عاجل
الأحد 7 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
اعلان we
البنك الاهلي
إصلاح الأخلاق ... أمن قومي

إصلاح الأخلاق ... أمن قومي

بقلم : لواء أركان حرب/ جمال عمر

لا شك أن السنوات الخمس الماضية قد انحدرت فيها مستويات الأخلاق بعنف وضراوة وفقدت فيها الدولة السيطرة على توجيه الثقافة والفكر المجتمعي وقدرات إدارته كما اعتادت زمنا طويلا في إطار الأخلاقيات المصرية الشرقية الأصيلة التي تعارف عليها هذا الشعب وتراكمت علاماتها وحدودها عبر آلاف السنين ، ولا شك أن الفوضى التي صاحبت مؤامرات الربيع العربي كانت لها أثارا خطيرة ومدمرة على أخلاقيات الشعب المصري خاصة على أخلاقيات أجيال الشباب تدرجا من الأكبر للأصغر ، فمن كان صبيا ببداية الثورة أصبح اليوم مراهقا تربى في بيئة ووسطا مجتمعيا مهتزا ومختلا وفاقدا للحدود والحياء فضلا عن سقوط أهم أخلاقيات وسمات البشر الفطرية ،



 

ولا شك .. أن انهيار الأخلاق كان مستهدفا وبقوة من الماسونية العالمية خاصة في مصر التي يعتبرها العالم في الغرب والشرق هي قلب الشرق الأوسط والعرب بل وأحيانا قلب الحضارة والتاريخ ، وتلك هي الحقيقة فمصر تمثل لهم أرض الفراعنة وهم من علموا العالم معنى الحضارة والرقي والمدنية ، ولا زلت أذكر أن أحد أساتذة علم الإدارة في جامعة بنسلفانيا كان حريصا كل سمحت الظروف أن يناقشني في الحضارة المصرية ، والغريب أن الرجل كان مبهورا بحضارة الفراعنة وأكثر انبهارا بصانعها وهو الشعب المصري ، وكان دوما يشبه المصريين بالمحيط الهادي لقدرته على ابتلاع وإذابة أية براكين أو زلازل أو سيول لحضارات أخرى ، وصبغها بطباعه وتحويلها لجزء من تاريخه وحضارته ، وتحديدا كان الرجل مبهورا بأشياء محددة أولها أن الفراعنة هم من حلوا شفرة الحضارة الإنسانية وأطلقوا عنانها ولهم الفضل في وضع حجر الأساس للحضارة الإنسانية وكان دوما يقول لي يكفي أجدادك الفراعنة فخرا وأفضالا على الدنيا .. (أنهم اخترعوا الصفر) الذي بني عليه كل أشكال التطور العلمي حتى اليوم .

 

كما كان الرجل مبهورا بشدة بعلامتين فارقتين تميزان العرب والمصريين على وجه الخصوص الأولى أن كل مصري تعامل معه كما يقول .. يعرف جيدا (أباه وعمه وجده ..) ولديه تاريخا معهم يقصه لذريته ، بل ولكل مصري شجرة عائلة يحفظها ويعلمها لأبنائه ، وهو ما كان حينها يكاد يتلاشى من المجتمع الأمريكي والغربي  وكان يرى أن هذه السمة هي من أكبر علامات الاستقرار النفسي والمجتمعي والضمان الوحيد لبعده عن كثير من الأمراض الاجتماعية والنفسية والجسدية ، والعلامة الثانية التي كانت تبهره .. هي خلو مصر حينها من مرض الإيدز (فقدان المناعة المكتسبة) في توقيت كان تعداد المصابين بالإيدز في أمريكا يقترب من العشرين مليونا ، وهذه العلامة تحديدا وعلى حد قوله كانت دلالة واضحة على نظافة وطهارة المصريين وأكبر دليل على رقي الأخلاق الأصيل في المجتمع المصري واحترام الحدود الأخلاقية بين البشر (على حد تعبيره) ، وكثيرا ما كان يكرر قولته بأن هاتان العلامتان كانتا من أخطر المعالم النفسية والأخلاقية التي تصنع ترابط المجتمع وقوته وكان حريصا أن يذكرني أن شياطين الغرب يسعون جاهدين لتدمير هذه العلامات الفارقة في أخلاق المصريين ، وبالفعل سعى الغرب والماسونية لتحطيمها في بلادنا عبر العقود الماضية ، وقد ظهر بوضوح حرص الغرب على تدمير هذه الأخلاقيات والحدود في شهر رمضان للعام قبل السابق وخلال اعتصام رابعة عندما خرجت في توقيت واحد الصحف القومية الرئيسية في أوروبا وأمريكا وعلى رأسها الجارديان البريطانية الماسونية ليتصدر صفحاتها الأولى مانشيتات عريضة تقول (الدعارة في شوارع المسلمين في نهار رمضان تحت مسمى الجهاد) ، وتتابع بعدها ظهور حرص الماسونية على استكمال السيطرة على الإعلام وغالبية منتجي الثقافة من سينما ومسرح وتليفزيون خاصة بعد انفجار الفضائيات في مصر وتوجيهه ليكون وسيلة لنشر الإباحية والأخلاقيات المتدنية والفواحش والبذاءات والمخدرات والجنس بكل صوره تحت مسميات كاذبة وخادعة سواء كفن يدخل البيوت أو برامج تركز بعنف وتحد وتعمد على ترسيخ أفكار تفشي الفواحش والجرائم بحجة مقاومتها ، حتى أصبحت الفضائيات دون استثناء تتسابق فقط من أجل نشر الفضائح والفواحش والجرائم والسلبيات مما أوصل المشاهد لكراهية متابعتها فضلا عن تركيزها فقط على سلبيات الحكومة والدولة من أجل التمهيد لثورة ثالثة لصالح الماسونية وكلابها وأذنابها النجسة وعملائها الخونة .

 

ولا شك أن الماسونية قد نجحت في اختراق المجتمع المصري بعنف وضراوة خلال الألفية الثالثة وخاصة في السنوات الخمس الماضية فدمرت أخلاقيات البيوت والشباب حتى أصبح كثيرا من النساء والبنات تعتبر سيرها شبه عارية في الطريق العام حرية شخصية بل وبلغ بنا التدني والحقارة لتفاخر بعض الشباب وجرذان الفنانين والأدباء بشذوذهم الفكري والجنسي دون حياء وإصرار بعض الإعلاميين على تمجيد بعضهم وإظهارهم على أنهم أبطالا صنعوا أمجادا فنية وأدبية ، وبالتالي فتفشي الدعارة والدعوة لها والتحريض الصريح عليها بواسطة الإعلانات المرئية والمسموعة للمنتجات والسلع أصبحت من أبجديات الحياة للأطفال والشباب والبيوت ، فلم يعد هناك حياء من استخدام الجنس وإثارة الشهوات والغرائز من أجل أية مكاسب ، حتى أصبحت مشاهد العناق والأحضان والقبلات مشاهد عادية ولا عيب فيها ، وأغاني مثل (البلبل كان صاحي مين نيمه) من الأغاني الشعبية ، وبالطبع استتبع هذا عزوف الشباب عن الزواج وارتفاع نسب الطلاق وتحت مسميات الحب والعشق استبيحت جرائم الزنا والمخدرات وظهرت جرائم القتل والبلطجة والتحرش والخطف والاغتصاب والسرقة وقطع طريق وإفساد الممتلكات العامة وغيرها الكثير ، وأخيرا تزايد الكشف عن حالات مصابة بالإيدز تقدر بأكثر من مليون شخص حسب التقديرات الغير رسمية من متابعة مراكز العلاج الخاصة والغير مرخصة وانتشار ظاهرة الشذوذ بين الشباب من الجنسين وظهور الإلحاد بتبجح وبصورة جماعية لأول مرة في مصر ، وبالتالي تدنت مستويات الأخلاق للمصريين وظهر ذلك بحدة في تعاملاتهم العامة والخاصة ، حتى أصبحت السمات العامة لتعامل البشر هي التنطع والبذاءة وتعمد الاعتداء على حقوق الغير وتفشي أخلاق التوك توك بكل ما تحمله من قبح ووقاحة تخفي من خلفها فئات تفشى بينها كل ألوان الجرائم المجتمعية فضلا عن البذاءات اللفظية التي أصبحت من مفردات الأخلاق في شوارعنا وبيوتنا دون أدنى اعتراض أو مقاومة منا .

 

ولا شك أننا لابد وأن نوقف هذا المد الفاضح لتدني الأخلاق سريعا ونتصدى له بكل قوة قبل فوات الأوان ، ولن يستطيع الشعب وحده وبدوافع ذاتية أن يصلح نفسه دون تدخل واع وذكي وقادر من الدولة والقائمين عليها ، خاصة بعد سقوط كل الرموز الماسونية من تجار الدين وبوار بضاعتهم مما أدى لفقدان العامة للثقة في كل من يتحدث بالدين ، فالدولة مسئولة ومعنية بالتخطيط والتوجيه والمتابعة لتصحيح أخلاقيات شعبها وفكره وثقافته ، وهو أمر قد يستغرق سنوات بل عقود قادمة ، ولكن إصلاح الأخلاق وتقويمها هو أهم ركائز النهوض بهذا الوطن ، وهو الضمان الوحيد للقدرة على استمرار التطور والتقدم والحفاظ على مكتسبات التطور المادي ، ولعل أبسط ما تستطيعه الدولة هو فرض برامج ووسائل التوجيه الذكية على مؤسسات التعليم والثقافة والإعلام مع التركيز على وسائل الإعلام العامة والخاصة المرئية والمسموعة في إطار منظومة إصلاح وإستراتيجية قوية وجادة ، ولابد من وضع الحلول الغير نمطية لمشكلاتنا المستعصية ، فليس من الذكاء الوقوف صمتا أما مشكلة البطالة والعنوسة المتلازمتان فلن يتزوج شاب عاطل ولو تزوج صدفة فلن يستطيع الاستمرار ولا الاستقرار ، وبالتالي كيف نقبل أن يكون لدينا مثلا (16) مليون شاب عاطل ويقابلهم مثلا أكثر من (14) مليون بنت عانس يصلون إلى (18) مليون لو أضفنا المطلقات والأرامل ، وفي نفس الوقت لدينا (7) مليون أنثى عاملة لا يستفيد منهم سوق العمل إلا بأقل من 20% من قدراتهم ، ولماذا لا نوقف سيل تعيين وتشغيل الإناث وتشجيع تشغيل الشباب بديلا عنهن ، فنوجد حلا سريعا لأكثر من 50% من مشاكل العنوسة والبطالة والزنا والاغتصاب ، فضلا عن تلاشي مشكلة سوء التربية للأطفال في الحضانات والحضانات وبأيدي المربيات والخادمات والأقارب والتي نتج عنها جيلا منحرف الفكر والأخلاق ومن السهل تورطه في الجرائم والتطرف والعمالة والإرهاب ومعاداة الوطن والأهل لفقدانه قرب وحنان الأم في بداية عمره .

 

إنها مجرد رأي مجرد نطرحه يمكن دراسته والتخطيط له وتنفيذه بدلا من البكاء على اللبن المسكوب والعويل والصراخ والشكوى من فساد الأخلاق والجرائم الاجتماعية التي لا تمل منها وسائل الإعلام وكأنهم من كوكب آخر فلا يتوقفون عن استخدام الجنس والبذاءة كمواد إعلامية مربحة دون أن تتحرك ضمائرهم أو تتدخل الدولة للتوجيه والعلاج أو التصدي لها قبل فوات الأوان ، ويبقى دور الأسرة والوالدين لمحاولة حماية أبناءها من سيل الإباحية والتدني الأخلاقي ، والذي يبدأ بالتهاون في ملابس ومظاهر وسلوكيات الأبناء والبنات والزوجة والأخوات فتلك أول درجات التسيب ، وكل ما يتهاون فيه الوالدين يدفعون ثمنه مع المجتمع غاليا ، فرفقا بأنفسنا وليقف كل منا وقفة مع نفسه وأسرته يراجع فيها نتاج تربيته وعاداته وسلوكياته ومستقبل أساليب حياته وتربيته لأبنائه ، ولنعلم جميعا أننا أجيال ترحل وتترك خلفها أجيال هي نتاج تربيتها والجميع محاسبون أمام الله على أفعالهم ومن قبلها أمام أبناءهم والتاريخ .

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز