عاجل
الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

صفحات من دفتر يوميات ملتقى الأقصر الدولي للتصوير الدورة الثانية عشرة

صفحات من دفتر يوميات ملتقى الأقصر الدولي للتصوير الدورة الثانية عشرة
صفحات من دفتر يوميات ملتقى الأقصر الدولي للتصوير الدورة الثانية عشرة

الأقصر- سوزى شكرى

 في الرحلة حياة، فيها الاوقات الحلوة التي ستصبح ذكرى، وصعب تتكرر بنفس ناسها وأحاسيسها،  في الرحلة دروس، استفادة وإضافة يمكن أن تغير حياتك كإنسان وكفنان،  في الرحلة إيجابيات، صحبة محبة وصداقة تظهر عندما تتعرض لأزمة بسيطة،  في الرحلة سلبيات، تتمنى تنساها وليدعمك الزهايمر في نسيانها،  عن رحلتي إلى الأقصر مع الفن والفنانين، وفعاليات ختام ملتقى الأقصر الدولي للتصوير الدورة ١٢ التي أقيمت في الفترة 5 ديسمبر الى 12 ديسمبر، أنقلها لكم من دفتر يومياتي، بدءًا من قطار الذهاب إلى الأقصر والعودة، وما بينها من حكايات وفعاليات فنية واجتماعية  .



الساعة الثامنة مساء يوم الثلاثاء 17 ديسمبر2019 من داخل قطار النوم المتجه إلى الأقصر،  كابينة رقم (...)

أنا على موعد مع سحر التجربة الاولى ويسيطر علىّ إحساس المغامرة، دخلت غرفتي، ووقفت مكاني للحظات وأنا أتفقد بعيني تفاصيل الغرفة، سرير ومن فوقه سرير آخر، ونافذة يهتز مع سرعة القطار، به زجاج مشوش عليه آثار أمطار سائلة، وكأنها دموع وداع لعيون رحلت عن الأحبة، وأتربة الزمن عالقة بالنافذة، كلما تطايرت عادت مرة أخري لمكانها، يا الله ما هذه الغرفة وكيف تسير رحلتي التي قد تمتد الى عشرات الساعات العنيدة، كلما تزداد سرعة القطار يخفق قلبي قلقًا من قوة السرعة، وحين يبطئ السرعة أطمئن إنني بخير لست خائفة ولست مطمئنة، أجواء القطار برودة وسخونة في آن واحد، وضعت حقائبي وذهبت إلى الغرف المجاورة، ربما أشعر بالهدوء، جارتي الأولى في العربة الدكتورة أمل نصر، ثم يليها الدكتورة جيهان فايز وهم رفقاء، دار بيننا حوار يملؤه الصداقة والمحبة والسعادة، حوار آخر عن الفن وأحواله وما وصلنا إليه من تطور وتدهور كلاهما معًا ..

تجولت بالقطار كطفلة صغيرة، تعبث، تلهو وتتمايل بين ممرات العربة، ومع اهتزازات القطار، توقفت عند وصلات العربات، أتأمل الوصلة الحديدية المفصلية الممسكة بين عربات القطار، ظللت أسير بين الممرات، أغامر بضعفي حتى أصبح قوية، سمعت ضحكات شباب، وأصوات لأطفال تبكى، وصوت "اسمهان" تشدو "امتى ها تعرف إني بحبك امتى"، ففرحت أن الحب هو تلك الشعور الذى يرافق المسافرين.

 وفى بوفيه القطار وجدت رفقاء الرحلة جالسين، يتبادلون الحكايات وشرب الشاي الدافئ والقهوة المظبوطة، وجلست معهم أحاول أنزع عن خيالي قلق الرحلة، إلى أن توقف القطار فجأة، وسمعت خبطة عنيفة جدًا، هزت كل الجالسين وانتابنى شعور أن الامر ليس مجرد توقف مفاجئ، رغم أن مسؤولي القطار أبلغونا أنه عطل بالجرار وجارٍ إصلاحه، واستمر التوقف ساعتين تقريبًا .

مر الوقت وأنا اتصفح تليفوني المحمول هربًا من عالم القطار إلى عالمي الافتراضي، عودت إلى غرفتي فجرًا، توقف القطار عند "أسيوط" رفعت الظلام عن شباك الغرفة، إنها أول خيوط الشمس الذهبية تستقبل تحية الاشجار، وإذا بأطفال يلوحون لكل من في القطار بالسلام والتحية، وكأن وصول القطار أحد ألعابهم،  وجوه سمرة مبهجة، إنها قلوب أطفال الصعيد البريئة، أين أنتم أيها القلوب افتقد حبكم وحضنكم، اجتهد أحد الأطفال ليراني وهو يتوارى ويختفى خلف الاشجار،  أرسلت له التحية من خلف الزجاج المشوش لو كنت أملك الخروج له لخرجت واكملت معه اللعب، لولا ابتسامة أطفال أسيوط لأ أدرى كيف كانت تسير رحلتي، وصلنا "الاقصر " بعد 13 ساعة الاربعاء 11 صباحًا، واتجهنا جميعًا إلى فندق (..... ) حيث إقامة فناني وفنانات ملتقى الاقصر الدولي لتصوير الدورة (12. )

يوم الأربعاء 18 ديسمبر 2019 الساعة 12 ظهرًا

أثناء الطريق إلى الفندق سرحت وأنصت بعيوني إلى جمال طبيعة الاقصر وحضاراتها وآثارها، بينما عقلي يحمل شغفًا ولهفة لرؤية فناني الملتقى، وماذا قدموا من أعمال فنية وهل تأثروا بوجودهم بالأقصر، وهم 19فنانًا وفنانة (نينو بوسيكاشفيلى (جورجيا)، مادان لال (الهند)، ميلان بانتيليتش (صربيا)، كونستانتين ميليورينى (إيطاليا)، لى دونجبو (الصين)، ميلتوس بانتلياس (اليونان)، نبيل على (العراق)، سعيد العلوى (سلطنة عمان)، ومحجوب حسن (السودان)، ومن مصر تسعة فنانين (إيفيلين عشم الله، رندا فخرى، عبد العزيز الجندي، محسن أبوالعزم،  أيمن قدري،  كريم القريطي، أسماء الدسوقي، طارق حسن، شعبان الحسيني)، ومن الفنانين الشباب، أسماء أشرف، خشوع الجوهري، دعاء عبدالواحد، بالإضافة إلى الناقد الفني المصاحب دكتورة هبة عزت الهوارى .

جولة تفقدية في مَرسم الفنانين

استقبلنا الدكتور عماد أبوزيد قوميسر الدورة، وذهبنا لجولة أنا وأعضاء اللجنة العليا للملتقى( دكتورة أمل نصر – دكتورة جيهان فايز)، لنتفقد مرسم الفنانين أو المكان المخصص للعمل ويقع على نهر النيل بداخل الفندق .

 الانطباع الأول، لحظة دخولك المرسم يصلك إحساس بالمحبة بينهما، ويكشف عن التواصل الاجتماعي والإنساني، الذى تم بينهما أثناء فترة الملتقى، الكل يعشق ما يرسمه، ويرسم ما يعشقه، ليس مجرد عمل فني، سوف ينتهى منه بانتهاء الفعالية، وأكثر من جذبني أن ليس للأنانية مكان بينهم، يشيدوا بأعمال بعضهم البعض بمحبة صافية، ولم يبخل أحد منهم بالنصيحة والمعلومة للآخر، فتلك جزء من التواصل الثقافي وتبادل الخبرات التي تحققت بالملتقى، وحتى ما يرسم في غرفته يأتي إلى مكان المرسم بين الحين والحين ويتواصل، ورغم اختلاف الاعمار والجنسيات واللغات، إلا أن الفن لا يعصى عليه أن يكون اللغة الموحدة بينهم، وفنيًا لا توجد حدود بين المدراس الفنية إلا المقصد الفني الذى يحقق هدف العمل .

بالمرسم شباب من كلية الفنون الجميلة الأقصر، يدعمون فناني الملتقى، ويسعدون بميلاد الفعل الفني، وعلى يسار المرسم تجلس على الارض الفنانة الشابة "خشوع الجوهري"، وحولها ألوانها تصرخ من كثرة حكايتها الملونة، تمنت أن تأخذني معها الى عالمها السحري الغامض، وعلى مقربة ينصت الفنان طارق حسن إلى عازف الربابة بصوته العذب، الذى أطل علينا بنغماته الإيقاعية واللونية من مسطح لوحاته وكأنه أحد ساكن اللوحة القاطن بعجينة اللون، والفنان الإيطالي "كونستانتين" مشاغب التاريخ، يداعب راقصات معابد الاقصر أمام" أنوبيس" في إيقاع حركي ساحر، والفنان الصربي " ميلان بانتيليتش"، يبحث عن الأرواح الغائبة خلف أكفان الوجوه، والفنان "عبدالعزيز الجندي "زيزو" صاحب العطاء صديق الفن والفنانين حطم كل حواجز اللغة بفنه وبخطوط المحبة رسم بورتيريهات لزملائه في الملتقى، بالإضافة إلى منتجه الفني المتنوع والمتعدد الخامات عبر عن الحياة في الأقصر متمثلاً في الوجوه الباسمة العريقة الاصل، والفنان دكتور "عماد أبوزيد"، الذى تغلبت عليه شخصيته الأصلية، إنه فنان تشكيلي قبل أن يكون قوميسر للملتقى فرسم وتواصل بخبراته ومهارته الفلسفية مع الفنانين .

 ومن عمان الفنان "سعيد العلوى" يخفى حكايته خلف الأبواب القديمة وترك رسالة مكتوبة وظرفًا مغلقًا من يفتح الباب سوف يحظى بها، الفنان الشابة "أسماء أشرف" فراشة، موهبة قادمة وجه باسم، رغم أنها تتحدث بإحدى لغات التصوير الدرامي، ومن السودان الفنان القدير "محجوب حسن" هو في الأساس يعشق عزف العود والكمان، فكانت للموسيقى اللونية والحركة الإيقاعية للعناصر مساحة خاصة في لوحاته الفنية، والمايسترو العمل هو الخط .ومن الهند "مادن لال" استخدم رموزًا فرعونية كمفتاح الحياة وشخوص وعناصر زخرفية من أجل إيجاد مقاربة، وليست مقارنة بين الحضارات الشرقية، وربط ذلك باللون المضيئة وبالأوراق الذهبية، أما اليوناني "ميلتوس بانتلياس"، قام بتحضير مسطح لوحته بطبقات بأوراق تمثل تعبيرًا عن نصوص مكتوبة ومنحها لون الترابي الرملي الصحراوي، ورسم الهرم كجزء من الحضارة ووضع خامة "الجريدة"، الفنانة القديرة "إيفلين عشم الله"، الأم والجدة بروحها الجميلة تتحدى أوجاع الجسد الزمن وتعافر من أجل الفن تهتم بكل من حولها بالمحبة والبهجة صاحبة عالم الأساطير والحواديت تهدى لوحاتها إلى نهر النيل العظيم .

 الفنانة "أسماء الدسوقي" اختارت ان تكون التأثيرية مذهبها التقني والتجريدية والتبسيط معالجة وصياغة لتعبر عن المشهد المكاني الأقصري، الجبال ونهر النيل بمساحات اختزالية، وبينهما تسكن المساحة الخضراء الزراعية التي تحيا على ضفاف النهر، مع وجود بعض الملامس لتجسيد الجبل . وفى مكان منفصل بالمرسم، تسمع صوت فيروز تشدو للنهر الخالد، حيث يجلس الفنان العراقي "نبيل على" لوحاته تدعوك لتأمل، ولتتبع مسيرة ألوانه من أين بدأت وكيف انتشرت على المسطح، وأثناء انتشار مساحاته اللونية، تركت خلفها عناصر ومفردات تجد المرأة والعازفين والجًمال العربية والكباش الكل يتصارع في البقاء حيًا .

ثم تركنا المرسم نستكمل الجولة، يرافقني أعضاء اللجنة ( د.أمل نصر – د.جيهان فايز)، والناقد المصاحب، دكتورة هبة الهوارى، التي تراقب وتتبع تطورات اللوحة من حيث الإضافة أو الحذف وتسجليها بشكل مستمر.

تفقدنا أعمال الفنانين من داخل غرفهم الخاصة بالفندق، وصلنا الى الفنانة "رندة فخري" فخرًا للفن المصري تكمل مشروعها الفني وبنفس سياقها الفلسفي في عشقها للكائنات الحية الحكيمة، فاختارت "الإله جحوتي"، الذى يظهر بصورتين "قرد البابون" و "أبومنجل" إله الحكمة، المجلل بالأسرار، إله الإصلاح بين المتخاصمين .

 والفنان "شعبان الحسيني" جاء إلى الأقصر بحلم الإنسان، مؤكدًا أن ليس لحلمه مكان، فقد يكون مكانه بأعماقنا جميعًا، طبقات عديدة على مسطحه التصويري تعبيرًا عن محاولات تحقيق الحلم المفقود والغائب والمؤجل رغمًا عنا، تشغله الشخوص الانسانية التي تتلهف لحلمها بعيون شغوفة وترقب صامت ليس تفاؤلاً وليس أملًا، أما الفنان "محسن أبوالعزم" فنان ملتزم فنيًا برسالته في التعبير عن الحياة الشعبية، محامي التراث يحافظ عليه حتى لا يبعث أحد بالهوية المصرية الشعبية .

 الفنان "كريم القريطى" مهموم بالبشر المتصارعين نفسيًا مع الآخر، فجعل ملامح البشر تسرد حالة غامضة، رسم تجمعات بشرية إنسانية في هيئة تكتل متماسك رمادي اللون، ولكن ربما لا يكون الرمادي حياديًا، بل لون مسيطر في التواجد، خلف البشر سكون وفراغ نيلي اللون، فمنح البشر صفة مؤقتة لحظة أنهم شهود على النهر وأساطيره، وغراب يستقر على كتف أحدهما، وغراب آخر طائر ما زال يبحث عن مكان يضع قدمه، الـغـراب تلك الطائر ذي المعاني المتناقضة، قد يكون رمز الحكمة أو الموت، ولكنه وسيط بين الأرض والسماء .

الفنان "أيمن قدري " تخلى عن تجربته الفنية السابقة في الاسلوب الاكاديمي، ليقدم بالملتقى حالة فنية جديدة تجمع بين النحت المرسوم والزخرفة، وهى حالة تستحق الاشادة نابعة من إدراكه أن الفن يعيش وينضج على المغامرة والتجريب، فقدم عملين "تمثالان ممنون "بتخلص وتبسيط تجريدي معاصر المعالجة .

وإلى هنا انتهت الصفحات الأولى من دفتر ملتقى الاقصر الدولي للتصوير 12 ..

*وسوف نكمل الصفحات القادمة مع كواليس الملتقى- الإعداد للعرض النهائي - ولقاء خاص مع قوميسر الملتقى دكتور عماد أبوزيد – مع دكتور فتحي عبدالوهاب رئيس صندوق التنمية الثقافية – ومع الفنان القدير دكتور أحمد نوار، وندوة الاحتفاء وتكريمه بختام الملتقى.

 

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز