

عبدالجواد أبوكب
تامر عشماوي وشهداء الوطن
بقلم : عبدالجواد أبوكب
بحكم عملي المهني أتابع دائمًا تفاصيل العمليات في سيناء سواء التي تقوم بها القوات المسلحة والشرطة لإجهاض خطط المخربين والعمليات الإرهابية التي يستهدفون فيها أبطالنا في خط الدفاع عن استقرار الوطن لمعرفة آخر التفاصيل، وأيضًا للإطمئنان على ابن شقيقتي الضابط في إحدى وحدات العمليات الخاصة بالقوات المسلحة، وفي العملية الإرهابية الأخيرة صعقت تمامًا عندما شاهد في الصورة واسم الضابط، .. صحيح أنه لم يكن لابن شقيقتي، لكنها كانت لصديق وأخ أعتز بصداقته ومعرفته وهوالمقدم "تامر عشماوي".
حتى أيام قليلة كان المقدم تامر عشماوي اسم غير معروف للعامة، لكن الذين يعرفون تامر عشماوي عن قرب توقفوا طويلًا أمام شخصيته الإنسانية بامتياز، فـ "تامر عشماوي" الذي تعرفت إليه عن طريق ابن خالته زميلي العزيز ورفيق
الدرب الكاتب الصحفي الكبير، "وليد طوغان"، لم يكن أبدًا من السهل أن تنسى لقاءاتك معه وخاصة إذ كان القدر يجمعك به في مناسبات غير معتادة.
"ففي أثناء خدمته في القاهرة كنت ألتقيه على فترات وعندما كنت بالصدفة في زيارة لأسيوط وجدت ضابطًا يشبهه فإقتربت لأخبره بأنني أعرف شبيهًا له في الشرطة فإذا به تامر الطيب صاحب الصفحة البيضاء والتاريخ الإنساني الرائع
الذي لم يشعر خلاله أي من المتعاملين معه بالتعالي أو السلطة فهو الذي كان يخفي شخصيته في غير أوقات العمل ليتعامل كمواطن عادي".
ومن تامر عشماوي إلى زميله محمد نادر لا تختلف الحكاية كثيرًا فإذا كان تامر قد ترك أبنائه خلفه مثل عشرات الشهداء الذين رأينا ابنائهم على شاشات التليفزيون وصفحات الجرائد فأن زميله محمد نادر كانت قصته أكثر ماسأوية، فالضابط الشاب كان يستعد لنزول في أجازة زفاف وكان محددًا لها يوم الخميس قبل اغتياله بساعات قليلة لكن يد الغدر لم تمهله لتبقى عروسه وحيدةً في انتظار من لن يجئ أبدًا.
ولعل أكثر الحكايات إيلامًا هي حكايات أبنائنا الشهداء من جنود الأمن المركزي الذين يقضون فترة تجنيدهم، وتستغل الجماعات الإرهابية قلة حيلتهم وضعف تعليمهم في استهدافهم بخطة دنيئة تعتمد على إيلام أسرهم وجعلهم وسيلة ضغط على الدولة التي لم تنجح في حماية فلذات أكبادهم وتركتهم يواجهون الموت، لكن الأهالي دائمًا ما يثبتون أنهم على قدر أمل الوطن فيهم مثل أبنائهم الأبطال ويعرضوا بعضهم الدفع لباقي أولادهم إلى جبهة المواجهة عوضًا عمن رحلوا فداءًا لمصر واستقرارها.
ولا تختلف عشرات قصص البطولة لشهداء الوطن عما فعله النقيب مصطفى رفعت قبل أكثر من نصف قرن عندما قال لقوات الاحتلال الانجليزي عندما طالبوه بالتسليم: "لن تتسلموا منا إلا جثثاً هامدة" .. وكانت الملحمة العظيمة فجر الجمعة
25 يناير 1952، عندما استدعى قائد قوات الاحتلال البريطانى فى منطقة القناة "أكسهام" ضابط الإتصال المصري، المقدم شريف العبد، وسلمه إنذارًا بضرورة أن تسلم قوات البوليس المصري في الإسماعيلية أسلحتها، وترحل إلى القاهرة، بدعوى أن موقعها صار مركزًا لإخفاء الفدائيين في منطقة القناة.
ولم يكن للضابط المصري رد سوى رفض الإنذار البريطاني، وأبلغ وزير الداخلية حينها "فؤاد سراج الدين باشا"، الذي أقرّ الرفض، وطالب القوات بالصمود والمقاومة وعدم الاستسلام، وببسالة جيش بأكمله قاتل أبطال الشرطة حتى فقد القائد البريطاني أعصابه، وتحرك بكل قواته وحاصر قسم بوليس الإسماعيلية، وأرسل إنذارًا إلى مأمور قسم الشرطة يطالبه بتسليم أسلحة جنوده ، وكان الرد بالرفض، وفوجئ القائد البريطانى بالرد التاريخي: "لن تتسلموا منا إلا جثثاً هامدة"، ودارت معركة عنيفة، وسقط 80 شهيداً من البوليس المصري مضحين بحياتهم ثمناً للدفاع عن الوطن وكرامته، واشتعلت شرارة الثورة في كل ربوع الوطن، لتنتهي بتحرير مصر من الاستعمار في يوليو 1952.
وتدور الأيام ليقاتل اخوانهم عدوًا جديدًا على أرض سيناء أكثر شراسة من الانجليز، وأغبي من أفعالهم مدعومًا بتمويل وعتاد من الخارج، وكالعادة يسقط العشرات ومن بينهم تامر العشماوي ورفاقه فداءًا لمصر، ويأبى حراس الوطن من الشرطة المصرية مع اخوانهم في القوات المسلحة أن يتركوا شبرًا واحدًا لأعداء الإنسانية وسارقي الأوطان ليؤكدوا من جديد أنهم على العهد والوعد مهما كان الثمن.
بحكم عملي المهني أتابع دائمًا تفاصيل العمليات في سيناء سواء التي تقوم بها القوات المسلحة والشرطة لإجهاض خطط المخربين والعمليات الإرهابية التي يستهدفون فيها أبطالنا في خط الدفاع عن استقرار الوطن لمعرفة آخر التفاصيل، وأيضًا للإطمئنان على ابن شقيقتي الضابط في إحدى وحدات العمليات الخاصة بالقوات المسلحة، وفي العملية الإرهابية الأخيرة صعقت تمامًا عندما شاهد في الصورة واسم الضابط، .. صحيح أنه لم يكن لابن شقيقتي، لكنها كانت لصديق وأخ أعتز بصداقته ومعرفته وهوالمقدم "تامر عشماوي".