عاجل
الأربعاء 12 نوفمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
البنك الاهلي
إعلام الهواة
بقلم
محمد نجم

إعلام الهواة

بقلم : محمد نجم

الرئيس عاتب على بعض الإعلاميـــين فـى القـنوات الخاصة، والرئيس عنده حق.. فحال الإعلام عامة لا يسر عدوًا ولا حبيبًا.. فهو مشغول بظواهر عارضة لا علاقة لها بالاهتمامات الرئيسية للمشاهدين أو القراء، ومن ثم فهو مغيب عن القضايا الأساسية للمواطنين، وإن تناول بعضها بشكل مفاجئ.. فليس لديه غير الانتقاد الحاد للمسئولين والحكومة والبلد بصفة عامة، أى أنه يثير البلبلة وينشر الإحباط بين الناس، ناهيك عن المعلومات الخاطئة والإفتاء فى كل شىء وكأنه لا علم يعلو على علم الإعلاميين.



والمشكلة أن بعض هؤلاء المدعين.. ليسوا إعلاميين.. لا بالدراسة المتخصصة، ولا بالخبرة أو الممارسة.. وإنما وضعوا أرجلهم فى أحذية غيرهم بسبب الشللية البغيضة المسيطرة حاليًا على الإعلام المرئى فى مصر.

نعم الرئيس عنده حق فى الغضب والعتاب.. فهو مواطن.. من حقه أن يبدى وجهة نظره فيما يراه أو يشاهده، ثم هو «بصفته» حكم بين سلطات الدولة المختلفة، وواجبه أن يشير إلى الأساليب الخاطئة فى ممارسة بعضها لمهامها، وينبه لمناطق الخلل لعلاجه وحتى لا تستفحل سلطة على أخرى، خاصة عندما يعتقد بعض الإعلاميين - خطأ - أنهم شركاء فى إدارة البلاد.. بل إنهم هم من يوجه بوصلة الأحداث ويصنع الرأى العام.. ويحدد اتجاه الريح!

فالرئيس لا يمنع الانتقاد والتوجيه للجهاز التنفيذى، وإنما طلب أن يتم الأخذ فى الاعتبار - عند التصدى لمشكلة ما - الظروف المحيطة بها والتوقيت والأسباب التى أدت لظهور المشكلة وهل هى حديثة أم جديدة.. أى لا بد من التعمق والدراسة عند المعالجة الإعلامية لأى مشكلة طارئة أو مزمنة.. وضرب مثلا على ذلك بواقعة غرق الإسكندرية فى مياه الأمطار.. حيث تم بناء أكثر من 60 ألف وحدة سكنية فى أقل من خمس سنوات مثلت عبئًا إضافيًا على مرافق المدينة.. وكانت أحد أسباب المشكلة.. وهكذا.

والرئيس ليس وحده الذى لاحظ «الاستسهال» فى المعالجة الإعلامية، فضلًا عن التعالى فى مخاطبة المتصلين بالبرامج الحوارية سواء كانوا مواطنين أو مسئولين، فقد سبقه الكثيرون فى ذلك، فقد تصادف أننى كنت أشاهد أحد تلك البرامج يناقش مشكلة النظافة فى محافظة الجيزة ودخل محافظ الجيزة السابق د. على عبد الرحمن على الخط ليوضح بعض الحقائق للأخ الإعلامى مقدم البرنامج الذى كان يكيل الاتهامات بالتقصير لكل من يأتى على باله من مسئولى المحافظة، ولكن حديث المحافظ لم يعجب الأخ الإعلامى وسارع بالهجوم المباشر على المحافظ الذى كان عميدًا سابقًا لهندسة القاهرة ورئيس جامعتها الأسبق أى أنه «أستاذ» لأجيال عديدة ممن يمارسون العمل العام أو التنفيذى حاليًا وفى كافة المجالات.

ولم يجار المحافظ المذيع فى الهجوم، وإنما عقب بتعبير بليغ تحول إلى «مثل» فى الحالات المشابهة.. حيث قال له: (لقد ظلمنا من وضع الميكروفون على صدرك)، ثم زاده من الشرح بينا.. وهات يا رغى وشتيمة وهجوم على عباد الله بدون علم ولا معلومات.. وأغلق الخط!

هنا.. اشتاط المذيع غيظا وأخذ يصرخ مطالبا بعزل المحافظ الذى حاول تصحيح خطأه.. واستمر على ذلك لمدة عشرة دقائق أو تزيد.. حتى اضطررت أنا لتحويل القناة لأخرى!

 

تلك كانت «حالة» كاشفة عن حال الإعلام، خاصة المرئى منه.. حيث لا علم يعلو على علم الأخ المذيع.. ويجب علينا مسئولين أو مشاهدين أن نقول: آمين.. أى موافقة على ما يعطينا من محاضرات أو يفتينا فى أمور الدنيا والدين!

وهذه نتيجة طبيعية لغياب التخصص القائم على الدراسة والتأهيل.. فأغلب من يتصدوا لمخاطبة الجماهير.. مجرد هواة.. لا دراسة ولا تأهيل.. منهم المحامى الذى لم يسمع به أحد من قبل، وسيناريست ركب موجة الثورة، وراقصة متصابية «بتتدلع» وغيرهم كثيرون، وبعضهم رضى على نفسه أن يكون «سنيدا» لمذيع آخر.. وعليه أن يتمم على صراخه أو يفتح له السكة فى موضوع جديد، أو يرد على تليفون أحد المتصلين ويترك الإجابة للمذيع الغول الذى لا يسمح بشريك آخر!

وبعضهم الآخر اعتبرها «سبوبة» يطلع منها بقرشين كل شهر، خاصة إذا كان يتولى منصبًا آخر قد تحتاج القناة لخدماته!

والبعض الثالث.. اعتبرها «مكافأة نهاية الخدمة» ولا مانع من استضافة أصدقائه وأحبابه ومن يمكنه أن يحصل منهم على خدمات أو تسهيلات معينة فى السفر أو الإقامة.. أو غير ذلك!

للأسف الشديد بعض الذين يطلون علينا مساء على شاشات التليفزيون.. لا علاقة لهم بالإعلام المحترف، وإنما هم مجرد «صناعة».. ومنهم من يقدم «إعلام تايوانى» وحصل على فرصته لأسباب ورد ذكرها عاليه!

طبعا لا يمكن التعميم على كافة القنوات الخاصة.. فهناك صحفيون تحولوا إلى إعلاميين ويقدمون إعلامًا محترمًا واعتبروا أنفسهم فى مهمة قومية امتدادا لعملهم السابق فى الإعلام الورقى.. ومنهم على سبيل المثال الزملاء خيرى رمضان وسيد على وحمدى رزق وغيرهم.

كما أن هناك إعلاميين محترمين تخرجوا من مدرسة التليفزيون المصرى خاصة قناة الأخبار عندما كانت فى عز مجدها.. ومنهم شريف عامر ومحمد عبد الرحمن وإيمان الحصرى ورشا نبيل ورولا خرساء.. وغيرهم.

 

فهل يعقل أن ينشغل الإعلام بموضوعات الجن والعفاريت ونحن فى القرن الثانى والعشرين، وهل يمكن أن ينشغل المجتمع بحكاية «فتاة المول» لمدة أسبوع أو أكثر؟!

أين قضايا الساعة.. أين التحقيقات التليفزيونية المصورة والتى تعرض كافة الآراء وترصد المشاكل وتناقشها مع المختصين، ثم تقدم اقتراحات الحل!

وهناك حالة غريبة من «الاستسهال» فى ممارسة المهنة، حيث تتم استضافة شخص أو شخصين للحديث فى موضوع معين ولا مانع من استقبال بعض المكالمات ولا أكثر من ذلك!.. فنحن الآن نترحم على المذيعات المغامرات فى التليفزيون المصرى وبرامجهم القيمة ولن أذكر أسماء حتى لا أنسى أحدًا.. فقد كانوا جيلا من المحترفين المتخصصين الذين أعطوا عملهم كل جهدهم وعقلهم.. فأجادوا ونالوا احترام المشاهدين وحبهم.

ولقد هدد الرئيس بأن يشكو هؤلاء المدعين من الإعلاميين الجدد إلى الشعب، وأنا أقول للرئيس إن الشعب وبنسبة تزيد على 80% منه لم يعد يتابع هذه القنوات، خاصة الشباب منهم، وتحول إلى ما يسمى بـ «إعلام المواطن» من خلال وسائل الاتصال الحديثة مثل الفيس بوك والتويتر والانستجرام وغيرها.

فنحن معك فى الشكوى والعتاب وطلب التصحيح، وإن لم يقم هؤلاء بتصحيح أنفسهم فلا بد أن تقوم المجالس والأجهزة المعنية بالإعلام بمهام وظائفها.. فلا يجوز الاستمرار فى الفرجة على ما يرتكب من أخطاء فى حق المجتمع.

فيا أيها المعنيون - كل فى مجاله - إما أن تنقضوا أو تنفضوا.. ولن أطيل ففى الفم ماء كثير.

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز