عاجل
الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

عبد الرحمن محروس يكتب: د. عبد الحليم محمود.. والرئيس المؤمن

عبد الرحمن محروس يكتب: د. عبد الحليم محمود.. والرئيس المؤمن
عبد الرحمن محروس يكتب: د. عبد الحليم محمود.. والرئيس المؤمن

وُلد الامام الأكبر د عبد الحليم محمود في قرية أبو احمد من ضواحي مدينة بلبيس بمحافظة الشرقية، ونشأ في أسرة كريمة مشهورة بالصلاح والتقوى، فحفظ القرآن الكريم في سِنٍّ مبكرة ، والتحق بالأزهر، وحصل على الشهادة العالمية ، ثم سافر على نفقته الخاصة لاستكمال تعليمه العالي في باريس، ونجح في الحصول على درجة الدكتوراه في سنة (1940م) من جامعة السوربون بفرنسا.



 تولى أمانة مجمع البحوث الإسلامية، ثم وزيرا  للأوقاف، وصدر قرارا بتعيينه شيخا للأزهر عام 1973م..

كان للشيخ عبد الحليم محمود مواقف شجاعة وجريئة ضد الرؤساء  ، فبعد عودته من فرنسا كان يرتدي البدلة الإفرنجى ، غير أنه بعد سماع خطبة للرئيس عبد الناصر يتهكَّم فيها على الأزهر وعلمائه بقوله: "إنهم يُفتون الفتوى من أجل ديكٍ يأكلونه" فغضب الشيخ الذي شعر بالمهانة التي لحقت بالأزهر، فما كان منه إلا أنه خلع البدلة ولبس الزي الأزهري ، وطالب زملاءَه بذلك، فاستجابوا له تحديا للزعيم ، ورفع المهانة عن الأزهر وعلمائه.

كما كان له مواقف اخري عديده ضد الرئيس السادات  ، حيث شهدت العلاقة بينهما توترًا كبيرًا خلال فترة تولي الأخير مشيخة الأزهر ، فقد أصدر السادات قرارًا جمهوريًا جرد منصب شيخ الأزهر ، من اختصاصاته ومنحها لوزير الأوقاف والأزهر ،  فما كان من الشيخ إلا أن قدم استقالته للرئيس ، ثم شفعها بخطاب آخر، ، شَارِحًا فيه موقفه، وأن الأمر لا يتعلق بشخصه، وإنما يتعلق بالأزهر وقيادته الروحية للعالم الإسلامي كلِه ، لأن القرار الجمهوري السابق يغض من هذه القيادة ويعوقها عن أداء رسالتها الروحية في مصر وسائر الأقطار العربية والإسلامية، وقبل هذا أخطَر وكيلَ الأزهر بموقفه ؛ ليتحمل مسؤوليته حتى يتم تعيين شيخ آخر ، وروجع الإمام في أمر استقالته، وتوسط لديه العديد من الوسطاء فأصر علي موقفه ؛ وامتنع عن الذهاب إلى مكتبه، ورفض  الحصول على راتبه، وطلب تسوية معاشه، وأحدثت هذه الاستقالة دويا هائلا في مصر وسائر أنحاء العالم الإسلامي، وتقدم أحد المحامين برفع دعوى "حسبة "أمام محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة ضد رئيس الجمهورية ووزير الأوقاف، مطالبا وقف تنفيذ قرار رئيس الجمهورية وأمام هذا الموقف من الشيخ  اضطر الرئيس السادات إلى أعادة النظر في قراره ودراسة المشكلة من جديد ، وأصدر قرارا أعاد  الى شيخ الأزهر صلاحياته  جاء فيه " شيخ الأزهر هو الإمام الأكبر وصاحب الرأي في كل ما يتصل بالشئون الدينية والمشتغلين بالقرآن وعلوم الإسلام، وله الرياسة والتوجيه في كل ما يتصل بالدراسات الإسلامية والعربية في الأزهر و يعامل شيخ الأزهر معاملة الوزير من حيث المرتب والمعاش، ويكون ترتيبه في الأسبقية قبل الوزراء مباشرة"  وبذلك انتهت الأزمة وعاد الشيخ إلى منصبه حتى صدر قرار جمهوري بعد وفاة الشيخ بمساواة منصب شيخ الأزهر بمنصب رئيس الوزراء.

موقفه أيضا من قانون الأحوال الشخصية .. فقد كان للشيخ  رؤية واضحة ومواقف محددة تجاه القضايا التي تمس الدين  فعندما حاولت الدكتورة عائشة راتب بالشروع في إصدار تعديلات  بقانون الأحوال الشخصية (سمي وقتذاك  بقانون جيهان) دون الرجوع إلى الأزهر ، تصدى  له الشيخ  ومنع إقراره من مجلس الشعب  لأنه تضمن قيودا على حقوق الزوج ويمنع تعدد الزوجات على خلاف ما قررته الشريعة الإسلامية ، وقال "لا قيود على الطلاق إلا من ضمير المسلم ، ولا قيودَ على التعدد إلا من ضمير المسلم  وأصدر بيانًا من الأزهر الشريف حذر فيه من " الخروج على تعاليم الإسلام، وأرسله إلى جميع المسئولين وأعضاء مجلس الشعب وإلى الصحف، ولم ينتظر صدور القانون بل وقف في وجهه قبل أن يرى النور،  وعلى الرغم من أن البيان تم منع نشره  في الصحف الا أن الحكومة اجتمعت للنظر فيه   وأصدرت بيانا أكدت فيه على انها لا تفكر على الإطلاق في تعديل قانون الأحوال الشخصية، وبذلك نجح  الشيخ في  منع القانون قبل صدوره .

ومن كرامات الإمام فقد ذهبت مع وأبي وأمي وأنا صغير السن  لزيارة الإمام في منزله حيث كان خال والدتي وما ان طرقنا الباب فتح لنا الإمام ورحب بنا ونطق باسمي دون ان يعرفني او يقابلني من قبل أو حتى يسمع عني (سبحان الله).

 

تنبؤه بانتصارات أكتوبر المجيد يقول دكتور أحمد عمر هاشم عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر أن الشيخ عبدالحليم محمود أخبر الرئيس الراحل محمد أنور السادات قبيل حرب رمضان المجيدة أن الجيش المصرى سينتصر فى المعركة ضد الجيش الإسرائيلى وعندما استغرب السادات من ذلك قال الشيخ عبدالحليم محمود أنه متأكد من النصر على العدو الإسرائيلى وعندما سأله السادات كيف أنت متأكد  من ذلك قال الشيخ رحمه الله عليه : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام يعبر قناة السويس ومعه علماء المسلمين وقواتنا المسلحة، فاستبشر خيرا وأيقن بالنصر وكان هذا دافعا وسببا قويا في قرار السادات بالحرب بعدها انطلق الشيخ عبدالحليم محمود عقب اشتعال الحرب إلى منبر الأزهر الشريف، وألقى خطبة عصماء توجه فيها إلى الجماهير والحكام مبينا أن حربنا مع إسرائيل هى حرب في سبيل الله، وأن الذي يموت فيها شهيد وله الجنة، أما من تخلف عنها ثم مات فإنه يموت على شعبة من شعب النفاق ٠
= يقول الشيخ عبد الحليم في كتابه ( المدرسة الشاذلية وإمامها أبو الحسن الشاذلي): في فتره من الفترات ابتلاني الله بموضوع شق على نفسي وعلى نفس المحيطين بي، واستمر الابتلاء مدة كنا نلجأ فيها إلى الله طالبين الفرج؛ وذات يوم أتى عندي بعض الصالحين – وكان على علم بهذا الابتلاء - وأعطاني احدهم ورقة كُتبت فيها صيغة صلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: اقرأها واستغرق فيها، وكررها منفرداً في الليل لعل الله يجعلها سبباً في تفريج هذا البلاء .
واعتكفت في غرفه بعد صلاة العشاء وأضأت نور الغرفة وأمسكت الورقة بيدي، وأخذت في تكرار الصيغة واستغرقت فيها، وإذا بي أرى فجأة أن الحروف التي كتبت بها الصيغة مضيئة تتلألأ نوراً ومع أن الغرفة كانت مضيئة،
ولم أصدق عيني فغمضتهما وفتحتهما عدة مرات، فكان النور على ما هو، فوضعت الورقة أمامي ووضعت يدي على عيني أدلكهما وأدعكهما، ثم فتحت عيني، فإذا بالحروف على ما هي عليه تتلألأ نوراً وتتشعشع سناء.
فحمدت الله وعلمت أن أبواب الرحمة، قد فُتحت وأن هذا النور رمز ذلك، وفعلاً أزال الله الكرب وحقق الفرج بكرامة هذه الصيغة المباركة. والصيغة التي قالها الإمام هي قوله:
*اللهم صل صلاةَ جلالٍ، وسلِّم سلامَ جمال، على حضرة حبيبك سيدنا محمد، واغْشَهُ اللهم بنورك، كما غشيته سحابةُ التجليات، فنظر إلى وجهك الكريم، وبحقيقة الحقائق كلّم مولاه العظيم الذي أعاذه من كل سوء، اللهم فرّج كربي كما وعدتَ، أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء وعلى آله وصحبه وسلم
=علاقته برؤساء دول العالم   حيث استقبله  الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر   استقبال حافل يليق بمكانة الإمام ، ورحب به ترحيب كبير ،  باعتباره أنه شيخ  أكبر مؤسسة دينية في العالم وعمل معه عدة لقاءات كبيرة وخطب الإمام في الكونجرس الأمريكي، ورافقه في هذه الجولة الشيخ الحصري الذي أذن فى الكونجورس الامريكي، واعتبره كارتر من أقوى الأسلحة في مواجهة الشيوعية، ولذلك اصطحبه للأمم المتحدة ليفتتح المسجد الذي أقيم بمقرها خلال فترة حكمه ، كما استقبله رئيس باكستان على سلم الطائرة حيث كان يعتبره أكبر من كل الرؤساء· = تدخله في حل الأزمات الدوليه  ، حيث قامت أزمة عنيفة بين المغرب والجزائر بشأن مشكلة الصحراء الغريبة التي كانت أسبانيا تحتلها، وأدى الخلاف بينهما إلى مناوشات حربية كادت تتحول إلى حرب عنيفة.
ولما علم الإمام بأخبار هذه التحركات سارع إلى إرسال برقية إلى كل من ملك المغرب ورئيس الجزائر، دعاهما إلى التغلب على نوازع الخلاف وعوامل الشقاق والفرقة، وأن يبادرا بتسوية مشكلاتهما وموضوعات الخلاف بينهما بالتفاهم الأخوي والأسلوب الحكيم، وناشدهما باسم الإسلام أن يلقيا السلاح وأن يحتكما إلى كتاب الله.
وأرسل في الوقت نفسه برقية إلى الرئيس السادات يرجوه التدخل للصلح بين القطرين الشقيقين، جاء فيها: “تتعلق بزعامتكم قلوب المسلمين من العرب  الذين ينتظرون مساعيكم الحميدة في إصلاح ذات البين للصدام المسلح المؤسف بين البلدين الشقيقين الجزائر والمغرب”.
وقد رد السادات على برقية شيخ الأزهر ببرقية يخبره فيه بمساعيه للصلح بين الطرفين جاء فيها: “تلقيت بالتقدير برقيتكم بشأن المساعي لحل الأزمة بين الجزائر والمغرب، وأود أن أؤكد لكم أن مصر تقوم بواجبها القومي من أجل مصالح العرب والمسلمين، وما زال السيد محمد حسني مبارك نائب الرئيس يقوم بمهمته المكلف بها، أرجو الله عز وجل أن يكلل جهوده بالنجاح والتوفيق…”.
وفي الوقت نفسه أرسل برقية إلى خالد بن عبد العزيز عاهل المملكة السعودية آنذاك يدعوه للتدخل إلى حقن الماء بين الشقيقين وفض النزاع بينهما، وقد أحدثت هذه البرقيات أصداء قوية، وكانت عاملا في هدوء الحالة بين الدولتين الشقيقتين،
ومن سماحته وأدبه كان يقيم في شقه بمنزل سيده مسيحيه وبعد وفاته حاولت مشيخة الازهر تحويل شقته الى متحف ومزار ديني لاقتناء كتبه ومؤلفاته  ، الا انهم فوجئوا بوصية تركها برد الشقه خاصته بعد وفاته الى صاحبتها القبطية .
 بعد عودة الشيخ الإمام عبد الحليم محمود من رحلة الحج عام  1978م قام بإجراء عملية جراحية بسيطه جدا بالمراره نسبة نجاحها ٩٩،٩٪  فتوفي على إثرها وتلقت الأمة الإسلامية نبأ وفاته بالأسى، تاركً تراثا فكرِيا ذاخرا لايزال يعاد نشره وطبعه " ، وللشيخ حوالى 100مؤلفا في التصوف والفلسفة، بعضها بالفرنسية، من أشهر كتبه:"أوروبا والإسلام"، و"التوحيد الخالص "و "الإسلام والعقل"، و"أسرار العبادات في الإسلام"، و"التفكير الفلسفي في الإسلام"، و"القرآن والنبي"، و"المدرسة الشاذلية الحديثة وإمامها أبو الحسن الشاذلي". فكانت حياة الشيخ عبد الحليم محمود جهادا متصلا وإحساسا بالمسئولية التي يحملها على عاتقه، فلم يركن إلى اللقب الكبير الذي يحمله، أو إلى جلال المنصب الذي يتقلده، فتحرك في كل مكان ، وأحس الناس بقوة الإيمان وصدق النفس، فكان يقابل مقابلة الملوك والرؤساء.


* الخبير الامنى لشؤون مكافحة الفساد والإرهاب

 

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز