عاجل
الخميس 24 يوليو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
البنك الاهلي
3% ليمون
بقلم
رشا بكر

3% ليمون

بقلم : رشا بكر

العنوان يكاد أن يكون غريبًا بشكلٍ يستفزُّ فضولك ويستنفر كلَّ حواسِّك لاستكمال قراءته، وكم أود أن تقرأه إلى النهاية.



وبدون مقدماتٍ واستهلالٍ عشان ما عندناش مكان للكلام ده، والمقال طويل خلقه، سوف أنفذ إلى الموضوع بحكاية عن صديقين..

أحمد وحسين.. أصدقاء منذ الطفولة.. أحمد شاب متحضر ومستنير وميسور الحال نوعًا ما، يعمل بإحدى شركات القطاع الخاص، متزوج منذ أربعة أعوام، يحب زوجته جدا ويحترمها، بل إنه يحترم كل امرأة بدون تصنيف أو تمييز.

(1)
أحمد طلب من مديره السماح له بإجازة لأنه وعد زوجته إنه يفسحها، لكن المدير كان يتحدث وقتها في التليفون، فهزّ المدير رأسه أشار بالموافقة تبعها بإشارة انصراف.

في الصباح أحمد أخذ زوجته لأحد المولات الشهيرة، وعند دخوله اصطدم بمشهد مجموعة عيال من الشباب السيس يتفرسون في وجه وجسد زوجته، مع إطلاق تعليقاتٍ غير مقبولة، اشطاط أحمد غضبًا، وزوجته لحظت تكشيرته وعرفت السبب، إنه مستحيل هيتخانق وهي بصحبته.

فجأة رن هاتف أحمد.. مين.. ده المدير.. رد أحمد متعجبًا.. في الوقت الذي قال فيه المدير متذمرًا زاعقًا "أنت فين يا بيه؟".. أحمد رد بمنتهى العفوية يبرر ويقسم بأغلظ الأيمان بأنه أبلغ حضرته أمس باحتياجه لإجازة يفسح فيها المدام والأولاد.. المدير أقفل الخط في وجه أحمد بعد جمل تهكم وسخرية.. تيقَّن من خلالها أحمد بشكلٍ لا يدع مجالًا للشكٍّ "إنه هيتنفخ".. فكشَّر بزيادة.. وبدأ يتعصَّب على زوجته والأولاد بزيادة !

(2)
مشهد في المصلحة الحكومية التي يعمل بها حسين، الذي بدا عصبيًّا يزعق في وجه العملاء وأصحاب الحاجات، ويزعق في وجه زملائه، ومحدِّش طايقه بسبب مزاجه المنحرف دائمًا، لولا نهى زميلته في العمل وجارته في السكن التي تعرف السرَّ في كلِّ هذا الغضب، وهو عدم رضاء زوجة حسين عنه، وأنها تسمع صوتها دائمًا وهي تهينه تطعنه باللمز وتعيب فيه وقرفانه منه على الأخر، وتعايره بأنه لا يصلح لأن يكون حبيبا ولا زوجا ولا أي حاجة!

(3)
بعد النكد ووش الشراب المقلوب اللي بدا على أحمد الرقيق المهذب، الخروجة مسَّخت وموَّعت، وارتأى له أنه من الصواب أنه يروح زوجته والأولاد ويفوت على والدته وأخواته يغير جو، وبعدما أوصل أسرته للبيت وهو ماشي بعربيته، بدا عليه تصرف غريب لم يعهده أحد منه قبل ذلك، هو أنه بدأ يتفرس في أجساد النساء وملابسهن.. أحمد! آه.. أحمد المثقف المستنير ده؟! آه وربنا!
"أوبا.. أحمد اتعدى".. فبعدما كان يتحدث للنساء من أهل وقريبات وجارات وزميلات العمل ناظرا إلى أرواحهن.. بدأ ينظر لأجسادهن بشكل ملحوظ ومنفر!

(4)
حسين زوجته دائما مشغولة عنه ولا تطيق أن يقترب منها.. يعني حرماه من أصغر حقوقه.. لا كلمة حلوة ولا احتواء نفسي ولا جسدي... وحسين له عادة سيئة جدا.. هي أنه يظل ينظر للنساء المارات من أمامه ويتفحصهن بنظرات شهوانية متدنِّية للغاية.. وينتهي الفحص بركوبه الأتوبيس واضعا ليمونة بجيبه كنوع من تعويض النقص!

يا نهار إسوح.. بيتحرش!
أيوه بيتحرش بأي حتة طرية تقع تحت إيده، وكأنه بيفرغ القهر وكسرته فى البيت بإنه يطلع في أي ست يحس إنها ضعيفة أو في موقف ضعف.

(5)
لما دخل أحمد على أمه لاحظت الأم تغييرا في ملامح ومزاج أحمد، فنظرت له من تحت النظارة وإيدها مشغولة بنسج مفرش الكوروشيه، أحمد حكى لوالدته اللي حصل من طقطق لسلام عليكم، وكان رد والدته كالمعتاد إن زوجته هي اللي غلطانة وبتمشى "تتقصع" والشباب معذوروهو اللغلطان لإنه دائما مدلعها زيادة عن اللزوم، ولما برر ذلك بأنه ده الطبيعي، وإنه يحب زوجته ويحترمها ويتحملها ويقدرها ويتركها ترتدي أي شيء يريحها طالما هي تسير بصحبته.
 يكون رد الأم بأن الزوجة تفسر تصرفاته على أنها خنوع ونقصان رجولة (تحليل جهنمي بصراحة)، يحمر وجه أحمد مغتاظا وينفخ.. ثم يقول أنا قايم ماشي.. والشاي؟.. مش عايز زفت.. "أوبا.. أحمد ابتدا يتشحن بجد"!

وبالليل أحمد قابل حسين على القهوة، وحسين طبعا سأله عامل إيه ومالك كدا شايل طاجن خالتك؟ أحمد حكى لحسين كل حاجة، حتى رأي والدته اللي حظي بتشجيع حسين، وتابع بجمل إطراء ومدح، وإن هو ده الصح، ومافيش حد هيخاف عليه قد أمه.. وقعد حسين يألف ويفتي ويصنع قصصا وأفلاما من البكش الخام كعادته، إنه أبو عرام في بيته، وإن زوجته ما تقدرش ترفع رأسها برأسه ولا تكسرله كلمة...

زوجة أحمد اتصلت تطمئن عليه في نفس القاعدة.. أخد حسين نفسا عميقا من الشيشة.. ورفع رأسه ومد شلاضيمه ينفث الدخان في الهواء على مراحل.. وسأله مين؟ جاوب أحمد بأن المتصل المدام وأكيد عاوزة تطمئن عليا.. ساعتها حسين قذف بكلامه زي المدفع في وش أحمد "لهو أنت عيل صغير عشان تتصل تطمن عليك؟ تلاقيها بتراقبك" يرد أحمد "تفتكر؟".. تجاهل حسين الجواب وأخذ نفسا آخر من الشيشة وقال له "ما تردش عليها واتقل.. الستات تحب الرجل اللي يشكمها ويديها بالجزمة".
إيه ده إيه ده ده؟!
ده حسين هو اللي بيتكلم!
آه حسين اللي لسه مراته "مدياه بالشبشب على قفاه الصبح ده؟" أيوه هو وربنا!
لكنه استغل إن أحمد ما يعرفش شيء عن حياته الشخصية.

(5)
عاد أحمد لبيته عينه بتطق شرار، بيدور على أي تلكيكة ليصطدم بزوجته اللي اتعصبت هي كمان، وأصبح الأمر خناقة كبيرة انتهت بأن أحمد لأول مرة قام بضرب مراته!

(6)

في صباح اليوم التالي قام أحمد من نومه ولم يجد زوجته بالمنزل ولا الأولاد، ولقى ورقة مكتوب عليها "أنا عند ماما وطالبة أتطلق".. أحمد نتش الورق الملصقة على المراية عابس الوجه ورماها بعيدًا، وغسل وشه.. وبدا مستهتر غير مبال ،نزل إلى العمل لكن المرة دي بدون سيارته الخاصة، وفضل أن يذهب بالأتوبيس!

طيب أكيد أنت بتسأل هو كل الهري ده كتباهولنا ليه؟ أقولك.. بص يا سيدى علماء النفس اللي هناااك.. أنت بتبص فين؟ خليك معايا هنا لو سمحت دقايق.
علماء النفس فى الغرب قاموا بتجارب ملخصها كدا إن العنف بيزداد عند الرجل كلما تعرض الرجل لموقف أو كلام موجه أو أي فعل يتهم فيه بنقص رجولته أو يشعر أن ذكورته مهددة وأنه عاجز.

أحمد بطبع مر عليه كل ما سبق، إنه مش قادر يدافع عن زوجته أثناء تحرش العيال السيس، الذين يشعرون بالنقص أوالفراغ ، ولأنه ترفع عن حدوث صدام بينه وبين العيال دي في وجودها وهو عارف مسبقا إن الناس هتتلم وسيتصرفون بشكل سلبي ومافيش حق هيرجع لأصحابه ولا اعتبار هيترد ولا الولاد المتحرشين هيتم عقابهم بالقانون ...

أحمد بعد كده تحول لا إراديا لمتحرش؛ بمعنى إنه لما تعرض لموقف أحس فيه بالعجز وقلة الحيلة، أدى بدوره لتوليد طاقة عنف اتفرغ جزء منها في إنه اتحول هو كمان لمتحرش ومبصبصاتي تافه، علاوة على إن مامة أحمد وإخواته دائما شايفين أسلوبه مع زوجته الراقي هيؤدي في الآخر إلى عواقب وخيمة أولها إنها هاتركبه زي الحمار؛ يعني بقدرة قادر اتحول شعوره النبيل تجاه زوجته لاتهام وتهديد لرجولته، لمجرد إنهم غير راضيين عن إن أي مخلوقة تشاركهم في امتلاك أحمد غيرهم، وأي تصرف حنون منه تجاه الزوجة ده ضعف وانعدام نخوة، واللي زود شحن أحمد هو صديقه حسين الذي دائما يشعر بالنقص وبأنه مهدد ومقهور من زوجة متسلطة لا تحبه ولا تطيق سيرته، فقام بتعويض ما يشعر به من نقص على هيئة عنف لكن في كذا اتجاه، في العمل بتصرفاته العصبية ضد العملاء والمرءوسين، ومع الجيران؛ من أجل أن يعكس لهم صورة تنفي الصورة المهينة التي تصنعها له زوجته كل يوم، وفي الشارع والأتوبيس عن طريق التحرش، وكذلك بالنفخ في آذان أحمد. وأعتقد أن أحمد كان ضحية.. أحمد هو أول فرد تم التحرش به تحرشًا ذهنيًّا من ناس حواليه يُظهرون سواء بأفعال لا تصح أو بأقتراح حلول ونصائح تزيد الطين بِلّة غرضها الظاهر نبيل وباطنها الطريق إلى غابة اشجارها متشابكة ومعقدة ومكونة من التفاهة والدونية والانحطاط وساعتها نسبة التحرش هتكتر اكتر بكثيرمن 3% ليمون اللى بدوره هايغلى ويشح من الاسواق.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز