

محمد نجم
.. ونحن فى انتظار النتائج
بقلم : محمد نجم
حسنًا فعل السيد رئيس الوزراء بإجراء تغيير وزارى لمجموعة من أعضاء حكومته، حيث استعان بمجموعة من الشباب أصحاب الكفاءة والخبرة فى مجالات عملهم، وهو ما يعنى تعظيم الأداء بأفكار جديدة مع السرعة فى التنفيذ.
أى أن التغيير كان بمثابة ضخ دماء جديدة فى شرايين الحكومة التى يتوقع منها المجتمع أن تحل مشاكله الراهنة وأن تنقله إلى مستقبل أفضل.
ولكن قبل الدخول فى التفاصيل يجب القول إن بعض ما يعانيه الاقتصاد القومى من اختلالات ومشاكل كان ولازال أكبر من قدرة الوزير المختص منفردًا على الحل.
والمثل الأوضح فى ذلك.. هو عودة النشاط السياحى الخارجى إلى ما كان عليه قبل يناير 2011، فقد تعرضت السياحة المصرية إلى حدثين متتاليين أثرا تأثيرا بالغا على محاولات العاملين فى القطاع بإعادة استرجاع عافيته تدريجيًا، وهى حادثة سقوط الطائرة الروسية بسيناء، ثم قتل الباحث الإيطالى ريجينى، خاصة أن السياحة الروسية كانت مصدرًا أساسيًا للتدفقات السياحية الخارجية لمصر، وأيضًا السياحة الإيطالية ومعها السياحة الأوروبية عامة، فالحادثان جنائيان.. وهو ما يعنى أن هناك تداعيات أمنية وسياسية لكل منهما، وللأسف الشديد فقد نجح بعض المتربصين بمصر فى استغلالهما دعائيًا ضد السياحة المصرية.
والمعنى أن الحدثين لا يتحمل مسئوليتهما قطاع السياحة وحده، حيث وضعا مصر كلها كدولة فى موقف صعب، ومن ثم كانت التحركات الدبلوماسية النشطة، ودعوة وفود أجنبية أمنية لتفقد المطارات والموانئ المصرية، بخلاف المؤتمرات والمعارض والزيارات الخارجية التى حاولت إزالة الآثار السيئة للحادثين.. كل ذلك قامت به الدولة المصرية بكافة وزاراتها وأجهزتها المعنية.. ولكن مثل هذه الأمور تأخذ وقتا أطول حتى يتأكد الجميع من صحة الموقف المصرى وسلامة الأوضاع الداخلية التى تمنع تكرار مثل هذه الأحداث مستقبلا.
ولكن هناك قطاعات أخرى ووزراء آخرين منحوا وقتا كافيا للإصلاح والنهوض بقطاعاتهم.. لم يحدث ما كان متوقعا ومن ثم كان التغيير.
ومنها - مثلا - قطاع الاستثمار سواء كان باستثمارات محلية أو خارجية.. فهذا القطاع عمود رئيسى فى الاقتصاد القومى.. لأنه معنى أساسا بإقامة مشروعات جديدة أو توسعات فى مشروعات قائمة.. وهو ما يؤدى فى النهاية إلى خلق فرص عمل إضافية.. وزيادة إنتاج، وهاتان النتيجتان المباشرتان كانتا ستسهمان فى التخفيف من مشاكل عدة.. منها خفض معدل البطالة فى المجتمع، وكذلك إحلال بعض الصادرات مقابل بعض الواردات.. أى خفض العجز فى الميزان التجارى المصرى، ثم وهو الأهم زيادة العرض للسلع المطلوبة فى المجتمع بما يحافظ على ثبات الأسعار فيها، بل قد يؤدى إلى تخفيضها إذا تمكنا من تحقيق التوازن - على الأقل - بين العرض والطلب فى السوق.
ثم هناك قطاع الرى.. فالوزير السابق رجل محترم وعالم، ولكنه انشغل بكتابة المقالات فى الصحف والمجلات، وترك مشاكل الوزارة المحلية والخارجية تتراكم، وأقصد بالمشاكل المحلية عدم وصول المياه إلى مناطق كثيرة فيما يسمى بالدلتا القديمة، وإذا كان أحد من القراء أو المسئولين من أصول ريفية مثلى.. فهو يعلم تمامًا أن أغلب أراضى الدلتا تروى حاليا بالمياه الجوفية التى يتم استخراجها من باطن الأرض بماكينات رى حديثة.. تساهم فى رفع التكلفة على المزارعين لقد تحولت أغلب الترع والمصارف التى كانت تحمل مياه النيل إلى الرى المباشر إلى مقالب للزبالة والنفايات الحيوانية، ولم يجر لها أى عمليات تنظيف أو صيانة منذ سنوات عدة.. وبدى الأمر وكأنه متعمدا لقطع المياه البحرى على الفلاحين وتحملهم أعباء إضافية مما يعوقهم عن الاستمرار فى النشاط الذى ورثوه عن أجدادهم!
أما المشاكل الخارجية.. لعل أبرزها مشكلة سد النهضة فى إثيوبيا، حيث لم يحقق فيها الوزير السابق أى نجاحات تذكر.. وسوف أكتفى بهذا القدر لأن الموضوع له جوانب أخرى كثيرة!
وقد يرى البعض أننى أشير إلى مبررات التغيير الوزارى التى لم يفصح عنها رئيس الوزراء تأدبًا أو أنها عادة مصرية لا يرغب فى مخالفتها، ولكن تلك مهمتنا كصحفيين معبرين عن الرأى العام.. أن نحاول التوضيح بقدر الإمكان وقد نخطئ أو نصيب.. وفى كل الأحوال هو واجب علينا وحق للقراء.
وهنا انتقل لبعض الملاحظات على التغيير الوزارى.. فالملاحظ أن هناك تركيزًا شديدًا على القطاع المالى، حيث عين وزيرًا جديدًا للمالية ومعه ثلاثة نواب.. للسياسات والضرائب والخزانة، وهو ما يعنى أن المطلوب فى الفترة القادمة سياسة مالية محفزة للاستثمار وللأنشطة الاقتصادية بصفة عامة، مع محاولات لضبط أمور الخزانة العامة من خلال ترشيد الإنفاق الترفى.. يتزامن معها توسيع قاعدة المكلفين بسداد الضرائب المستحقة، فهذه الحزمة من الخطوات والإجراءات المتزامنة تستهدف مواجهة التضخم والمحافظة على ثبات الأسعار، وتخفيض عجز الموازنة، وتوفير التمويل المطلوب للشهور المتبقية من الموازنة الحالية.
ويلاحظ أيضًا أن التغيير الوزارى حرص على فصل قطاع الأعمال العام عن وزارة الاستثمار، وتعيين وزير مختص للأول، وفى الحقيقة هذا القطاع يمثل الثروات المتراكمة للمجتمع المصرى فى صورة شركات كبرى تعمل فى كافة الأنشطة، خاصة التى نجت منها من برنامج الخصخصة، فهذه الشركات تحتاج إلى فكر جديد فى الإدارة، وأيضًا تحديث خطوط إنتاجها، وإنهاء المديونيات المتراكمة، وحسن تسويق منتجاتها فضلًا عن تحقيق الجودة المطلوبة فيها.
فالعائد الحالى من كافة هذه الشركات التى تعمل فى مليارات الجنيهات لا يماثل عائد شركة واحدة كبرى من القطاع الخاص! وحسنا ما فعلت الحكومة عندما كلفت وزيرًا جديدًا ذا خبرة فى مجاله ليكون مسئولا عن هذا القطاع الحيوى لينقذه مما آل إليه من الإهمال والخسائر.. وأن يحوله إلى وحدات منتجة كما كان قبل هجوم مجموعة لجنة السياسات بالحزب الوطنى المنحل عليه وبيع وحداته بأثمان بخسة للأسف الشديد.
وأخيرًا.. تجدر الإشارة إلى أننا كمواطنين لا نتدخل فى عمل الحكومة.. قد نشكوا من نقص الخدمات أو عدم جودة بعض السلع أو ارتفاع أسعارها، ولا نملك أكثر من ذلك.. بينما الحكومة صاحبة القرار.. سواء باستمرار الوزراء الذين نشكو من أدائهم أو تغييرهم، فالحكومة مرة أخرى سيدة قرارها، ولكن بيننا وبينها عقد اجتماعى يجب أن تلتزم به، وأبسط التزاماته أن تحسن من ظروف معيشتنا فى تفصيلاتها المختلفة.. أى تعليم جيد.. خدمات صحية كافية.. طرق ممهدة ومياه شرب نقية.. وسائل انتقالات مريحة وبأسعار تناسب دخولنا المحدودة.. إلخ.
وهو ما يعنى فى النهاية أن يكون للحكومة رؤية وأهداف وسياسات معينة.. تترجم إلى برامج تنفيذية بتوقيتات محددة.
أى إننا نرغب بأن نسمع أو نرى سياسة وزارات وليس اجتهاد وزراء، نعم الكفاءة مطلوبة والفكر المستنير ضرورى.. ولكن يجب أن تعمل الحكومة طبقا لفلسفة ما ومن خلال نموذج محدد للتنمية يحظى بتوافق مجتمعى.
سدد الله خطى الحكومة.. ونحن فى انتظار النتائج