عاجل
السبت 12 يوليو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
البنك الاهلي

"الحب اقوى من طلقات الرصاص" - الحلقة الثانية

"الحب اقوى من طلقات الرصاص" - الحلقة الثانية
"الحب اقوى من طلقات الرصاص" - الحلقة الثانية

بقلم/ أحمد عبد السلام



"أحداث القصة من وحي خيال الكاتب وأي تشابه في الأحداث أو الأسماء هو مجرد تشابه غير مقصود"

 

***

تسللت سمية في هدوء إلى غرفة أبيها، منتظرة أن ينتهي من أداء ورده اليومي بتلاوة الذكر الحكيم، الذي عادة ما يختتم به ليلته بعد صلاة العشاء.

وضع كتاب الله في موضعه المعتاد، بعدما سمع أنفاسها وأدرك أن هناك حدثًا جللًا تريد أن تقُصه عليه كعادتها منذ رحيل والدتها، وما أن استدار إليها ولمح تلك اللمعة في عينيها، حتى تأكدت ظنونه..

 

- عزت: تعالي يا سمية اقعدي جنبي
وأشار إلى الوسادة القريبة منه على أرضية غرفته البسيطة، فهو لا يفضل سوى الجلوس على الأرض، واستدرك جملته بسؤال آخر
- حاسس كده إن في حاجة عايزة تقوليهالي.. خير يا بنتي؟
ارتبكت سمية وتلعثمت الكلمات على لسانها وحاولت أن تنطق، إلا أن جرأتها خانتها
ربت على كتفها وقربها منه وداعب خصلات شعرها المنسدلة على كتفيها بحنان، وتذكر صورة والدتها التي تحمل الكثير من ملامحها وصفاتها
استجمعت سلمى قواها ونطقت: أنا كنت عايزة أقولك من فترة، لأني ما اتعودتش أخبي حاجة عليك يا بابا، وانت مربيني على الصدق والصراحة من صغري
- عزت: وأنا عارف انك عمرك ما هتخوني ثقتي فيكي وسهري على تربيتك.. هاه حاسس كده إن الموضوع فيه عريس.. صح؟؟
تهللت أساريرها وازدانت وجنتاها بحمرة زادت من جمالها، فقد رفع والدها حملًا ثقيلًا عن كاهلها، وأمسك بمربط الفرس
سلمى: أيوه يا بابا.. شاب محترم جدًا وابن أصول، وعمره ما حاول يكلمني أو يتجاوز حدود الأدب واللياقة، وطلب مني أنه ييجي يقابلك
عزت: وعرفتيه منين؟
- سلمى: زميلي في الكلية.. بس هو أكبر مني بسنة
- عزت: طالما عايز يدخل البيت من بابه بالأصول يبقى أهلًا وسهلًا بيه، قوليله اني منتظره في الجامع بعد صلاة الجمعة
أطلت الفرحة من بين عينيها، وتراقص قلبها طربًا، لتطبع قبلة على جبينه قبل أن تنهض لتهاتف صابر، وتخبره بموافقه أبيها على مقابلته.

 

***

 

وفي اليوم التالي التقيا في ذات المكان الذي صرح فيه بحبه لها لأول مرة، وجاءت تمشي على استحياء زادها جمالًا فوق جمالها، لتحيط بها هالة تشبه ما ترسمه عقولنا لصورة الملائكة
صابر: طمنيني هاه والدك قال إيه؟
سلمى: بابا منتظرك في المسجد بعد صلاة الجمعة إن شاء الله
وناولته ورقة مطوية فيها العنوان وانطلقت مسرعة من حيث أتت، ليتبعها بعينيه اللتين ذابتا عشقًا لها منذ النظرة الأولى، وبات يعد الدقائق على اللقاء الموعود مع والدها، الذي سيحسم مصير أحلامه بأن يجمعه بها سقف منزل واحد

 

***

 

- السلام عليكم ورحمة الله.. السلام عليكم ورحمة الله
نطق بها الإمام لتنطلق بعدها حشود المصلين كل إلى وجهته، حتى بدأت ساحة ساحة المسجد تخلو رويدًا رويدًا، وهنا توجه صابر إلى الحاج عزت، بعدما سأل الرجل الذي كان يجلس إلى جواره، والذي أشار بسبابته إلى موضع جلوس والد محبوبته في الصف الأول
- صابر: حرمًا يا حاج عزت
- عزت: جمعًا يا ابني ان شاء الله
- أنا صابر اللي طلبت من الآنسة سلمى أنها تحدد ميعاد مع حضرتك
- عزت: أهلًا وسهلًا يا باشمهندس
صابر: أنا هاتخرج السنة دي ومش طالب غير موافقتك على أهم حلم في حياتي، وجاي أطلب ايد بنتك سلمى، ومش عايز منك أي حاجة، أنا الحمد لله جاهز من مجاميعه.
عزت: والله يابني انت وشك فيه القبول، وانا بشتري راجل ومايهمنيش غير سعادة بنتي، وواثق في اختيارها، ومادام جيت دوغري يبقا انت عداك العيب
صابر: أنا عايزها بالفستان اللي عليها ومش هاكلف حضرتك أي حاجة، بس كل اللي طالبه أننا نتمم الجوازة أول ما اتخرج، وتبقى تكمل هي السنة الأخيرة بعد ما نتجوز.
- عزت: احنا ناس نعرف في الأصول، وبنتي هاجهزها أحسن جهاز، مش طالب منك غير أنك تصونها وتحسن معاملتها، وماتبيتهاش زعلانة ولو للحظة
صابر: انا هاشيلها في عيوني ياحج، بس اديني موافقتك
عزت: ربنا يقدم ما فيه الخير، ومن هنا لغاية ما تتخرج، هايكون جهازها وشوارها جاهز، بس برضه هارجعلها في موضوع انكوا تتجوزوا قبل ما تتخرج ده، وأشوف رأيها إيه.. بس... قالها وتوقف قليلًا
صابر: بس إيه يا حاج؟ قلقتني
عزت: انت مش شايف انك جايلي لوحدك وعايز تاخد كلمتي من غير أي حد من أهلك ما يكون معاك؟
صابر: أنا يهمني أني الأول أخد كلمة منك، ووعد أن سمية ليا، وبعدها هاشرح لحضرتك أسبابي.
عزت: أنا بكلمك بالأصول، والأصول ما تزعلش يا ابني..
صابر: فاهم يا حاج اديني بس فرصة أشرحلك كل حاجة بالتفصيل.
ثم قص على والد سمية قصته من البداية للنهاية، وكيف أنه ترك والدته واختيه، وجاء إلى القاهرة ليحقق حلمه، وأنه لا بد أن يعود لمسقط رأسه، لمراعاة أصول العائلة التي أصبح هو "ذكرها" الوحيد..
وبعدما أنهى حديثه.. اعتدل الحاج عزت في جلسته، ويعدل عمامته بإحدى يديه.. قبل أن ينطق بالكلمة التي انتظرها صابر منذ أصابته سهام الحب..
عزت: على خيرة الله وكفاية مكالمة التليفون اللي هاتكلمنا فيها الحاجة، ربنا يتمم بخير يا ابني

 

***

مرت الأيام بسرعة يطوي بعضها بعضًا، حتى جاء اليوم الموعود، بعدما أتم صابر دراسته، وحصل على الامتياز مع مرتبة الشرف، وجاءت سلمى تزف له البشرى بأنه تم اختياره مُعيدًا بالكلية إلا أنه أبلغها بتفضيله العودة لمسقط رأسه لخدمة أهل قريته، ورعاية أرضه وميراث عائلته، وهو ما توافقا عليه منذ البداية، قبل أن يوصلها إلى محل سكنها ويعود أدراجه لوضع اللمسات الأخيرة قبل عقد قرانهما.

***

 

مبروك يا حاج عزت.. ربنا يتمم بخير "قالها أحد الجيران وهو يقبل والد سمية"
- عزت: الله يبارك فيك، عقبال ما تفرح بولادك يا رب، إن شاء الله كتب الكتاب بعد صلاة المغرب، منتظرين تشريفك لينا يا استاذ محسن.
وما أن اتم المأذون مراسم عقد القران، حتى فاضت عيناها بالدموع، وشعرت بالألم يعتصر قلبها.. فلأول مرة تبتعد عن والدها، وهو الذي أفنى عمره لتربيتها والحفاظ عليها، حاولت إقناعه بالانتقال إلى المنيا والعيش معها، إلا أنه رفض بشدة، وكانت تدرك ذلك منذ البداية لكنها حاولت أن تجعله يعدل عن قراره، حتى لا يبقى وحيدًا
- سمية: أرجوك يا بابا تعالى عيش معايا أنا وصابر، قلبي مش مطاوعني إني أسيبك لوحدك.
- عزت: يا بنتي أنا مقدرش أبعد عن أهلي وناسي، ولا عن المكان اللي عشت فيه أنا وأمك.. أسيب ذكرياتي معاها لمين، ثم وجه حديثه لـ صابر وعيناه تفيض بالدموع
- عزت: انت واخد معاك حتة من روحي.. مش هاوصيك عليها يا ابني
- صابر: انت عارف يا حاج اني هاشيلها في عيوني، دي هدية ربنا ليا
- سمية: مش هسيبك يابا.. هجيلك كل اسبوع أنا وصابر، قالتها وأجهشت بالبكاء
- عزت: خلي بالكم من نفسكم، وعاهدوني انكم هاتحافظوا على بعض، وتعيشوا سوا ع الحلوة والمرة.
- ثم وجه حديثه لسمية: اعملي اللي ربيتك عليه يا بنتي، البنت عندنا بتخرج من بيت أبوها لبيت جوزها، تعيش معاه وتحفظ سره، وما تخرجش من عنده غير وهي ملفوفة بالكفن.
قالها ثم طبع قبلة حانية على جبينها ووضع يدها في يد زوجها وودعهما بالدموع.

 





 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز