عاجل
السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

العمالة المصرية بالأردن في مواجهة مكيدة السمسار والكفيل

العمالة المصرية بالأردن في مواجهة مكيدة السمسار والكفيل
العمالة المصرية بالأردن في مواجهة مكيدة السمسار والكفيل

عمان - علياء أبوشهبة

قبل بزوغ ضوء الفجر يستيقظ من نومه ليسارع بارتداء زيه بلونه البرتقالي فهو ممتن له لأنه سببا في حصوله شهريا على مبلغ 400 دينار "10 ألاف جنيه "- وهو مبلغ ليس كبيرًا في الأردن-  فضلًا عن الإكراميات التي ينتظرها بلهفة، ترك في مصر والدته وأخوته وزوجته الذين لا يعرفون طبيعة عمله بالتحديد، وترك أيضا شهادته العليَا وجاء إلى الأردن للعمل في مهنة عامل نظافة.



هشام، اسم مستعار لعامل النظافة الثلاثيني، الذي تحدث إلى "بوابة روزاليوسف" طالبًا إخفاء هويته، ليس خجلًا من مهنته؛ التي يُرجع لها الفضل في سداد ديون أسرته وعلاج والدته فضلا عن تزويج أخته وزواجه أيضًا، لكنهم لن يتفهمون الأمر. ويعتبره مجرد عمل مؤقت.

مدرس التربية الرياضية الشاب لم يكن دخله يتجاوز ألف جنيهًا مقابل العمل في المدرسة الخاصة التي كان يعمل فيها في منطقة العمرانية بمحافظة الجيزة؛ لذلك جاء قرار السفر إلى الأردن من خلال أحد أقاربه، وبعد سنة قضاها بين العمل بين مجالي الزراعة والمقاولات، أتيحت له الفرصة للعمل النظامي وفق عقد ثابت، وذلك قبل 4 سنوات.

"بوابة  روزاليوسف" رصدت حال العمالة المصرية في العاصمة الأردنية عمان، حيث تعتبر من أكبر القوى العمالية عددًا، وتمثل 65% من إجمالي العمالة الأجنبية في الأردن، ووفقًا لتقديرات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء فإن أعداد المصريين العاملين في الأردن حوالي 1.15 مليون، وبلغت أعداد العمالة الوافدة إلى الأردن الحاصلة على تصاريح عمل عام 2017 ما يقرب من 365 ألف عامل وبلغت نسبة العمالة المصرية منهم 52%، أي نصف العدد تقريبًا وتشير تقديرات مراكز حقوقية في الأردن إلى وجود عمالة غير مصرح بها تفوق أعدادها المعلن عنه.

وتعتبر دولة الأردن هي ثاني أكبر دولة مستضيفة للعمالة المصرية بعد المملكة العربية السعودية، ومعظم الأعمال التي تقوم بها العمالة المصرية في الأردن في قطاعات:الزراعة والإنشاءات المعمارية والنظافة وغيرها من الأعمال الخِدمية التي تعتبر غير جاذبة للأردنيين، وغالبيتها أعمال لا يوجد بها تأمين صحي وضمان اجتماعي، ولا تحديد لعدد ساعات العمل ولا أجور عادلة.

من أسباب اللجوء للعمل في الأردن أنه وفقًا للاتفاقيات بين البلدين تعتبر الجنسية المصرية غير مقيدة بنظام الإقامة في الأردن، ويشترط فقط تحديد مكان الإقامة أو السكن، ويتطلب العمل الحصول على تصريح، وهو ما يستغله السماسرة.

يقل عمل المصريين في التجارة التي تعتبر جاذبة للعمالة السورية، حيث تعتبر الأردن من أكثر الدول التي يتدفق إليها أعداد كبيرة من اللاجئين ويبلغ عدد اللاجئين السوريين 500 ألف وفقًا للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.

يوجد مناطق تشتهر بأنها أسواق للعمالة يلجأ إليها كل من يبحث عن عمالة غير ثابتة في مجال المقاولات مثل أعمال البناء والهدم والنجارة والسباكة والطلاء وغيرها من أعمال الإنشاءات، ويشتهر تواجد العمالة في الساحة المقابلة لجامع الحسين في منطقة وسط البلد، ودوار البيادر، ودوار المهاجرين ودوار الواحة.

 

فوضى السماسرة

عادل جابر، "العمدة" هذا هو اللقب الذي أطلقه عليه المصريون في الأردن، وهو لقب لم يحصل عليه من فراغ ولكن نتاجا لمجهوده طوال سنوات الغربة التي جاوزت الثلاثين عاما، وهو صاحب شركات سياحية أصبح نشاطها مقتصرًا على السياحة الدينية نظرًا لظروف الحرب في سوريا.

