عاجل
الأحد 7 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
اعلان we
البنك الاهلي
مصر .. والعبور الجديد

مصر .. والعبور الجديد

بقلم : لواء أركان حرب/ جمال عمر

 



ما أشبه اليوم بالبارحة .. وما أشبه الأحداث ببعضها ، فالتاريخ يعيد نفسه مع اختلاف الشخوص والظروف والتحديات ، ففي السبعينات من القرن الماضي عبرت مصر ظلمات الهزيمة المعنوية والمادية مع نجاح عبورها لقناة السويس وتحقيقها انتصارا تاريخيا على إسرائيل ومن وراءها من الكيانات الماسونية العالمية والإقليمية بل والمحلية ، وقد جاء الانتصار مفاجئا حتى لعموم الشعب المصري الذي صدق وساهم بكل براءة في نجاح مخطط الخداع الاستراتيجي بامتياز بلغ حدود خداع حتى تقارير المخابرات الدولية المعادية والصديقة ، فأصبح انتصار أكتوبر 1973م أو ما نلقبه بـ (العبور العظيم ) درسا استراتيجيا شاملا (عسكريا وسياسيا وإعلاميا واقتصاديا واجتماعيا) ، وما زال وسيظل لزمن  طويل قادم محل اهتمام ودراسة المراكز والأكاديميات الإستراتيجية  والعسكرية .

ومنذ سنوات خمسة ماضية ومصر تعاني من مخاض (العبور الثاني ) ولكنه هو العبور الأكبر والأخطر في تاريخها الحديث ، ومثلما كان العبور الأول مفاجئا وصادما لقوى الصهيونية العالمية جاءت مفاجآت انطلاق العبور الثاني أكثر صدمة وإذهالا لنفس القوى الصهيونية بعدما استخدمت كل طاقاتها وإمكانياتها البشرية والاستخباراتية والإعلامية والسياسية من الخارج والداخل للوصول للسيطرة الكاملة على قلب الشرق الأوسط وحصنه الأخير (مصر) ، وبعد أن دانت لهم السطوة ووضعوا تابعيهم وأذنابهم إخوان الماسونية على عرش مصر ، بل وأنهوا خطوات وإجراءات تقسيم مصر وباعوا فيها واشتروا كيفما أرادوا ، وأدخلوا عشرات الآلاف من الإرهابيين لسيناء وربوع مصر لتأمين تقسيمها وتدمير جيشها وتسليم المباع لأذنابهم وتابعيهم ، وبالفعل أتموا كل الخطوات المرسومة منذ قرون بنجاح كما توهموا ، لدرجة أنهم تخيلوا أن مصر باتت لقمة سائغة وأسهل بلعا وامتلاكا من سوريا وليبيا والعراق ، ولكن .. فجأة .. سقط كل ذلك أدراج الرياح بل وفقدوا القدرة على التعامل مع النظام المصري المفاجئ للجميع بنواته الصلبة التي اكتسحت المؤامرة في ساعات وأدهشت العالم من حولها واستعادت زمام الأمور على مصر بسلاسة وتأييد شعبي جارف أفقد الماسونية والصهيونية العالمية كل أسباب ودوافع بل والقدرة على التدخل في مصر لنجدة المخطط المنهار أو إنقاذ أذنابهم ، فسقط المخطط كاملا بكل بدائله المخططة والممكنة وهو ما صرحت به هيلاري كلينتون في كتابها الأخير وأعلنه مركز (استانفورد) للدراسات الإستراتيجية والتابع للمخابرات الأمريكية بمنتهى الصراحة والوضوح .

وبعد سقوط المخطط لم تكتفي الدولة المصرية بإنقاذ مصر من التقسيم والحرب الأهلية ومحاكمة الخونة من أتباعهم فقط ، بل عجبا بدأت رحلة صناعة الدولة العصرية القوية الشاملة بكل مقوماتها ، وقطعت مصر خلال عام ونصف خطوات واسعة ما كانت لتقطعها أية دولة في أقل من عشرين سنة كما يقول خبراء البنتاجون الأمريكي والاتحاد الأوروبي ، ليقفز جيشها من المرتبة الرابعة عشرة عالميا إلى المرتبة الثامنة في شهور قليلة ، وتصبح مصر عضوا غير دائم في مجلس الأمن بعد غياب دام أكثر من عشرين سنة ، وتقترب مصر من حدود الأمان الاقتصادي بتفجر نواتج ثرواتها ، لتدخل معها كل من روسيا والصين واليابان في شراكة إستراتيجية كاملة ، وهو ما يعني ببساطة أن مصر تنتظر إتمام عبورها للرخاء والاستقرار الشامل في غضون سنوات قلائل ، بل والأعجب أن هذا الشعب المصري قد فشلت معه كل مؤامرات الفتن الطائفية والمذهبية والفئوية المخططة ، لتكون كل الشواهد والبراهين تباعا هي إعلان وإنذار للعالم أجمع بمولد دولة عظمى جديدة تستعد لتحتل مكانها في غضون سنوات قادمة .

هذا ما أفزع تنظيم الماسونية العالمي وحفيده الملقب بتنظيم الصهيوينة العالمي بل ويقوض كل مخططاتها للسيطرة على الشرق الأوسط ويقلم أظافرها في المنطقة بل وربما في العالم بتتابع الفشل لمخططاتها لمعظم دول المنطقة وعلى رأسها سوريا وليبيا ، وينقلب السحر على الساحر وتسقط تركيا رأس حربتها فيما تآمرت به على جيرانها من الإرهاب وخطر الفوضى والتقسيم ويتداعى تنظيم داعش لتخسر أمريكا والغرب أدواتها واحدا تلو الآخر ، فتجبرهم الأحداث على إعادة حساباتهم في المنطقة كاملة ، ولكنهم رغم كل هذا ما زالوا يحلمون بتحقيق أية نجاحات ولو بزعزعة الاستقرار المصري أو زراعة بذور مؤامرات جديدة لعقود قادمة ، ولذلك لم يدخروا جهدا أو مالا خلال الشهور السابقة لتحريك عناصرهم وعملاءهم وأذنابهم سياسيا وإعلاميا بل واقتصاديا لخلق حالة من التشتت والفوضى الظاهرية ولو إعلاميا لنشر الإحباط واليأس  بين عامة الشعب باستخدام الإعلام العميل والموجه بكل معان الكلمة ، حتى بلغ تركيز الفضائيات وإعلاميها على اقتحام مخمورة لكمين مرور ومشاجرة بين شرطي وطبيب ومشاجرات مجلس النواب وأكذوبة اتهام طفل بالإرهاب وغيرها من الأمور الفردية المحرضة للشعب على الدولة والمؤسسات كغطاء مثير لإمعان التعتيم والتجاهل التام لرئيس دولتهم وصاحب الثورة في جولته الغير مسبوقة والأولى من نوعها والأهم في أهدافها ونتائجها  لأكبر وأهم ثلاث دول آسيوية ، مع أنهم لم ينسوا الأوسكار أو متابعة أزمة التاكسي الأبيض ، أو زيارة السفير الإسرائيلي لعكاشة وضربه بالحذاء .

ومما يزيد من حالة الملل واليأس والشك في إعلام فضائياتنا الممنهج ضد الدولة المصرية ، أننا سمعنا منذ أيام قليلة من وكالة أنباء فرنسية وقناة فضائية غربية وقناة واحدة عربية تفاصيل الرد التاريخي الصاروخي الحاسم والملجم (على حد تعبيرهم) والصادر من المندوب المصري الدائم في الأمم المتحدة على تصريحات نائب وزير الخارجية الأمريكي بشأن ادعاءاته بتجاوزات حقوق الإنسان ، ولكننا لم نسمع ولا حتى تلميحا واحدا عن هذا الحدث الهام والكبير من كثير من رموز (إعلام العار) كما يسمونهم رواد التواصل الاجتماعي ، رغم أن الرد كما تصفه وكالات الأنباء الغربية جاء كطلقات الرصاص بلا رحمة وفي جرأة وشجاعة وقوة غير مسبوقة في التاريخ الحديث ليثبت للعالم أن مصر تعيد رسم الخريطة السياسية العالمية وفق رؤيتها وقرارها السيادي المستقل وثقلها كقوة دولية واعدة لا يستهان بها ، وهو ما يؤكد أن الصهيونية العالمية وأدواتها الغربية والأمريكية ما زالوا يديرون حملاتهم الشعواء ضد مصر من الداخل والخارج وبشتى الطرق والوسائل مضحين بمئات الملايين من الدولارات شهريا .

بل ومن المؤلم والساخر أن نرى ردود أفعال هؤلاء من يسمون أنفسهم أباطرة الإعلام الخاص على خطاب السيسي الأخير قبل سفره حيث هاجوا وماجوا واعترضوا وزوروا معان طلب السيسي أن يسمع منه الشعب حقائق الأمور واتهموه بمحاولة التسلط  بل إنهم حتى لم يلتفتوا للأهداف الحقيقية لقسم السيسي الجاد والحاد (أقسم بالله .. اللي هيقرب منها .. هاشيلوا من على وش الأرض) واعتبروه تهديدا لهم ربما لشعورهم (ببطحات رؤوسهم) ، وربما تعمدوا هذا ليطمسوا حقيقة ما يخطط لمصر في الخفاء من عمل عدائي كبير قد تستخدم فيها الصهيونية قدرات التكنولوجيا فائقة القدرة لإيقاف تقدم مصر ولو مرحليا وهو قدموا له على ألسنة كهنة الماسونية من المنجمين من قبل ، بل وتخيل أكثرهم منطقية أن الرسالة تستهدف الإخوان وحماس وبعض الإرهابيين من الداخل والخارج ، والتي أعتقد بشدة أنها رسالة موجهة بعناية وبدقة للجميع وعلى رأسهم ممن يخططون في الخفاء ويديرون مختلف ألعاب المؤامرات على مختلف الأصعدة ، مهما كانت كبيرة أو صغيرة ، وهو يعنيها بكل حروف كلماتها ويمتلك ما يستطيع به تنفيذ تحذيره ووعيده ، ومن لا يصدق .. فليجرب حيث لا ينفع الندم .

وأخيرا .. لا شك أن السؤال القديم الذي عانينا منه عبر سنوات خمس سابقة (مصر رايحة على فين .. ؟؟) قد اختفى تماما وتم استبداله بسؤال جديد يبرهن على أننا على الطريق الصحيح لاستكمال مراحل العبور الجديد ، وهو سؤال منطقي وقد انتشر تردده بصور متباينة ومختلفة على ألسنة المصريين أولا ثم المتابعين للحالة المصرية في الخارج وهو ببساطة ووضوح (هل تستطيع مصر .. ؟؟) ، (هل ستتركها القوى المعادية لتعبر من جديد .. ؟؟) ، ( هل مصر قادرة على العبور الجديد .. ؟؟) ، ورغم أن البعض قد يشكك في وضوح الإجابة ومنطقيتها بمسببات وتوقعات وتحليلات ، والبعض قد يتشاءم ويظن السوء بغد في علم الغيب ، إلا أنني على يقين أننا قادرون بإذن الله ونصره وكرمه على تحقيق (العبور الجديد) بكل تفاصيله ومراحله بل وقادرون على تحمل أعباءه وتكلفته مهما كانت غالية ومستحيلة ، ودون الخوض في استراتيجيات ومسببات وأسباب ماضية وحاضرة ومنتظرة .. ولكن فقط .. لأننا كمصريين نعرف قدرنا وقدورنا .. كخير أجناد الأرض .. بل وأيضا .. نسكن وطنا يحرسه الله بعينه وعنايته .. لأن مصر هي عين الله وكنانته في أرضه .

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز