عاجل
الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
معاداة الثورة .. وستر العورة

معاداة الثورة .. وستر العورة

بقلم : إيهاب الشيمي

قد تستغربون ما أقول، و لكن ... نعم أنا أرفض قانون تجريم معاداة الثورة، بل و دعوني أؤكد أن مشروع ذلك القانون لن يكون إلا انتهاكاً صارخاً لمبادئ الثورة التي خرجت فيها إلى الشارع ضمن الملايين من المصريين الذين خرجوا ضد الفساد و الفقر في يناير، و ضد الإقصاء و العمالة في يونيو.



 
فنحن لم نقم بثورتين لنجد أنفسنا في النهاية تحت وصاية قوانين تشبه تلك التي أعقبت الحرب العالمية الثانية في ألمانيا حيث يتم تجريم التعبير عن كراهية لليهود هناك فيما يشبه السكين الموضوعة على رقاب الجميع رغماً عنهم، و بغض النظر عن قناعاتهم أو مشاعرهم الوطنية.
 
و دعوني هنا أفصح عن اقتناعي الراسخ أن الثورة ضد نظام مبارك كانت حتمية، و أن ما حدث في يناير 2011 كان السيناريو الأخف ضرراً من نسخة أخرى كانت ممكنة و يخرج فيها الملايين من الجوعى و المعدمين و الفقراء ممن همشمهم ذلك النظام و قضى على كل أمل لهم في حياة كريمة، ليسلبوا و ينهبوا كل ما يستطيعون من أولئك الذين كانوا أكثر حظاً منهم في الحصول على مستلزمات الحياة الكريمة، و إن تقاسموا معهم تحمل تبعات الفساد و المحسوبية و عدم تكافؤ الفرص و احتكار الموارد و قمع الحريات، ثم ليطلقوا بعد ذلك العنان لكل شياطين الغضب و الحقد و المعاناة، التي ظلت حبيسة أجسادهم و عقولهم لعقود، ليحرقوا كل ما يفتقدونه و يمتلكه الآخرون من وسائل رفاهية لم يكن معظمهم قادراً حتى على تخيل وجودها في مصر.
 
أستطيع بكل سهولة الآن تمييز تلك الابتسامة الساخرة التي تصدر من بعض من يقرأون هذه السطور و هم يريدون أن يسألونني في تهكم: كيف أفترض عدم حدوث النسخة الأسوأ بالرغم من كل ما شهدته مصر من تخريب و تدمير خلال الأيام الأولى للثورة في يناير؟! و هنا تظهر بوضوح أسس الخلاف بين من يؤمنون بالثورة، و من يعتبرونها نكبة على الوطن.
 
أنا بالتأكيد لا أنكر حدوث الفوضى في اللحظات الأولى للاصطدام المدوي بين من خرجوا في الثورة من جهة، و أجهزة النظام الأمنية من جهة أخرى، و لكني لا أستطيع في الوقت ذاته أن أجد في أي صفحة من صفحات التاريخ الإنساني و في أي بقعة من بقاع العالم لحظة تشابه تلك لم تسد فيها الفوضى و لم يصطبغ فيها المشهد بألوان نكره أن نراها و قد غطت على كل ما عداها.
 
فإن لم تكن عزيزي صاحب السؤال أحد المستفيدين من منظومة الفساد، أو أحد من غيبوا عقولهم عمداً ليقتنع أنه لم يكن بالامكان أفضل مما كان، أو أحد من أعمتهم أنانيتهم عن رؤية معاناة إخوته في الوطن، فعليك أن تمنح نفسك الفرصة لتأمل المشهد برمته من جديد دون حكم مسبق.
 
عليك أن تفرق بين الملايين ممن خرجوا من أجل مطالب مشروعة و بين من خرجوا لتحقيق أجندات خاصة بهم، و لن أكون من أولئك الذين يلقون باللائمة في كل ما حدث على "المؤامرة الكونية" ضد مصر كما يحلو للبعض أن يصورها، فبالرغم من اقتناعي و رؤيتي الخاصة أن القوى الاستعمارية و الامبريالية بدأت منذ عقود في تدعيم تيارات التطرف و العنف في المنطقة لتتحين اللحظة المناسبة للانقضاض على دولها و تحقيق مخطط التقسيم و إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط بما يحقق مصالحها، إلا أنني و في الوقت ذاته أؤمن أن ذلك المخطط كان يقتضي وجود أنظمة قمعية فاسدة بحيث تنتظر تلك القوى الخارجية الثورة المشروعة لشعوبها لكي تبدأ في تنفيذ ذلك المخطط تحت ستار دعم الحريات و نشر الديمقراطية.
 
و الأجندات الخاصة التي أعنيها هنا لا تقتصر فقط على تلك ذات الحجم الكبير التي ينفذها من باعوا الوطن و أنفسهم بثمن بخس و تعاونوا مع تلك القوى الخارجية، بل إنها تتقلص و بشدة للحد الذي وصلت معه في حالات كثيرة لمجرد سلب كل ما يمكن حمله بواسطة اللصوص و جماعات الجريمة المنظمة، مروراً باغتنام الكثيرين الفرصة لتصفية حسابات شخصية مع منظومة السلطة التي غلب عليها القمع و غياب العدالة الحقيقية فوجدوا الفرصة سانحة لتصفية ثأرهم بالاعتداء على كل ما يمثل السلطة من منشآت شرطية و أقسام و مقار حزبية في مشهد يصر الكثيرين على حصر الثورة فيه، متناسين كل ما دون ذلك من أسباب حقيقية أدت لاندلاعها.
 
و لا يعنيني هنا الإسهاب في الدفاع عن الثورة ضد من يصفونها بالمؤامرة، و أن من قامت بها جماعة الإخوان المسلمين و حلفاؤها فقط، فلو كان الأمر كذلك فعلى هؤلاء تفسير مساندة الجيش لثورة يناير، و نص الدستور الجديد على كونها ثورة الشعب بالرغم من الإطاحة بنظام حكم الجماعة، و تفسير تنحي مبارك بناءاً على رغبة من يصفونهم بالمتآمرين !! و الأهم من ذلك كله، فعليهم تفسير لماذا لم يفلح من قاموا بالثورة الأولى كما يدعون في أن يشعلوا نيران ثورة جديدة، و حشد الملايين للنزول من جديد يوم الثامن و العشرين من نوفمبر الماضي فيما أطلقوا عليه "الثورة الاسلامية المسلحة" ؟!
 
ما يعنيني حقيقة هنا هو الإفصاح عن رفضي القاطع لتبني البعض لفكرة إجبار الجميع على احترام الثورة، بل و رفضي تجريم من ينتقدها أو ينتقص منها، ولا أقصر حديثي هنا على يناير فقط، بل و يونيو أيضاً.
 
فقناعتي أن الدفاع عن يناير يكون بتحقيق السلطة لأهدافها بحيث يشعر الجميع بالمساواة و العدالة و تكافؤ الفرص و احترام القانون و تقديم من يملكون الخبرات على من ينافقون الحاكم ..
 
قناعتي أن الدفاع عن يونيو يكون بتأكيد استقلالية الشخصية الوطنية المصرية، و منح حق استغلال موارد مصر لأبنائها فقط ، و احترام حرية العقيدة و التعبير، و التأكيد على مدنية الدولة و على أن جيشها الوطني هو دعامة لحفظ الاستقرار و ردع المتربصين، و ليس سيفاً مسلطاً على رقبة الحاكم، أو أداة في يده يرهب بها معارضيه.
 
خلاصة القول يا سادة، أن فرض احترام يناير و يونيو لن يكون بسن قانون يستر عورة فشلنا في إقناع الجميع بمشروعيتهما و كونهما الخيار الأصلح للوطن، بل سيكون عن طريق تغيير الواقع المصري بحيث يشعر الجميع أنه لولاهما لما استطعنا الكشف عن وجه مصر الحقيقي الذي طالما حجبته أستار الفساد و القمع و الجهل و الإقصاء و طمس الروح الوطنية، أما القوانين فليست في حاجة للزيادة، فهناك ما يكفي منها في مصر و لكن .. حبيسة الأدراج !

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز