الطوابع المصرية .. في برلمان النقاهة
بقلم : لواء أركان حرب/ جمال عمر
الطابع هو اسم فاعل لطبع ، والمعنى متعدد وهو ما يطبع به أو يختم به وهو أيضا بمعنى الخلق الغالب وجمعه طوابع فأخلاق الشعوب الغالبة والمميزة تسمى بطوابع الشعوب وقد تحولت لطبائع الشعوب حتى تكون مناسبة لما اعتادت عليه الآذان وقد تذكرت هذا المعنى فجأة لسببين مترادفين ، الأول ما رأيته في الجلسة الإجرائية لمجلس الشعب من هرتلات وانحدار غير مسبوق لطبائع نخبة البرلمانيين من شعبنا العظيم بعد ثورتين ، والثانية كانت ذكرى تشبه ما رأيته تماما في البرلمان حيث قام أحد أعضاء لجنة مناقشة رسالتي للماجستير منذ أعوام كثيرة مضت بنسيان موضوع الرسالة ونقاط المناقشة الأساسية وأصر على إعادة كتابة الرسالة من جديد لرفع كلمة طوابع الشعوب واستبدالها بكلمة طبائع الشعوب ، وأحال لجنة المناقشة لهرج وجدال يشبه جلسة البرلمان اليوم ولم يهدأ بالا ويتصبب عرقا وخجلا ويصمت بلا حراك إلا عندما رآها بعينيه في القاموس المحيط والذي نصحني بعض الخبثاء قبل المناقشة بضرورة اصطحابي له ، وانهالت اللجنة عليه بالتقريع واللوم مؤكدين أسفهم لجهل سيادته بمفردات اللغة العربية ، لينقلبوا بعدها حفظا لماء الوجه منتقدين لكل حرف وكلمة وفكرة في رسالتي قبل منحي الدرجة حتى لا أظن أنني أكثر علما من أي منهم .
ولقد أثارت حالة الهرج والاختلاف اليوم في الجلسة الإجرائية ذكريات (الطوابع البشرية) وما أعجبها وما أجملها طوابع الشعب المصري وخاصة نخبته المنتخبة في البرلمان ، فبرغم أننا نصل لبرلمان حقيقي منتخب للمرة الأولى بعد خمس سنوات عجاف طوال وبرغم كم التجريف الشامل نفسيا ومجتمعيا وفكريا وثقافيا ودينيا واقتصاديا وسياسيا والذي عانى منه الشعب طوال سنوات الثورة وقبلها لأكثر من 30 سنة لحكم مبارك ، إلا أن ما رأيته اليوم كان رغم كل شيء أجمل وأكثر احتراما ملايين المرات مما كانت تتوقعه أكثر الناس تفاؤلا ، بل وأفضل كثيرا مما تخيلته يوما لأول جلسة للبرلمان الذي جاء بولادة متعثرة كادت أن تودي بحياة الأم والأب والطبيب من أجل حياة لصوص الماسونية المتربصين ، وربما يكون قولي هذا غريبا على البعض أو الكثيرين ، ولكنني أميل للنتائج المنطقية ، فلو حدث (مثلا) أنك كأب انفعلت وحاسبت ابنك المريض بمرض مزمن على عدم قدرته على النجاح بامتياز وانتقدته قبل دخوله لجنة الامتحان لأول مرة منذ سنوات ، وهددته وتوعدته وعددت عليه حركاته وسكناته وهرتلاته ، فلابد وأن تكون مختلا وفاقدا للعقل والمنطق أو مريضا نفسيا تحتاج للعلاج ، وهذا ما نفعله كشعب وإعلاميين مع البرلمان بمنتهى الحمق والتغابي .
نعم نحن شعب خرج من ثورتين مصابا بمختلف أنواع الأمراض النفسية والمجتمعية وعلى رأسها التخوين والتشكيك والظن السيئ والعداء للسلطة أيا كانت وانتهاز الفرصة للنيل من رموز أية سلطة ، فضلا عن عشق الشهرة ونشر الفضائح والأخبار المضروبة والأهم والأخطر مرض السير في المعاكس في جميع سلوكياتنا ، فالبعض لابد وأن يتميز ويضيف بصمته حتى في القسم ليستمتع بالظهور مخالفا للجميع ، مع أن أبسط قواعد الحنكة السياسية أن لا تثير حولك الجدال لو كنت تريد أن تكون مؤثرا في مستقبل المجلس والوطن ، وألا تثير ضدك العدائيات أن تخرج بما تريد تغييره في موعده ومستعدا بقوة لتمرير تعديله كيفما تشاء ، ولكن السياسة حرفة وليست تشدقا ولا انفعالا وتطاولا كما يظن الكثيرون ، وليست من الحكمة أن يرشح أحدهم نفسه للرئاسة وهو يعرف أنه لن يحصل على أكثر من 5% مهما فعل لعدم تأهيله العلمي والنفسي والشخصي إلا إذا كانت أمراض الثورة قد علقت بنا جميعا ، وليس من المقبول أن ينام البعض والبعض يقرأ الصحف أو يصور نفسه سيلفي ، وهم يعلمون أنهم مراقبون وأنها جلسة تاريخية حتى ولو طالت وأصابهم الملل ، ولكن في النهاية ورغم كل الأنوف هؤلاء هم نخبتنا المختارة وصورتنا المصغرة في مرآة البرلمان ، فلا تتهكموا كثيرا ولا تلعنوا وتسبوا وتسيئوا الظن بالقادم في المستقبل فهو خير لو أحسنتم الظن بالله وخلقه وأنفسكم في نهاية المطاف ، فكل منا يحاسب غيره بقسوة على عيوب نفسه فالمرتشي يظن أن كل الناس غيره مرتشين والطيب يظن أن الكل طيبين مثله ، فلا داع لجلد الذات في طوابع البشر في برلمان النقاهة .
وبرلمان النقاهة هي أنسب تسمية لهذا البرلمان لكونه جاء نتيجة لعام النقاهة 2015م وهو عام جاهدت فيه مصر للخروج من عنق الزجاجة بكل معانيها وفي كل مجالاتها الاقتصادية والسياسية والأمنية والفكرية والدينية والصحية ، ونجحت فيه مصر بامتياز في الخروج السياسي خارجيا ومقبولة داخليا وجيدة اقتصاديا وبامتياز أمنيا ومقبولة فكريا رغم استمرار وربما تفاقم الكثير من العوالق الدينية والثقافية والانحطاط الفكري للغة الشارع والتي أفشاها السوبكي وأمثاله وجعلها فلكلورا ومشاعا بين جميع الطبقات ، بل ويكفي خروج المصريين من عام النقاهة بإجماع على حقيقة فوزهم برئيس خلوق ومخلص وأمين وقوي ويستحق الثقة التي منحوه إياها ، وتلك ميزة كبيرة يفتقدها معظم شعوب الأرض حتى قال مرشح الرئاسة الأمريكي أن أمريكا تحتاج لرجل في شجاعة وحب وإخلاص الرئيس المصري لشعبه ، وبالفعل خرجت مصر من عام النقاهة إلى عام الاستدراك وهو عام بداية الإحساس والتنمية لما تم إنجازه على مختلف الأصعدة ولكن يبدو أن مصر سوف تتعرض لمؤامرات كبيرة وخطيرة حيث تنبئ تحركات ونوايا الغرب وأمريكا وأذنابهم في المنطقة بل وفي الداخل أنهم لم يستسلموا لنجاة مصر من التقسيم ولن يقبلوا بنهوض مصر وريادتها لشعوب المنطقة ، وهو ما نراه يتم الإعداد له منذ شهور حالمين بقيام ثورة جديدة تجر مصر للفوضى مرة أخرى في ذكرى الثورة في 25 يناير الجاري ، ولذلك تزايدت التفجيرات والحوادث الإرهابية العشوائية ، متزامنة مع أكاذيب الإعلام الغربي عن الثورة القادمة والطوفان المنتظر لاكتساح حكم السيسي والعسكريين في مصر من أجل حرية المصريين والديمقراطية وكأنهم يتحدثون عن مصر أخرى ، وهم يتوهمون نجاح المخطط الإعلامي مدعوما بالخونة والأذناب خاصة وأنه نجح من قبل في العراق وسوريا وليبيا واليمن والصومال ولاسيما ولديهم خونة وعملاء يتحينون الفرصة لإسقاط النظام والأكل على جثث الشعب ولو فتات الغرب ودولاراته ويخدمهم مجموعة من فشلة الإعلام والمفضوحين بمواقفهم وانتماءاتهم وأكاذيبهم المتصاعدة خاصة من يظنون أن الإعلام هو معاداة الدولة وانتقادها بسبب وبدون سبب باحثا عن شهرة أو محافظا على ملايين دولارات صاحب القناة ولو بالفروض المكذوبة وتضخيمها كحرفة .
ورغم كل السلبيات والمؤامرات والمهاترات والصراعات .. ورغم كل الحمق والأنانية والتغابي السياسي والإعلامي بل والشعبي ... فما تزال طوابع (طبائع) الشعب المصري بكل الخير ، رغم كل ما نقوله ونراه ونرصده ولولا الخير في هذه الطبائع ما عاتبنا وما لمنا وانتقدنا وما اختلفنا وما انفعلنا على ما نراه من سلبيات ، فلا شك أن هناك انحدار عالمي لمستويات الأخلاق مع الاحتفاظ بالفوارق بين الشعوب في مستويات أخلاقياتها تبعا لطوابع الشعوب ، فما زال بيننا مثلا .. من يستحي من النظر للنساء والبنات اللائي يعرضن أجسادهن تفصيلا في الطرقات ، وما زال لدينا الشاب الذي يحترم الكبير ويحنو على الصغير ، وما زال بيننا معان للعيب والحرام والمفروض والعرف والقانون ، وما زال لدينا شيوخا وقساوسة يعلمون ويتعلمون ويعلمون ويسعون للخير والإصلاح لوجه الله تعالى ، وأخيرا ما زال لدينا رجال سياسة محترمون يحاولون ويجاهدون من أجل وطنهم حالمين بما هو أفضل له ولمستقبل الأجيال القادمة ، ولذلك نقول للجميع ابشروا وبشروا ولا تنفروا ويسروا ولا تعسروا ، وأحسنوا لأنفسكم وأهليكم ووطنكم .. واتقوا الله لعلكم تفلحون .
