"العمال المصريين ينقصهم الثقافة لأن العامل لا يعرف حقوقه ولا واجباته، لذلك لا يستغلون فرصة توفيق الأوضاع"، وأضاف العمدة في حديثه لـ"بوابة روزاليوسف"، قائلا إن تطبيق القانون هو الحل الأمثل للقضاء على استغلال الكفيل لكل من العامل ولدولة الأردن.

 أوضح جابر أن الأمور عادة تتحرك وفقا للسيناريو التالي في البداية يستخرج صاحب مزرعة صغيرة أو محل تجاري 6 تصاريح لاستقدام عمالة من مصر مقابل 800 دينار أي حوالي 20 ألف جنيهًا يحصل على حوالي نصفها ويحصل السمسار على نصيبه، ثم يتركون العامل، والذي قد يتم القبض عليه ليجد نفسه مخيرا بين دفع غرامة ألفي دينار أي ما يقرب من 40 ألف جنيهًا، وهو المبلغ الذي قد يتشارك المصريون جمعه له، وإذا لم يتمكن من ذلك يكون الترحيل إلى مصر هو الخيار الوحيد.

وفقا لقانون العمل الأردني يعاقب قانون العمل؛ بتغريم صاحب العمل وإبعاد العامل الوافد نحو ثلاثة أعوام عن الاردن، في حال لم يكن يحمل تصريح عمل.

طالب عادل جابر، بتفعيل الدور القانوني للكفيل والذي يفترض به دفع الغرامة نيابة عن العامل، لافتا إلى أن العمل النظامي يتطلب من العامل دفع مبلغ تأمين 27 دينار سنويا (675 جنيها) تشمل تأمين صحي سنوي بقيمة 750 دينار (18,750 جنيها) إضافة إلى التعويض في حالة العجز أو الوفاة، وهي المميزات التي يضيعها العامل المتهرب على نفسه، ويمكن الاستفادة من مهلة تصويب الأوضاع التي تعلنها الحكومة الأردنية.

جمعية الصداقة المصرية الأردنية جمعية تأسست عام 2012 بهدف تعميق العلاقات بين الشعبين وتنظيم أنشطة اجتماعية، لكن نشاطها اقتصر كما أوضح العمدة على تنظيم مائدة الرحمن، وسرعان ما دب الخلاف بين أعضائها، والعمدة مكلف من الحكومة الأرنية بتوفيق أوضاعها.

ولفت عادل جابر إلى صعوبة استقدام العمال المصريين لزوجاتهم نظرا إلى غلاء المعيشة، وهو ما كان يدفع البعض لترك زوجته تتسول في الشوارع وهو ما قل كثيرا خلال الثلاث سنوات الماضية. 

في مطلع التسعينيات أصدر الرئيس الأسبق حسني مبارك قرارًا بتكفل الدولة بعملية نقل جثمان المصريين المتوفين في الخارج، وهو القرار الذي يبث راح البال في نفوس كثير من العمال، ومنهم محمود عبدالعال، العامل الخمسيني الذي يعمل  في سوق الخضراوات خلف جامع الحسين في منطقة وسط البلد، والذي أصبحت لهجته مختلطة، وحفر الزمن علاماته في وجهه ليبدو أكبر سنًا.

"بدك بنادورة؟"، هذه هي الجملة التي يرددها بائع الخضروات ابن إحدى قرى الشرقية الذي سافر إلى الأردن قبل 25 عامًا، ليبدأ عمله في مجال الزراعة الذي لم يجني منه الكثير ثم ينتقل إلى الوقوف في أسواق العمالة، لكن يوميته المتقطعة بسبب عدم الإقبال على تشغيله نظرًا لكبر سنه دفعه للبحث عن فرصة في سوق الخضار.

"معقولة يعني أدفن هنا لازم أرجع بلدي طبعا" كانت هذه إجابة محمود عبدالعال عند سؤاله متى يعود إلى مصر، أما عن علاجه في حالة مرضه فقال :"اللي يتعب يروح يتعب في بلده إحنا هنا جايين ناكل عيش".

 

المنافسة مع العمالة الهندية

في شارع سليمان النابلسي في منطقة العبدلي، تجد البنايات الفارهة تكاد تشق عنان السماء، وفي نهاية اليوم يسيطر مشهد واحد على هذا الشارع وهو رحيل عمال البناء من الشارع بعد إنتهاء موعد مناوبتهم، والتي تمتد أحيانا حتى إختفاء ضوء الشمس.

