عاجل
السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

آنا كارنينا ونهر الحب بمؤتمر السينما والأدب

آنا كارنينا ونهر الحب بمؤتمر السينما والأدب
آنا كارنينا ونهر الحب بمؤتمر السينما والأدب

تتناول دينا قابيل – الناقدة الأدبية بجريدة الأهرام إبدو آنا كارنينا نموذجًنا في دراسة المعالجة المصرية للأدب العالمي، حيث كتب الكاتب الروسي ليو تولستوي روايته الشهيرة آنا كارنينا في 1887، وأحدثت دويًا في حينها ظل صداه يتردد حتى اليوم، حيث اعتبر صدورها تاريخ دخول الأدب الروسي أوروبا، ثم توالت طبعاتها وتم تحويلها إلى فلام سينمائية هوليوودية في 1996 وفي 2012.



وفي 1960، تم اقتباس الرواية في السينما المصرية (من إخراج عزالدين ذو الفقار وبطولة فاتن حمامة وعمر الشريف وزكي رستم، وحقق الفيلم نجاحًا باهرًا.

في إطار علاقة الأدب بالسينما، تسعى هذه الدراسة إلى إعادة قراءة آنا كارنينا من جديد في اطارها التاريخي في روسيا القرن التاسع عشر، وكيف تنجح الروايات العالمية -عبر إعادة انتاجها في ثقافات مختلفة- في التكيف والتأقلم مع الواقع الاجتماعي السياسي المغاير، وتستعين الدراسة في ذلك بالنقد الفني الاجتماعي، فضلًا عن نظريات التأثر التي يزخر بها الأدب المقارن.

والملاحظ أن تولستوي حين كتب هذا العمل، كان يريد أن يعبر بجرأة عن المجتمع الروسي التقليدي الصارم وتقاليده البالية، وتأثره بالأفكار الأوروبية الوافدة، أراد في الأساس أن ينتصر لتحرير المرأة وليس مجرد تصوير قصة حب بشكل رومانسي.

بينما عند تحويله إلى شريط سينمائي (نهر الحب) من إخراج عزالدين ذو الفقار، تخلى الفيلم عن الطبيعة الثورية للرواية في خروجها على التقاليد الصارمة، وانحاز للأعراف وتقاليد المجتمع المصري التي تدين الزوجة –وتحديدا الأم- التي تحركها مشاعر الحب، والتي تنتصر للحرية وترفض مظاهر الرياء والنفاق التي يفرضها عليها المجتمع. 

ويؤكد هذا التباين في التناول ما بين الرواية والفيلم، سلسلة الانتقادات التي تعرض لها الفيلم، والتي تعاملت مع الفيلم من خلال المعايير الأخلاقية، واعتبر بعضها أن الفيلم يشجع على الخيانة وإقامة علاقات خارج اطار الزواج.

عرفت السينما المصرية ظاهرة الاقتباس السينمائي عن الأدب منذ بداياتها في مصر، واتجهت إلى العديد من روايات الأدب العالمي قبل أن تنهل من الرواية المصرية في أعمال مثل نجيب محفوظ وإحسان عبد القدوس، وعلى اختلاف مصادر الالهام الأدبي للفن السابع، ظل محوره العام وشاغله الرئيسي هو الحداثة. "هناك مدخل أساسي يميز سينما الشرق الأوسط عن قرينتها في الغرب، وهي أن المنتج السينمائي ارتبط دائما بالحداثة".

في عام 1960، في إحدى لحظات الوهج في تاريخ السينما المصرية، وبعد مرور ثماني سنوات على ثورة الضباط الأحرار، لجأ المخرج عز الدين ذو الفقار إلى الاقتباس من الرواية العالمية، فكانت رواية ليو تولستوي الشهيرة آنا كارنينا التي صدرت في 1877، وتم تحويلها إلى السينما العالمية ما يقرب من المرات العشرين.

 إذ يحمل هذا النوع من الأدب العالمي بذور الغواية التي تحفز على انتاجه في محيطه الاجتماعي والتاريخي، أو إلى إعادة انتاجه في أجواء وثقافات مغايرة، فهذه الرواية العلامة كانت بداية دخول الأدب الروسي إلى الثقافة الأوروبية، قبل أن تنتمي اليوم إلى ميراث الأدب الإنساني العالمي، ومثلما ارتبط العمل السينمائي بإرادة التحديث وإدخال اللغة المعاصرة على مفردات الحياة الاجتماعية، فإن العمل الأدبي (آنا كارنينا) الذي خطه تولستوي مبكرًا، كان يعبر بجرأة عن المجتمع الروسي التقليدي الصارم ويدين تقاليده البالية، ويوجه نقدًا لاذعًا للطبقة الارستقراطية التي فقدت بوصلتها وكان عليها أن تنتظر ثلاثين عاما حتى تحدث ثورة أكتوبر المدوية (1917).

أي أن الرواية من ناحية والفيلم السينمائي من ناحية أخرى كانا مرتبطان في زمانهما بالدخول في الحداثة و"باستيراد المنتجات السياسية الثقافية الأوروبية"، بل إن ليو تولستوي نفسه كان مؤيدًا للتطوير والتحديث في الأدب وأدواته وتقنياته، كما لم يمانع من ربط السينما بالأدب مستفيدًا من حسه الشديد بالمعاصرة، إذ قال تولستوي حول السينما والاقتباس الأدبي: إنه "يمثل هجومًا مباشرًا على الأساليب والمناهج القديمة في الأدب ولكني أحب ذلك، هذا التغير السريع في المشهد، وهذا المزج بين العاطفة والتجربة، إنه أفضل بكثير من نوع الكتابة الثقيلة التي لا نهاية لها والتي اعتدنا عليه، فهو أكثر حيوية". 

وفي إطار مشروع الدراسة المقدمة إلى مؤتمر آمون حول الاقتباس الأدبي في السينما، حرصنا في المقام الأول على اختيار فيلم سينمائي علامة في تاريخ السينما المصرية، أي فيلم نهر الحب الذي يحفز أي باحث على دراسة مجموعة المتغيرات التي طرأت على النص الأدبي من أجل تحويله إلى وسيط فني آخر، أي الوسيط السينمائي، وهو الهدف الرئيسي من مفهوم الاقتباس السينمائي.

أما العمل الأدبي "آنا كارنينا"، فينتمي إلى عيون الأدب الكلاسيكي، وإن كان لا ينتمي إلى الآداب الفرنسية أو الإنجليزية –مجال البحث في مؤتمر آمون- إلا أنه تم تدشينه أدبًا عالميًا منذ سنوات طويلة، كما لاحظ إيميل فاجيه منذ ثلاثينيات القرن الماضي:

"آنا كارنينا يعد عملًا كلاسيكيًا منذ لحظة صدوره، نظرًا لما به من قيم إنسانية ولأنه صُنع من أجل أن يقرأه ويفهمه الناس في كل زمان ومكان، ونظرًا لأنه مع احتوائه على قيم محلية، إلا أنه من أكثر أعمال تولستوي التي يمكن وصفها بالغربية؛ بمعنى أنه يتوجه إلى عقل إنسان في باريس أو في لندن تماما كما يفعل مع ساكن سان بيترسبورج أو موسكو، آنا كارنينا هي، من ناحية، القصة الخالدة لعلاقة زواج سيئة وتبعاتها المأساوية، ومن ناحية أخرى، القصة الخالدة للزواج العادي وما قد يواجهه أحيانًا أو دائمًا بمنتهى الطبيعية والعادية".

وبعيدًا عن السجال التقليدي في تعريف الاقتباس السينمائي عن النص الأدبي، ما بين مفهوم الاقتباس الأمين، الذي يراعى فيه الحفاظ على القصة الرئيسية والبناء والحبكة الدرامية والشخصيات، وبين مفهوم الاقتباس الحر الذي يتجاوز قيود النص الأصلي، باعتبار أن لغة وأدوات السينما تختلف عن لغة الأدب وجمالياته.

ما يهمنا ليس قياس مقدار الأمانة التي تحلى بها المخرج في تعامله مع النص الأدبي، أو المقارنة بين إنتاج الفيلم في مصر ونظيره في أوروبا ومعالجة كل منهما للرواية، ولكن لماذا اختار المخرج هذا النص تحديدًا؟ وإن كان الأمر يتعلق بنوع الاقتباس الحر، فما هو الخط الدرامي الذي أبرزه أو الذي أغفله من النص الأدبي ودلالات ذلك في السياق التاريخي الاجتماعي في مصر، ثم كيف كان استقبال الجمهور للدراما ودلالات هذا التلقي.

عند تحويل الرواية إلى شريط سينمائي (نهر الحب) من إخراج عزالدين ذو الفقار، تخلى الفيلم عن الطبيعة الثورية للرواية في خروجها على التقاليد الصارمة، وانحاز للأعراف وتقاليد المجتمع المصري التي تدين الزوجة –وتحديدًا الأم- التي تحركها مشاعر الحب، والتي تنتصر للحرية وترفض مظاهر الرياء والنفاق التي يفرضها عليها المجتمع. 

ويعرض محمود قاسم للتغييرات التي أدخلها المخرج عزالدين ذو الفقار على الرواية الرومانسية، واصفًا إياها بأنها "ترضي المتفرج المصري"، "فهناك اختلافات بين فيلم ذو الفقار وكل النصوص المأخوذة من رواية تولستوي، فالضابط فرونسكي في الرواية هو زير نساء يحاول أن يجرب حظه مع إحدى الزوجات التعيسات، فيلهو بها ويجعلها تهجر بيتها وابنها ولكنه لا يلبث أن يهجرها.

كذلك عندما ترحل آنا مع عشيقها الى موسكو تتفجر فيما بينهما المشاكل فتنتحر بل تلقي بنفسها تحت عجلات القطار، أما الضابط عند عزالدين ذو الفقار، فهو رجل رومانسي يمر بتجربة حبه الأولى وتبارك الأم هذه العلاقة... وهو يدفع حياته ثمنًا لنداء الوطن.. وقد جاء الموت في الفيلم المصري بشكل قدري. فالزوجة تحلم دوما أنها سوف تموت في سيارتها التي تتعطل عند المزلقان فيدفع القطار سيارتها. هذا الحلم تراه الزوجة قبل أن تقابل الضابط بسنوات، بل قبل أن تتزوج... وهذا الحلم يتحقق بنفس الصورة التي تمت أثناء كوابيسها".

في دراسته عن الميلودراما في السينما المصرية، يربط وليد الخشاب بين نشأة ووظيفة الميلودراما وبين استيراد الحداثة في العالم العربي، مبينًا من خلال بحثه تعاضد القلق المجتمعي إزاء الحداثة من خلال تيمات سردية بعينها، وينطبق ذلك على تيمة العلاقة الزوجية التعيسة وتيمة تحرير المرأة وأيضا علاقة الحب خارج إطار الزواج إذا قمنا بتحليلها في اقتباس فيلم نهر الحب لنص آنا كارنينا الأدبي. "عادة ما كان الشر في الميلودراما مرتبطًا بمرض من أمراض الحداثة، والخير مرتبطًا بقيم أو ممارسات تقليدية، في الميلودراما العربية وخصوصًا في عقودها الأولى، عادة ما تكون المرأة الأكثر تحررًا شخصية شريرة أو متهورة، بينما تكون المرأة التقليدية قطبًا للخير".

لم يرضخ فيلم عز الدين ذو الفقار لهذه الجدلية الصارمة، لأنه لا ينتمي إلى الميلودراما بشكل كامل، بل يحتوي على بعض الصيغ الميلودرامية، ولأن معالجته الفنية أكثر تعقيدًا من هذه الثنائيات الجاهزة، وعلى الرغم من ذلك، كان استقبال الفيلم، رغم نجاحه، منصبًا على التقييم الأخلاقي، والقيم الغربية الشريرة التي جلبها لمجتمعاتنا، فصارت شخصية آنا هي الأم الشريرة والمتهورة التي تترك ابنها وتهدم حياتها الأسرية من أجل نزوة عاطفية، وصار الزوج المنافق الذي يطلب من زوجته الحفاظ على المظاهر الاجتماعية أيا كان الأمر من أجل منصبه السياسي، هو مثال لرب الأسرة الذي يحافظ على بيته ويحمي زوجته من الوقوع في الرذيلة.

ويؤكد ذلك التغيير الجذري الذي حدث لشخصية الضابط العاشق في الفيلم مقارنة بالرواية، كما أوضحنا سلفًا، صحيح أن شخصية آنا الثورية التي تتحدى السلطة الذكورية داخل مؤسسة الزواج، وتتحدى الرياء المجتمعي وخاصة في الطبقة الاجتماعية التي ينتمي إليها الزوج، لكنها حين تقع في الغرام فهي لا تستجيب فقط لغريزتها ورغبتها، بل تهرب من سلطة الزوج "المستبدة" و"الباطشة" وترتمي في أحضان المحب "الوطني" و"النموذجي".

وأخيرًا فإن اعتماد الدراسة على مفهوم الاقتباس يتيح المجال واسعًا للبحث في محتوى الشكل الفني، والوصول إلى دلالات ثقافية اجتماعية سياسية لم تكن لتتوافر بالاكتفاء بدراسة نوع وحيد، إذ كما يقول الكاتب الفرنسي جوليان جراك "حتى تتحول الرواية إلى فيلم ممتاز، ينبغي أن يصير الفيلم شيئًا آخر، فالأمر يتطلب البحث عن معادل ما لا يكتفي فقط بهذا التحويل البصري البسيط".

وعن "اقتباسات الملك لير"

قال عصام زكريا – الناقد السينمائي: "لا حصر لعدد المرات التي قدمت فيها رائعة شكسبير "الملك لير" مسرحيًا وأدبيًا وموسيقيًا وسينمائيًا وتليفزيونيًا، والنص نفسه سابق لشكسبير، وله عدة شعبية قديمة معروفة.

وقد قدمت مسرحية "الملك لير" في عدد لا بأس به من الأفلام الكبيرة، وعلى يد مخرجين بحجم لورانس أوليفييه وأورسون ويلز وجريجوري كوزنتسيف والمخرج المسرحي بيتر بروك، الذي قدم واحدًا من أبرز الأفلام المقتبسة عن "الملك لير". كذلك قدم شخصية لير عدد كبير من عمالقة فن التمثيل، منهم اوليفييه وويلز في الفيلمين اللذين قاما بإخراجهما، بجانب بول سكوفيلد، جيمس ايرل جونز، ايان هولم، ايان ماكيلين، وأنطوني هوبكنز، الذي قدم الدور خلال السنوات الأخيرة على المسرح قبل أن يلعب دور ممثل مسرحي يؤدي دور "لير" خلال الحرب العالمية الثانية في فيلم "اللبيس" The Dresser، 2015.

"الملك لير" هو دور مفضل للممثلين الكبار عندما يتقدمون في السن...من ويلز وأوليفييه وهوبكنز وآل باتشينو إلى أميتاب باتشان، و فريد شوقي ويحيي الفخراني، الذي قدم النص الأصلي على المسرح لسنوات، ثم قدم معالجة مصرية له في مسلسل بعنوان "دهشة"، وأخيرًا أعاد تقديم الدور مرة ثالثة على المسرح.

هذه الدراسة المقارنة تهدف إلى تحليل بعض أشهر معالجات "لير" في ثقافات مختلفة، لإثارة مناقشة حول فكرة الاقتباس وحدوده والدلالات الثقافية التي يبينها مدى الالتزام بالنص أو الخروج عليه أو تعديله".

الرمزية والسياسة في فيلمين مصريين مقتبسين عن "كونت دي مونت كريستو"

وعن تتناول الدراسة التي قدمتها د رندة صبري – أستاذ الأدب الفرنسي بجامعة القاهرة في فيلمى "أمير الانتقام" (1950) و"أمير الدهاء" (1964) المقتبسين عن رواية "الكونت دي مونت كريستو" لألكسندر دوما، الفيلمان للمخرج هنري بركات، تم بناؤهما على نفس السيناريو باستخدام نفس نسق الشخصيات، مع إدخال القليل من الاختلافات، ستركز الدراسة على وجهين لدراسة الاقتباس: الانتقال عبر الإطار الثقافي، وإعادة تشكيل نظام القيم تبعًا لتغيير الإطار الزماني والمكاني، وكذلك تعديل نظام الشخصيات بالنسبة لما قدمه الكسندر دوما بهدف استخلاص الرمزية السياسية من وراء قصة الانتقام الشهيرة.

رندة صبري أستاذ النقد الأدبي بقسم اللغة الفرنسية، كلية الآداب، جامعة القاهرة. حصلت على درجة دكتوراه الدولة من باريس، لها أعمال منشورة بفرنسا عن استراتيجيات الاستطراد، والحوار الدرامي ودراسات في نظريات الأنواع الأدبية، من بين مشروعاتها منذ سنة 2000 إعادة اكتشاف الرحّالة المصريين والعرب الذين سافروا إلى أوروبا أثناء النهضة وذلك عن طريق ترجمات إلى الفرنسية (حديث عيسى بن هشام والرحلة الثانية لمحمد المويلحي، الدنيا في باريس والسفر إلى المؤتمر لأحمد زكي باشا)، إلى جانب مقالات عديدة في هذا المجال، كما قامت حديثًا بتنسيق مجموعة بحثية عن الرؤى الأدبية والثقافية لقناة السويس في القرن التاسع عشر وحتى 1975.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز