عاجل
السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

الطريق الوحيد إلى مولانا

الطريق الوحيد إلى مولانا
الطريق الوحيد إلى مولانا

كتب - محمد نسيم

(سلسلة «خِوَذ وعمائم» ــ الحلقة الأولى)



...

 

القاهرة ــ يوليو 2017م

قال مولانا «بهاء الدين»: «الصوفيُّ باطنه حرب، وظاهرُه سِلم«.

كان على هذا الفتى، بعد أن صار مريدا، أن يلتزم بقدر إمكانه بتحقيق الرابطة الروحية بينه وبين مولانا، روح الطريقة.. و«الطريق كله مبنيٌّ على الباطن، والسير فيه يكون بالقلب».. ثم فكَّر الفتى: أم يكون بالعقل؟! أم يكون بكليهما؟! أم أن كليهما شيء واحد؟!!

على أي حال، لم تكن «القراءة» عن مولانا «محظورة».

لكنّ المعلومات كانت في غاية النُّدرة.. مجموعة ضئيلة من الأخبار والمواقف الحياتية لا تمثل سيرة حياة كاملة.. ولادة في بلاد ما وراء النهر، التي لا نكاد نعرف عنها شيئا، سنة 717 بعد الهجرة، في زمن ما بعد التمدُّد المغولي وسيطرته على تلك المناطق، ثم تفكُّك ممالكه وانقسام المنطقة كلها إلى مدن كثيرة متناحرة، وفتن ليس من السهل الإحاطة بأخبارها.. ثم مجموعة أخبار عن مرحلة السلوك ومرحلة الإرشاد، ومجموعة أقوال وحِكَم مأثورة، ثم: فقط.

سأل الفتى شيخه في الطريق: كيف كانت العلاقة بين مولانا وبين تيمورلنك؟! فلا أثر لمثل هذه العلاقة في كل ما ورد من الأخبار؛ وفي الوقت نفسه ليس من السهل القناعة بعدم وجود علاقة، والاثنان كانا يعيشان في زمن واحد، وفي مدينة واحدة، وسمات كثيرة في شخصية كل منهما تُحتِّم وجود علاقة.

لم تكن هناك إجابة.. ومع ذلك: لم تكن القراءة عن مولانا محظورة، ولم يكن عقل الفتى ليهدأ ويكفّ عن البحث، رغم تنبيه الشيخ له مرارًا على أن «الطريق مبنيٌّ على الباطن، والسير فيه يكون بالقلب»!!

لم يكتفِ عقل الفتى وقلبه وروحه بالأخبار المتاحة عن مولانا، وبدأ رحلة البحث في كل تاريخ هذه المنطقة وتاريخ حكامها ورجال دينها، وكل ما يمكن أن يضيء شيئا عن سيرة مولانا.

بدأت بعض الصور تتضح له، وبدأت أسئلة أخرى أكثر عمقا وجوهرية، وبدأت الاعتراضات والإنكارات، ليس منه، ولكن من بعض إخوانه السائرين معه في الطريق.. لكنه التزم بكلمات مولانا: «الصوفيُّ باطنه حرب، وظاهرُه سِلم».

أظهر الفتى سِلْما، وخبَّأ حربا ضروسا كانت تستعر في باطنه، لكنها لم تكن لتخفى إلى الأبد...!!

(1)

سمرقند ــ ما وراء النهر ــ 740هـ

في صحبة السلطان خليل، كان مولانا «محمد بهاء الدين شاه نقشبند» يتأمل في تقلبات القدر وعجائب الإرادة الإلهية.

فجأة، وجد مولانا نفسه، وهو في الثالثة والعشرين من عمره، منشغلا بأمور كان يتلقَّن أن الصوفي ينبغي ألا ينشغل بها، ويسير في طريق ليس هو طريق أشياخه الذين سبق أن عرفهم وتعلَّم سِيَرهم وأخبارهم وأحوالهم.

كان مولانا في هذه اللحظة، بعد أن قطع طريقا لا بأس به في التصوف، قد وجد نفسه وقد تحول ــ فجأة ــ إلى أمير، أو جندي.. وقد تعمُّد كُتَّاب سيرته تجاهُل هذه الفترة من حياته، والتي استمرت لمدة ست سنوات كاملة.

كانت أحوال بلاد ما وراء النهر مضطربة، يحكم مدنها المنفصلة عن بعضها بقايا المغول، الذين أسلم بعضهم وبقي بعضهم على وثنيته، بالإضافة إلى ما كانت تتعرض له من غارات مغول الشمال الذين ظلوا على وثنيتهم يهاجمون أي توجه إسلامي يظهر في البلاد.

وفجأة، تلقى مولانا من شيخه صدمة، عندما أخبره بوجوب بحثه عن شيخ آخر له؛ فظل مولانا مضطربا متحيِّرا، إلى أن تعرَّف على الدرويش «خليل أتَا»، وصار من أقرب مريديه إليه.

كل هذا وهو ــ كأي صوفي ــ لا يعبأ بأي شيء من الأحداث التي تجري حوله.

اجتمع أهل بخارى وسمرقند، وقرروا أن يُوَلُّوا عليهم سلطانا يحميهم من هجمات المغول الوثنيين، ووقع اختيارهم على الدرويش، الذي كان محترما من أهالي تلك البلاد.. فصار الدرويش سلطانا، ليجد مولانا نفسه فجأة قد تحول إلى أمير.

لكنها كانت إمارة بنكهة استرشاد سلوكي، وخدمة صوفية، وتجربة تربوية روحية خاصة، كان الشيخ المُرَبِّي فيها هو السلطان خليل أتا.

خاض السلطان الدرويش حروبا كثيرة (لا نعرف عنها شيئا على الإطلاق) طوال ست سنوات كاملة، انتهت بهزيمته وزوال ملكه، ليعود مولانا ــ مرة أخرى ــ ناسكًا صوفيا، زاهدا في الدنيا، باحثا ــ من جديد ــ عن شيخ.

بعدها، تعرَّف مولانا على شيخ آخر، أمره بخدمة المساكين والعجائز والمرضى في الشوارع والأسواق، مع الخضوع الكامل وإظهار التواضع لهم، فالتزم بذلك مدة.

ثم أمره بخدمة حيوانات الشوارع وإطعام الكلاب ومداواة المريض منها، مع الإخلاص في ذلك وإظهار التذلل، فبقي على ذلك سبع سنوات.

ثم أمره بإماطة الأذى والأقذار عن الطريق في شوارع المدينة، فبقي على ذلك سبع سنوات أخرى.. بعدها كان مولانا قد أوشك أن يكتمل.

...

قبل أربع سنوات من سلطنة الدرويش خليل، حمل «طرقاي»، زعيم قبيلة البرلاس، مولوده الجديد إلى الشيخ الوليّ شمس الدين، ليتلقى منه البركة.

وجد الشيخ يقرأ هذه الآية: «أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور»، قبل أن يتوقف عن القراءة، ويقول: لقد سمينا ابنكم «تيمور»!

بعد ثمانية عشر عاما، وبينما كان مولانا متشرِّدا في شوارع المدينة، يخدم المرضى والعجائز والحيوانات بأمر من شيخه الجديد، كان تيمور يبدأ رحلة تشرُّد من نوع مختلف، في سبيل اكتماله هو الآخر، تحت إشراف وإرشاد من شيخه الصوفي قطب الأقطاب «زين الدين أبي بكر تاتيابادي»، الذي خلع عليه قلنسوته وصار مرشدا روحيًا له في كل تحركاته ومغامراته العسكرية والسياسية.

كان أبوه قد كبرت سنه، ويئس من الحياة ومتاعبها، واعتزل زعامة القبيلة، ولازم الفقهاء والنسَّاك، وحلّ ضيفا على إحدى تكايا الدراويش.. وقُبيل وفاته، أحضر أمامه تيمور، وقال له: «يا بني، هذه الدنيا ليست بأفضل من إناء ذهبي مليء بالعقارب والثعابين. أنا متعب منها وكاره لها».

ثم أكمل كلامه بوصية: «يا بني، أريد ألا أراك تحيد عن صراط شريعة الله، التي جاء بها رسوله، نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، احترم السادة الفقهاء، واسعَ إلى نيل بركة الدراويش، خذ العزم والقوة من أركان الشريعة الأربعة، الصلاة والصيام والزكاة والحج.. هذه وصيتي إليك».

المؤكد، والمتواتر في كل ما ورد إلينا من أخبار، ومن عدة مصادر، أن تيمور قد التزم بوصية أبيه، إلى درجة أنه جعلها في مقدمة كتاب مذكراته، ووصاياه الاثني عشر المقدسة، إلى الملوك من أبنائه وأحفاده من بعده، التي على أساسها يقوم الحكم ويستمر، كما جاء في كتابه.

والدليل على ذلك أيضا: كل ما قام به تيمور بعد ذلك، من أجل الدفاع عن المسلمين في بلاد ما وراء النهر، وما خاضه من أجلهم من حروب وثورات، وما تعرَّض له من أسر وسجن وجرح وتشريد واختباء وتخفٍّ ومغامرات ومخاطرات مهولة، كان في غنى عنها لو أنه كان يريد مجرد الحكم أو الوصول إلى السلطة.

كان قد سمع كلمة من أحد رجال الدين، فكان يرددها كلما وجد ما يصرفه عن طريقه: «لكل إنسان طريقه الوحيد، وعليه أن يسير فيه».. وقد عرف تيمور أن هذا هو طريقه الوحيد.

أظهر الرجل ــ خلال هذه السنوات العشرين ــ من الشجاعة والشهامة ونجدة شيوخ المسلمين وعجائزهم ونسائهم، ما جعله ينال ليس فقط ثقة المشايخ في هذه البلاد، ولكن حبهم الحقيقي أيضا.

...

عشرون عاما من التشرُّد وخوض المخاطر، كان مولانا هو الآخر يخوض خلالها رحلته الروحية الخاصة.. إلى أن التقيا لقاء خاطفا وحيدا، بعد انتهاء رحلة طويلة من المعاناة.

لقاء واحد، خاطف وسريع، لا يعرف أحد من أتباع مولانا ولا من مؤرخي تيمور أي شيء عنه حتى الآن!!

(2)

بلخ ــ ما وراء النهر ــ 771هـ

في الكوريلتاي (المجلس العام للأمراء ورؤساء القبائل)، المنعقد بعد سلسلة حروب داخلية طاحنة، كان حاضرا فقهاء وعلماء بخارى، وخُدَّام المساجد والرباطات والتكايا، وطائفة من مشايخ الصوفية، منهم الشيخ الكبير زين العابدين (لا نعرفه)، وناسك كبير آخر يُعرف بأبي السعادات (لا نعرفه)؛ بالإضافة إلى «الخواجة المُبَجَّل بهاء الدين الناسك، الذي كان مُحترما كقديس في بلاد ما وراء النهر»!! وكان تيمور منعزلا مع ابنه جهانكير، في انتظار وصول الأمراء والمشايخ إلى رأي بخصوص من سيتولى حكم البلاد.

إلى الآن، أغلب الظن أن هذه هي المرة الوحيدة التي يأتي فيها ذكر مولانا «محمد بهاء الدين شاه نقشبند» في سياق أحداث سيرة تيمورلنك، وقد كان له ــ هو ومن معه من المشايخ في هذا المجلس ــ فضل كبير في تولي تيمور حكم البلاد، بعد أن كان لأمراء المناطق ورؤساء القبائل رأي آخر.. حيث انبرى المشايخ ــ وخصوصا الشيخ أبا السعادات ــ في الدفاع عن الرأي القائل بضرورة وجود حاكم أعلى للبلاد كلها، ينضوي تحت سلطته الجميع.

خطب أبو السعادات خطبة عصماء في تزكية تيمور، قال في آخرها: «أنا الآن أتكلم معكم كمسلمين لا كطورانيين، وأنا المنحدر من ذرية حفيد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وبالتشاور مع منحدرين آخرين من هذه الذرية الطاهرة، ومع كبار العلماء والفقهاء، فإني أنظر إلى تيمور كالسيد الأوحد لبلاد ما وراء النهر، ولجميع بلاد طوران»!!

في اليوم التالي، تمت المبايعة ودار الشيخ زين الدين (لا نعرفه)، حاملا المصحف، على الأمراء ورؤساء القبائل ليحلفوا على طاعة تيمور، ثم وقف أمام تيمور، ورفع صوته قائلا: «إنها إرادة الله أن تكون منتصرا.. ستزداد قوة وسلطانا، وسيعظم بك شأن الإسلام!».

...

كان مولانا في ذلك الوقت في الرابعة والخمسين من عمره.. عاد بعد هذا المؤتمر إلى بلدته (قصر العارفان)، على بُعد فرسخ من بخارى. أنشأ هناك بستانا جميلا ليكون مُعتزَلا له، ولأتباع طريقته ومريديه؛ إلى أن مات بعد عشرين عاما، وقد وصل إلى مقام القُطبية، وهو أعلى مقام روحي يصل إليه العارف الصوفي.

ولم تجد طريقته (النقشبندية) طريقا لها إلى مصر، إلا بعد خمسة قرون من وفاته.

أما تيمور بك فقد قضى أول عشر سنوات من حكمه في تثبيت قواعده، والعمل على استتباب الأمن في بلاد ما وراء النهر، وعلى إعمار عاصمة بلاده (سمرقند) وإصلاح أحوالها: أزال ما حل بالمدينة من خراب، وقضى على الدعارة وتعاطي الخمور، وكذلك على جماعات المصارعين والملاكمين المشهورين في هذه البلاد، وبنى مسجدا كبيرا، ورباطا للصوفية والزهاد.. والكثير من القصور وبيوت الضيافة والحدائق العامة.

ازدادت شعبية تيمور بك وسط الأمراء والعامة ورجال الدين، وتلقَّب ــ في هذه الفترة ــ بألقاب كثيرة، حتى وصل هو أيضا إلى درجة القُطبية، فصار من ألقابه «قطب الحق والدنيا والدين»!!

ثم بدأ في فتوحاته الخارجية.. إلى أن صار، هو وجيوشه، ومعه بعض كبار رجال الدين في بلاده، بعد ثلاثين عاما من بداية حكمه، على حدود مصر.

(3)

دمشق الشام ــ 803هـ

قبل زيارته الأخيرة لتيمورخان، قصد ابن خلدون سوق الكتب بدمشق.. اشترى مصحفا رائعا حسنا، وسجادة صلاة أنيقة، ونسخة من قصيدة البردة «المشهورة» للبوصيري، وأربع علب من حلاوة مصر الفاخرة؛ وجاء بكل ذلك ودخل على تيمور وهو بالقصر الأبلق.

أجلس الخان ابن خلدون إلى يمينه، وتناول الهدايا، وفتح الكتاب، ولما عرف أنه المصحف بادر واقفا، ووضعه على رأسه وقبَّله، ثم تناول شيئا من الحلاوة، ووزَّعها على حاشيته. وسأله عن البردة وعن صاحبها فعرَّفه بها وبصاحبها فقبَّلها، ثم تناول سجادة الصلاة وقبَّلها.

كان ابن خلدون يريد أن يطلب من تيمور السفر إلى مصر، لكنه لم يكن يستطيع التصريح، فألمح في كلامه إلى غربته في دمشق، وأنها غربتان لا غربة واحدة، غربة عن المغرب حيث الأصل والأهل وغربة عن مصر حيث الأصحاب، ثم أثنى على تيمورخان وعلى ما وجده عنده من الكرم.. ثم طلب أمانا لبعض أصحابه المصريين في دمشق، فأعطاه الخان مكتوبا بالأمان.

وفي الزيارة التي بعدها، بادره تيمورخان قائلا: هل تسافر إلى مصر؟! فأظهر ابن خلدون رفضه وأنه لا يريد سوى البقاء في خدمته، وعرف الخان حرج ابن خلدون فقال له: لا، بل تسافر إلى أهلك وعيالك.

خرج ابن خلدون من دمشق، ليصل إلى القاهرة في مستهل شهر شعبان سنة 803 بعد الهجرة، ويسجل ما رآه وسمعه وعايشه بنفسه من أخبار تيمور.

ورغم ما كان يتمتع به من عقلية نقدية، وربما بسبب هول ما رآه من أحداث عجيبة، وربما أيضا إرضاء للسلطات في مصر، فقد مزج ابن خلدون ما رآه بكثير مما سمعه وانتشر بين العامة من أساطير ومبالغات.. ويكفي أن نذكر منها مثلا أنه قرر أن عدد قوات تيمور كان ألف ألف محارب!!

...

كان خروج تيمورخان من أذربيجان بسبعين ألف مقاتل فقط.. فتح كل المدن المملوكية في الشام: عينتاب ثم حلب ثم حماة ثم حمص ثم بعلبك، وصولا في النهاية إلى دمشق.. وقد فتح أغلبها صُلحا، ولا دليل على أغلب ما ورد من مبالغات بشأن قوة بطشه وفتكه وتخريبه لتلك المدن.

ثم عاد بعدها إلى بلاده، استعدادا لمواجهة بايزيد الأول العثماني، الذي كان ابن خلدون قد قابل سفيره المبعوث إلى السلطان المملوكي في القاهرة، ليركب معه في سفينته، أثناء العودة إلى مصر.

كان تيمورخان يعلم أنه راحل عن بلاد الشام بلا عودة أخرى، وأن تاريخه لن يسلم من الطعن والتشويه، لذلك لم ينسَ أن يكتب هذه الكلمات، على الجدار القِبلي للمسجد النوري بمدينة حماة، قبل وداعها الأخير:

«إن سبب تصوير هذه الكلام هو أن الله تعالى قد يسَّر لنا فتح البلاد والممالك، إلى العراق وبغداد، فجاورنا سلطان مصر، ثم راسلناه وبعثنا إليه قُصَّادَنا بأنواع التحف والهدايا، فأهان قُصَّادنا من غير موجب لذلك، وكان قصدُنا بذلك أن تنعقد المودة بين الجانبين، وتتأكد الصداقة بين الطرفين.. ثم، بعد ذلك بمدة، قبض بعض التراكمة على أناس من جهتنا وأرسلوهم إلى سلطان مصر برقوق، فسجنهم وضيَّق عليهم، فلزم من هذا أنَّا توجهنا لاستخلاص معتقلينا من أيدي مخالفينا، واتفق لذلك نزولنا بحماة في العشرين من شهر ربيع الآخر سنة 803هـ».

كانت هذه شهادة تيمورخان إلى التاريخ، وقد نقشها على جدار المسجد، واتفق كل المؤرخين على صدق ما جاء بها من أسباب حملته على الشام، حتى مؤرخي مصر والشام في ذلك العصر.

...

أما سمرقند وبخارى، وبقية مدن ما وراء النهر، فإن الأمور فيها قد استقرت وازدهرت، وكان المشايخ في مساجدهم وزواياهم ورباطاتهم يستقبلون أخبار فتوحات تيمورخان بالابتهاج، والدعاء له بالمزيد من النصر.

وفي بلدة (قصر العارفان) كان بستان مولانا ــ الذي كان قد انتقل إلى العالم الآخر منذ عشر سنوات ــ ما زال عامرا، يقصده المريدون والمشايخ، لزيارة قبره الشريف، وكان خلفاؤه ينشرون تعاليمه وطريقته.

(4)

القاهرة ــ يوليو 2019م

في العاشرة والنصف مساء، خرج الفتى من مجلس الذكر الأسبوعي، بعد انفضاضه، وهو لا يعرف إن كان هذا آخرُ مجلسِ ذِكر سيحضره أم لا.

«لكل إنسان طريقه الوحيد، وعليه أن يسير فيه».

كان قد قضى عامين في رحلة بحثه عن سيرة مولانا، التي قادته إلى الكثير من الحروب الباطنية الممتعة، حروب البحث عن الحقيقة.

كان يفكر: «يمكن اعتبار كل هذا مجرد أسطورة، أسطورة مُدعمة بالوثائق والشهادات والأدلة التاريخية والمنطقية أيضا، أسطورة تجعل كثيرا مما نعتبره حقائق ثابتة هباء منثورا»!

في رحلة عودته إلى منزله، كانت نسمات الليل الصيفية تداعب وجهه، وخيالات طيف مولانا تحثُّه على مواصلة طريق البحث، الذي شعر شعورا غريبا، في هذه الليلة بالذات، بأنه لا ينبغي أن يتوقف أبدا، وأنه ما زال في بداياته.

وكان يفكر: «نعم.. الصوفيُّ باطنه حرب، لكنها ليست حربا ضد أحد.. فلماذا يعملون على إطفائها بكل ما أوتوا من قوة؟!!».

وخُيِّلَ إليه أنه سمع صوتَ مولانا يقول له: «لا تخف.. لن تنطفئ، ما دمتُ أنا مَن أشعلتُها.. ألا تذكر ما قرأتَه من كلامي: (إن الله خلقني لخراب الدنيا، والناس يطلبون مني إعمارها)؟!»..!!

... ... ... ... ...

المراجع:

1ــ الكواكب الدرية على الحدائق الوردية في أجلاء السادة النقشبندية ــ عبد المجيد بن محمد بن محمد الخاني الشافعي النقشبندي

2ــ المواهب السرمدية في مناقب النقشبندية ــ محمد أمين الكردي

3ــ مذكرات سلطان المغول تيمور ــ تيمور بن طرقاي. ترجمة إلى الإنجليزية: تشارلز ستيوارت. ترجمة إلى العربية: دينا الملاح

4ــ تيمورلنك، سلسلة أعلام الحرب ــ العقيد محمد أسد الله صفا

5ــ رحلة ابن خلدون ــ عبد الرحمن بن محمد الحضرمي الإشبيلي (ابن خلدون)

6ــ عجائب المقدور في أخبار تيمور ــ شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد الله الدمشقي الأنصاري (ابن عربشاه)

7ــ حقيقة تيمورلنك العظيم ــ محمد أمين شيخو

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز