرى ثورة يوليو، منذ عدة أشهر، والتي لا تستند للواقع ولا تمت له بأية صلة، حتى إنهم اختزلوا كل تاريخ ونضال الرجل في نكسة ١٩٦٧ ولقبوه برجل الهزائم، بقصد أو بدون قصد، واعتبروه المسؤول عن تدهور أحوال مصر وجرها لمعارك خارج الحدود لا جدوى منها، ولم تسلم قواتنا المسلحة من الهجوم أيضا.

الهجوم الذي شنه الشباب على الزعيم جمال عبدالناصر وتجربته، يعكس مدى افتقار الأجيال الجديدة إلى الثقافة والمعرفة وأصول التحليل الذي يضع في اعتباره الظروف المحيطة والأوضاع السائدة ونوع القوة والهيمنة، وما إلى ذلك من عناصر مهمة تسهم في إصدار الأحكام وتكوين قناعات من خلال أسباب موضوعية.

هؤلاء الشباب وقعوا كغيرهم في أخطاء كبيرة تتيجة التلفيق السياسي والتضليل الثقافي والنفاق الاجتماعي والتسطيح، الذي تدفع به جماعة الإخوان المسلمين في كل الاتجاهات بطريقة ممنهجة، لأنها ترى في عبدالناصر وتجربته خطرا يهدد مصالحها ومشروعها في المنطقة وهو نفس الشعور لدى الاستعمار الجديد وأعوانه، من هنا كان لا بديل أمام هذه القوى والجماعات وأصحاب المصالح، إلا النيل من عبدالناصر وتجربته حتى يخرج من حياة العرب والمصريين وتخرج أفكاره التي تنادي بالقومية العربية والوحدة بلا رجعة، وتضمن أن لديها أجيالا جديدة لا تعرف تاريخ أمتها ولا تؤمن بعروبتها وقوميتها ولا يعنيها أمنها القومي الذي يبدأ من خارج الحدود.

لم يكلف هؤلاء الشباب أنفسهم بضع دقائق ليقرأوا عن هذه المرحلة الخطيرة في تاريخنا النضالي، واكتفوا بما تلقوه من ميليشيات الجماعة الإرهابية، متصورين أنهم أصبح لديهم معلومات كافية، وفي ذلك خطأ كبير، ولتوضيح الخطأ بصورة عملية يتعين الرد على تلك الاتهامات، والرد ببساطة شديدة يعتمد على معلومات مؤكدة بنسبة كبيرة، وفقًا لما أقره عدد لا بأس به من المؤرخين والمتخصصين في هذا المجال الذين اعتبروا عبدالناصر زعيما عربيا إفريقيا من طراز فريد نجح في كسب تأييد القارة الإفريقية، لذا لم يكن هناك خلافات مع إثيوبيا ولم تجرؤ على مجرد التفكير في بناء سد أو ما شابه يضر بمصالح مصر أو أية دولة أخرى، وكان ثائرا يساند كل حركات التحرر في أي مكان في العالم، ونجح مع تيتو، زعيم يوغوسلافيا، ونهرو زعيم الهند في تكوين مجموعة عدم الانحياز، واستطاع أن يكسر احتكار السلاح، ولولا تدخل مصر في اليمن، لأصبحت اليمن أكبر قاعدة عسكرية أمريكية في المنطقة، وأنه استطاع في أقل من ٢٧ يوما من النكسة أن يعيد بناء القوات المسلحة وتسليحها بأحدث المعدات والأسلحة المتطورة على يد الفريق أول محمد فوزي، فكانت رأس العش والحفار وإيلات، وتكبد العدو الصهيوني خسائر فادحة خلال حرب الاستنزاف، التي مهدت الأرض لعبور خط بارليف المنيع والانتصار في معركة العزة والكرامة في السادس من أكتوبر ١٩٧٣.

لو أن هؤلاء الشباب كلفوا أنفسهم أن يقرأوا تاريخهم لعرفوا أن شعب مصر، في ظل الاحتلال البريطاني والحكم العثماني (العهد الملكي) كانوا مجرد مواطنين من الدرجة العاشرة، وكان مجتمع النصف في المئة هو الذي ينعم بكل ثروات ومقدرات البلد، في حين يقبع باقي الشعب (٥ .٩٩ %) في مستنقع من الجهل والفقر والمرض، وساءت أحوال المصريين بشكل غير مسبوق في عهد الملك فاروق الأول، حتى أصبحوا يسيرون في الشوارع حفاة، ووصلت نسبة البطالة وقتها إلى (٤٦%) ونسبة الأمية(٩٠%) وأصيب حوالي (٤٥%) بالبلهارسيا، بالإضافة إلى أن دخل العامل الفني عام١٩٣٢ تراوح بين ٢٠ و٣٠ قرشًا، والحرفي بين ٦ و ٨ قروش، لذا قرر الملك فاروق الأول تبني مشروع يقضي على الحفاء، وبالفعل أصدر حسين سري باشا رئيس الوزراء بتشكيل لجنة مركزية لدراسة ما أطلق عليه (مشروع الحفاء)، وكان ذلك عام١٩٤١م ودعت الحكومة المصرية الشعب والمؤسسات والشركات والهيئات ورجال الأعمال للتبرع، من أجل تأسيس المشروع، وبعد أن فرغت الحكومة من جمع أموال التبرعات افتتح الملك فاروق الأول مؤسسة الحفاء في ٦ يناير ١٩٥٠ بتكلفة قدرها ١٣٠ ألف جنيه، وتم شراء أحذية بمبلغ ٥٠ ألف جنيه يباع الحذاء للمواطن بسعر ٣٠ قرشا، وللطالب بسعر ١٠ قروش، وأثناء ذلك اقترح عبدالجليل باشا وزير الشؤون الاجتماعية، أن يشمل المشروع توفير زي شعبي وغطاء رأس لحماية المواطنين من الشمس، وألا يقتصر على الحفاة، وتم الاتفاق مع شركة مصر للنسيج لإنتاج زي كامل عبارة عن جاكيت طويل وبنطلون بتكلفة ٢٥ قرشا يباع للمواطنين بسعر ٢٠ قرشا على أن تتحمل لجنة الحفاة ٥ قروش.

هذا جزء من بعض المعلومات التي لا تعرفها الأجيال الجديدة، ولو أنهم يفهمون معنى الحرية بمفهومها الواسع، لقدروا قيمة ما قام به عبدالناصر ورفاقه يوم٢٣ يوليو عام ١٩٥٢ عندما وضع رقبته على كفه، عندما راح مع رفاقه يحررون مصر من احتلال طويل دام لأكثر من ٧٠ عامًا ليحكم مصر ولأول مرة واحد منها، وهذا العمل البطولي وحده، يكفي أن يخلد هذا الرجل في سجلات الشرف.

أما بالنسبة للقوات المسلحة، فأنا لست بحاجة لأعدد أهميتها ودورها الوطني في حماية أمن مصر وشعبها، بل وأمن الوطن العربي كله، ولست بحاجة لأعدد ما قدمته من بطولات وتضحيات في سبيل الحفاظ على الأرض والعرض والاستقرار والسيادة.

إننا بحق نعيش حربا معلوماتية ثقافية على أوسع نطاق، نخوض مرحلة جديدة من الحروب، حرب تعتمد على الغزو الثقافي، التي تحتاج لنوع مختلف من التكتيك، لأنها حرب على العقول.

أزمة الثقافة لدى شعوبنا العربية تمثل الخطر الأكبر في هذه المرحلة الحرجة، التي يمر بها الوطن في ظل مصالح مشتركة تجمع بين قوى الاستعمار وبعض التنظيمات الدولية والمحلية والجماعات والحكام والأفراد.

وفي ظل غياب الوعي والثقافة والتربية والتعليم السليم، لذا لا بد أن تهتم الدول العربية، ومنها مصر، التي هي همنا الأكبر بالتعليم والتثقيف وتطوير الخطاب الديني والبعد عن الأيديولوجيات قدر المستطاع، لأنه بات واضحا أن الذين يتم تجنيدهم في صفوف الجماعات الإرهابية المتطرفة المسلحة التي تضرب وحدة الأوطان، وتعمل على تمزيقها، أغلبهم شباب وأغلبهم جهلاء أو ما شابه ذلك

وعليه تصبح المشكلة الرئيسية في حياتنا ليست سياسية لكنها حضارية وثقافية ومعلوماتية، وبات الخطر الأكبر على أمتنا ما يقوم به الاستعمار وأعوانه من تدمير واحتلال وهزيمة للعقول.

اقتصار حملة الشهادات التعليمية على تحصيل المعلومات الدراسية وتجاهل بناء ثقافة متجددة ومتنوعة أدى لانتشار الأمية الثقافية بين أوساط حملة الشهادات

في الوقت الذي تنتشر فيه الثقافات الغربية بشكل هائل وتتطور حضاراته لتفرض منطقها على الثقافات السائدة في المجتمعات العربية، التي قبلت أن تتطور بعيدا عن تقاليدها وجذورها.

مما سبق يستلزم أن تعمل الأنظمة العربية على السعي قدما نحو وضع سياسات جديدة تعلي من شأن الثقافة بأطر وأساليب علمية جديدة، من خلال الخبراء والعلماء والمتخصصين والاستعانة بمؤسسات الدول المعنية بهذا الشأن، وفي مقدمتها المؤسسات التعليمية والعلمية والدينية والثقافية والإعلامية، حتى نستطيع أن نواجه هذا الخطر الذي يستهدف شباب الأمة ومستقبلها قبل فوات الأوان.

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز