

محمد نجم
كعب بن زهير صاحب بردة الرسول
بقلم : محمد نجم
هو كعب بن زهير، شاعر جاهلى مجيد من نـجد، أبوه الشاعر المعروف زهير بن أبى سلمى، وأخوه بجير وابنه عقبه وحفيده العوام.. وكلهم شعراء.
كان كعب يهوى الشعر ويتكلم به، ولكن أباه كان ينهاه عن ذلك مخافة أن يقول شعرا غير مستحكم، فيروى له مالا خير فيه، ولكنه لم يكن يرتدع، مما اضطر أباه لضربه.. ثم حبسه وبعد عدة أيام أطلق سراحه وكلفه برعاية الغنم..
ثم سمعه يرتجز.. فقال:
ثم قال: أجز يالكع، فقال كعب:
منير هــــداه ليلــه كنهـــاره جميــع إذا يعلو الحزونة أفرق
وكان زهير يتعسف فى وصف النعام والإبل حتى يعلم مدى تمكن ابنه من الشعر، وبعدها أذن له بقوله..
ثم تصادف أن قال زهير بيتا ونصفًا من الشعر وعجز عن استكماله، فمر به النابغة، فقال له: أبا أمامه.. أجز، فقال: وما قلت: فأنشده:
تزيـد الأرض إمـــا مت خفـــــا وتحيا إن حييت بها ثقيلا
نزلت بمستقر العــرض منهـــــا .......................
ولكن النابغة أيضا عجز عن استكمال شطر البيت، حتى جاء كعب وكان مازال غلاما فأخبره أبوه بالموضوع.. فأنشد على الفور:
وتمنع جانبيها أن يزولا
فضمه زهير إليه، وقال: أشهد أنك ابنى! وبعد وفاة زهير، ذهب الشاعر المعروف «الحطيئة» الملقب بالجرول وكان راوية لشعر زهير وأبنائه إلى كعب وقال له: تعلم روايتى لكم وانقطاعى إليكم، وقد ذهب الفحول غيرى وغيرك، فماذا لو قلت شعرا تذكر فيه نفسك وتضعنى موضعًا بعدك، فإن الناس لأشعاركم أروى وإليها أسرع، فقال كعب:
فمن للقوافى شـأنها من يحوكها إذا ما ثــوى كعب وفـــور جرول
يقول فلا تعبأ بشىء يقـــــوله ومن قـــائليها من يسىء ويعمل
كفيتك لا تلقى من الناس واحدا تنخــل منهـا مثــــل ما يتنخل
يثقفهــا حتى تلين متونهـــا فيقصر عنها كل ما يتمثل
وعندما دعا الرسول الكريم إلى الإسلام، كان كعبا قد بلغ من الشعر والشهرة حظا وافرا، وعندما أسلم أخوه بجير وبخه وطلب منه الرجوع عن دين لم يكن عليه أحد من آبائه.. ولم يكتف بذلك.. ولكنه هجاه ثم هجا النبى أيضا:
ألا أبلغــا عنـى بجيرا رســـالة فهل لك فيما قلت ويحك هل لكا؟
فبيّن لنا إن كنت لست بفاعل على غيـر شـىء غير ذلك دلكـــا
على خلق لم ألف يوما أبا لــه عليه ومـــــا تلفى عليه أبا لكا
سقاك أبو بكر كأسا روية فأنهلك المأمـــون منها وعلكــــا
وعندما تسلم بجير خطاب أخيه أطلع رسول الله عليه، فلما سمع قوله (سقاك بها المأمون) قال: صدق وإنه لكذوب، أنا المأمون، ثم رد بجير عليها بقوله:
من مبلغ كعبا فهل لك فى التى تلوم عليها باطـــلا وهى أحزم
إلى الله لا العُزّى ولا اللات وحده فتنجو إذا كـان النجاء وتسلم
فدين زهير هــــو لا شىء دينــه ودين أبـى سُلمى علىّ محــرم
وبعد فتح مكة كتب بجير لشقيقه كعب يخبره بأن رسول الله قد أهدر دمه، ونصحه بالتوبة وأن يسرع بالقدوم إلى النبى فى المدينة ولكن كعبًا خشى من العقاب، وذهب إلى أبى بكر يستنجد به، فأخذه الصديق إلى النبى وهو فى المسجد وطلب له الأمان، وأنشده قصيدته المشهورة والتى مطلعها.
بانت سعاد فقلبى اليوم متبول، متيم إثرها لم يفد مكبول.
والتى يقول فيها:
نبئـت أن رســـول الله أوعــــدنى والعفــو عنـد رسول الله مأمول
مهلا هداك الذى أعطـــاك نافلة القـرآن فيها مواعيظ وتفصيل
لا تأخذنى بأقوال الوشـــــاة ولم أذنب ولو كثرت فى الأقاويل
إن الرسول لنور يســــــتضاء به وصـارم من سيوف الله مسلول
فاستحسن الرسول قوله وعفا عنه، ثم خلع عليه بردته، والتى احتفظ بها أبناؤه حتى اشتراها منهم الخليفة الأموى معاوية بن أبى سفيان بعشرين ألف درهم، ثم توارثها الخلفاء والأمويون، ثم بيعت للخليفة العباسى أبو جعفر المنصور بأربعين ألفا، ثم آلت بعد الخلافة العباسية إلى العثمانيين!
المهم أن شاعرنا حَسن إسلامه وأخذ يقول شعره متضمنا حكما ومواعظ: ومما قاله:
لو كنت أعجب من شىء لأعجبنى سعى الفتى وهو مخبوء له القدر
يسعى الفتى لأمـور ليس يدركها والنفس واحـــــدة والهم منتشر
والمـــــرء ماعاش ممدود له أمـــل لا تنتهى العين حتى ينتهى الأثر
ومن أشعاره أيضا تلك الأبيات التى تدل على الزهد فى الدنيا والإيمان بقضاء الله وقدره..
أن يدركــــك مـــــوت أو مشيب فقبلك مـــات أقـــــوام وشابــــوا
تلبثنا وفرطنـــا رجــــالا دعــــوا وإذا الأنـــام دعـــوا أجابـــــــوا
كما له مجموعة أبيات يفخر فيها بنفسه وأبيه وقومه.. وهى عادة عربية لم تنقطع!
فـإن تسـأل الأقــــوام عنى فإننى أنا ابن أبى سلمى على رغم مـن رغم
أنا ابن الذى عاش تســعين حجة فلم يخــز يومـــا فى معـــد ولم يلم
وأكرمه الأكفاء فى كل معشر كرام فإن كذبتنى فاسأل الأمم
أنا ابن الذى لم يخزنى فى حياتــه ولم أخـزه حتى تغيَّب فى الرجم