الأمر اللافت للانتباه وجود عمالة من دولتي الهند وباكستان، حيث يتطلب الدخول إلى الأردن دفع مبلغ 40 دينار(1000 جنيهًا) للحصول على تأشيرة سياحية تستمر لمدة ثلاثة شهور، ويمكن تمديدها مقابل دفع مبلغ دينار ونص (37.50 جنيهًا) عن اليوم الواحد، ويكثر عملهم في مجال البناء.

إبراهيم شاب ثلاثيني، يعمل مشرفًا للعمال، وهو من كفر الزيات اختلطت لهجته باللهجات السورية واللبنانية والهندية، يعمل في الأردن منذ 9 سنوات، يقول إنه اعتاد على الغربة فقد كان يترك بلدته للعمل في مدينتي الغردقة وشرم الشيخ، لكن المقابل المادي لم يكن مجزيًا.

أوضح رئيس العمال الشاب أيضا  أن العمالة السورية لم تعد تهدد العمالة المصرية بخلاف الحال عام 2013 حيث أثبت العامل المصري قوته على تحمل مشقة العمل، فضلا عن عدم قدرتهم الاستمرار في طلب مقابل مادي أقل من المتعارف عليه، وهي حيلة لجأوا لها في بداية وفودهم إلى الأردن. لافتًا إلى أن أهم ما يميز العمالة الهندية والباكستانية هو الدعم القوي من سفارتهم، وهو ما ينقص العامل المصري ليشعر بكرامته، موضحا تعقيدات إجراء تجديد وثيقة السفر على سبيل المثال.

 

الخوف من الترحيل

تحدث عامر قناوي، ابن البحيرة العشريني، بكلمات تعبر عن قدر كبير من القلق عن وضعه العمالي، "أنا عايز أتجوز ومفيش حل غير السفر الرزق في مصر موجود يوم و10 لأ"، وروى أنه لجأ إلى أحد مكاتب تسفير العمالة في بلدته، واستدان لدفع مبلغ 20 ألف جنيها، وبعد قدومه لم يعمل يوما في مجال الزراعة الذي يحمل تصريحا باسمها لأن عائد العمل لا يتجاوز 150 دينار (3750 جنيها) وهو المبلغ الذي يعلم جيدا عدم كفايته.

من خلال معارفه في البحيرة تمكن عامر من تدبير سكن خلال مدة إقامته القصيرة التي لم تتجاوز ثلاثة شهور، حيث يتشارك 10 عمال سكنهم المكون من غرفتين ومطبخ وحمام، الأمر لا يكلفه سوى ثمن المرتبة والغطاء، يأمل عامر أن يظل مستمرا في عمله في الأردن حتى سداد الدين، لافتا إلى أن المقابل المادي يفوق ما كان يحصل عليه في مصر مقابل عمله "مبيض محارة" في منطقة التجمع الخامس.

منصور ثابت، رجل خمسيني، ترك مصر منذ عام 1995، كان يعمل في الزراعة قبل حضوره إلى الأردن، يتمنى العودة مرة أخرى ولكن يحاصره دائما السؤال: "أرجع أعمل إيه في مصر لا عندي أرض و لا ملك أصرف إزاي على 5 عيال".

ويتشارك منصور السكن مع أخوته، ويشاركهم ثلاثة أخوة أيضا في الغرفة المجاورة، لافتا إلى أن كل فرد هنا مستقل بذاته وإذا شارك في دفع الغرامة لعامل يجب أن يكون من أبناء بلدته حتى يتمكن من استرداد المبلغ، وقال إنه يبدأ يومه من السابعة صباحا ويستمر حتى الرابعة عصرا وقد يمتد ساعتين وهو ما يسعده لأنه يحصل على مقابل مادي يساعده في إدخار الأموال نظرا لغلاء المعيشة في الأردن.  

الخلاف السياسي ليس له مكان في الغربة، هذا هو ما أكده منصور قائلا:" نتجنب كل ما يثير الخلاف كلنا مصريون وحتى في الانتخابات الرئاسية شاركنا فيها بهدوء". 

بمجرد حصول أحمد موسى الشاب العشريني على تأجيل التجنيد سارع أخوه الأكبر مساعدته الحصول على عقد عمل في شركة مقاولات ليعمل "مبيض محاره"، وهو ما يمكنه من توفير نفقات الزواج التي كانت حلما صعب المنال في مصر، لأنه بعد حصوله على دبلوم زراعة لم يجد منفذ رزق ثابت.

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز