

محمد نجم
التغيير.. وحده لا يكفى
بقلم : محمد نجم
أخيرا صدرت حركة المحافظين التى طال انتظارها واقتصرت على 6 محافظات فقط، وكذلك التغيرات الوزارية التى روجت لها الصحف كثيرا، واقتصر الأمر على تعيين وزير جديد لوزارة التموين، وهو ما يعنى أن الوزراء والمحافظين الذين لم يشملهم التغيير قد منحوا فرصة أخرى لاستكمال الملفات المفتوحة، أو تحقيق إنجاز ملحوظ يشهد لهم عندما يحين وقت الحساب!
وبالطبع لدينا وزراء أثبتوا قدرة فائقة على الأداء المتميز.. خاصة فى الوزارات السيادية وبعض الوزارات الإنتاجية والخدمية، ولكننا لازلنا ننتظر الكثير من أعضـــاء المجموعـــة الاقتصاديــة.. حتى يتمكن الاقتصاد القومى من الخروج من أزمته الحالية.
ولا خلاف أن التغيير من سنن الحياة، فمن فشل يرحل.. ومن يحاول يستمر.. فالوقت يداهمنا ولم يعد مسموحا بـ «ترف» التجربة والخطأ ويكفى السنوات الخمس العجاف التى عانينا فيها الكثير.
وإذا كان البشر هم صناع النشاط ومحركوه ورواده، فحسن اختيار بعضهم للمواقع القيادية أصبح أمرا مفروغا منه، خاصة عندما يتوافر لديهم سيرة ذاتية مبشرة وتقييم إيجابى عن أدائهم فى المواقع السابقة التى تولوا مسئوليتها.
كل ما تقدم لا خلاف عليه.. ولكن «مربط الفرس» هنا هو بيئة العمل الجديدة التى يتحرك فيها المسئولون الجدد، وبمعنى آخر «أدوات العمل» من تشريعات واختصاصات وسلطة تمنح المسئول القدرة على إجبار مرؤسيه على تنفيذ رؤيته المدروسة للنهوض بالموقع الجديد.
فالتغيير لم يعد هدفا فى حد ذاته إلا إذا كنا نرغب فى التخلص من فاسد أو مقصر فى عمله، وإنما التغيير المطلوب فى ظروفنا الحالية معناه ضخ دماء جديدة فى شرايين العمل الوطنى فى المواقع المختلفة.
وبالنسبة للمحافظات.. لقد تحدثنا كثيرا ومنذ سنوات عديدة عما يسمى بـ «اللامركزية» فى المحافظات.. وقيل إن المحافظ هو رئيس الجمهورية فى محافظته! وقيل إن المحافظات سوف تكون لها سلطة التخطيط وتحديد الأولويات اعتمادا على «التخطيط التأشيرى» الذى تعده وزارة التخطيط مركزيا، وكنا قد بدأنا ذلك بتشكيل مجالس شعبية ومحلية فى المحافظات والمراكز ومنحت حق طلب الإحاطة والسؤال وهى بعض أدوات الرقابة البرلمانية على أداء السلطة التنفيذية.
ولكننا كالعادة.. لم نكمل المشوار.. ووقفنا فى وسط الطريق.. وكما يقول أولاد البلد.. «رقصنا على السلم» لا انتظرنا تحت.. ولا صعدنا إلى فوق..
بمعنى آخر بدأنا بعض خطوات التنفيذ فى اللامركزية وأصدرنا قانونا للمحليات.. وأثبتت تجارب الواقع ضرورة تعديله أو تغييره بالكامل.. ولم نفعل، وكذلك انتهت المدد القانونية للمجالس المحلية والشعبية فى المحافظات ومراكزها.. لم تجر انتخابات جديدة.. وأبقينا الوضع على ما هو عليه حتى يقضى الله أمرا كان مفعولا.. وهو ما حدث بالفعل- سبحان الله- وقامت ثورة يناير وتلتها ثورة يونيو.. ومضى على الاثنين حوالى أربع سنوات.. ولا يوجد جديد.
وقد نلتمس العذر لأنفسنا- كمجتمع- حيث كانت هناك أولويات.. الوضع الأمنى، ثم الاستقرار السياسى، وأخيرا وجود برلمان منتخب لإصدار التشريعات المطلوبة والمطابقة للدستور الجديد.
والآن ما هى الأعذار التى نستند إليها فى التأجيل؟! الكل يعلم أن محافظ الإقليم لا يملك غير السلطة «الأدبية» على جميع الموظفين التابعين للوزارات المختلفة بدءا من الغفير فى الموقع وحتى وكيل الوزارة المختص.
وكذلك السياسات التى تعد مركزيا سواء كان ذلك فى التعليم أو الزراعة أو الكهرباء أو الإسكان والنقل.. وغيرها من الأنشطة سواء كانت إنتاجية أو خدمية!
هذا عن الموظفين والسياسات.. ولا يختلف الأمر كثيرا بالنسبة «للاعتمادات المالية» والتى تحدد سلفا وطبقا للموازنة العامة للدولة والتى تعد مركزيا فى العاصمة القاهرة صاحبة الصوت العالى!
والمحافظ الشاطر «مش هيغزل برجل حمار»! وإنما محتاج «فلوس» لبناء مدارس ورصف طرق وتحديث مستشفيات ومد مياه الشرب وخدمات الصرف الصحى للمحرومين منها.
وقد يستغل البعض علاقاته الشخصية بالمسئولين فى العاصمة، أو يستخدم البعض الآخر أعضاء البرلمان من محافظته.. فى الحصول على اعتمادات مالية إضافية لاستكمال المشروعات المتوقفة.. أو لمواجهة طوارئ حدثت بمحافظته!
وفى رأيى أن كل هذه مجرد «مسكنات» لا تغنى من جوع ولا تروى من عطش! فالطبيعى أن يقدم المجلس التنفيذى بكل محافظة خطة عمل سنوية تعرض على المجلس المحلى أو الشعبى المنتخب ليوافق عليها ويحدد أولوياتها، بشرط توافر التمويل المطلوب لسرعة التنفيذ، هنا تظهر قدرة المحافظ فى قيادة فريق عمله من التنفيذيين من عدمه، وهنا يكون الحساب بالثواب أو العقاب.
فى الحقيقة.. ومن خلال عملى الصحفى.. كنت أجد الكثير من المحافظين فى وضع لا يختلف كثيرا.. عمن وضع على الشط مكتوف الأيدى والأرجل.. ثم يطلب منه العوم والوصول إلى الشاطئ الآخر من النهر أو البحر!
وبالطبع هذا أمر لا يستقيم.. ولا يحقق المطلوب من العمل الجاد والإنجاز الملحوظ.
وإذا كانت الحكومة والأجهزة المعنية قد أحسنت اختيار المحافظين الجدد.. فلابد أن تساعدهم بتوفير التشريعات المحفزة لبيئة العمل.. وكذلك التمويل المطلوب.. للإنجاز المتوقع.
لقد تحدث المنظرون والخبراء كثيرا عما يسمى بالتنمية الشاملة.. وكذلك الاستهداف الجغرافى وأيضا النمو الاحتوائى.. وكلها تؤدى لمعنى واحد، وهو الاهتمام بالقلب والأطراف، أى تمنح كل محافظة ما تستحقه حسب حجم احتياجاتها، لا أن تستولى القاهرة بصوتها العالى على «الهبرة الكبرى» وتترك لغيرها «الفتات»!
فكلنا مصريون.. ومن حق كل مواطن أن يحصل على نصيبه العادل من ثمار التنمية أيا كان موقعه.. وأيا كانت طبيعة عمله.
والحكمة البالغة تقول إن العدل أساس الملك..
حفظ الله مصر.. ووفق ولاة الأمر فيها.