عاجل
الثلاثاء 21 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
تكنولوجيا إسقاط الدول

تكنولوجيا إسقاط الدول

بقلم : محمد عبد السلام

"إنسحبوا.. لقد خسرنا المعركة.. سقطت بغداد في يد الأمريكان".. فجأة وبدون مقدمات إنطلقت صرخات قادة الجيش العراقي بتلك التحذيرات داعية الجنود إلي الإنسحاب، حتي لا يُقتلون في ميدان معركة خاسرة، لتسقط بغداد والعراق كلها ضحية الغزو الأمريكي في التاسع من إبريل من عام 2003.



 

هكذا سقطت بغداد بمنتهي السهولة، وبعد 140 شهر، وتحديدا في السابع من ديسمبر من عام 2014، كشفت صحيفة "الواشنطن بوست" الأمريكية ان تلك الصرخات ما هي إلا أصوات "مفبركة" لقيادات الجيش العراقي، اضطرت الإدارة الأمريكية للإستعانة بها في أحد المعامل البحثية خوفاً من الهزيمة إو إطالة الحرب، خاصة بعد أن علق الجنرال "باري مكافري" في الرابع والعشرين من مارس من عام 2003 علي الحرب في العراق قائلاً: "إذا قاتل العراقيون سيكون قتالاً وحشياً، وعملنا سيكون خطيراً، وخسائرنا يمكن أن تصل إلى ثلاثة آلاف قتيلاً".

 

حديث الجنرال "باري مكافري" طبقا للصحيفة الأمريكية أدي الي التفكير في البحث عن وسائل أكثر تكنولوجية لتجنب القتال المباشر في ميادين المعركة، من خلال تكنولوجيا المعلومات وتقنيات البرامج الحاسوبية للصوتيات، بتزوير التسجيلات الصوتية وفبركتها، بما يسمي بالتسريبات، لتصبح أهم أسلحة حروب الجيل الرابع.

 

ويعد معمل "لوس ألاموس" الوطني التابع للإستخبارات الأمريكية المختبر الوحيد القادر على فبركة التسجيلات الصوتية وتهريبها علي هيئة تسريبات سرية، أسسة العالم الأمريكي "جورج بابكيون" مخترع تكنولوجيا فبركة الصوت، ويعد احد اهم المساهمين في إسقاط الرئيس العراقي الراحل صدام حسين بتكنولوجيا التسريبات الصوتية المسربة، بتسجيلات صوتية لأصوات قيادات الجيش العراقي تطالب الجنود بالإستسلام والإنسحاب.

 

صحيفة "الواشنطن بوست" قالت أن الولايات المتحدة الامريكية إستخدمت تكنولوجيا التسجيلات المزورة، والتسريبات الصوتية التي تتم علي لسان قادة سياسيين أو زعماء أو عسكريين، وأن تلك التكنولوجيا قادرة علي "فبركة" تسجيل أو تزوير مقطع فيديو، كشكل من أشكال "الحروب النفسية، وأظهرت أن أول فيديو مزور كان لصدام حسين لإظهاره بأنه رئيس دولة ضعيف.

 

"أيها السادة..  نحيطكم علماً أننا نخطط لإسقاط  حكومة الولايات المتحدة".. هكذا خرج صوت الجنرال كارل جورج شتاينر رئيس أركان  قيادة القوات الخاصة بالجيش الأمريكي  في بيان مُسجل، لتكشف أيضاً صحيفة "الواشنطن بوست" في فبراير من العام 1999 أنه تسجيل صوتي "مُفبرك" وأنه لم يكن يخص الجنرال "شتاينر"، وإنها كانت مجرد تجربة لتكنولوجيا جديدة متقدمة يقوم بها معمل لوس ألاموس الوطني في نيو مكسيكو.

 

العشرة دقائق وهي كل التسجيل الصوتي للجنرال الأمريكي كانت من تصميم وإعداد وإخراج "جورج بابكيون"، وهو نفس العالم الذي صمم تسجيلات مُفبركة لصدام حسين وقادتة بالجيش العراقي، كما ان هذا العالم كان قادراً على استنساخ صوت حقيقي بصورة كبير للأشخاص المراد التسجيل لهم، وقد عبر "شتاينر" عن إعجابه الشديد بالتسجيل المفبرك، وطلب الحصول على نسخة من الشريط.

 

والحقيقة أن "شتاينر"  لم يكن الضحية الأولى أو الأخيرة التي تعرضت لمخادعة من هذا النوع من قبل فريق "بابكيون"، فطبقا لصحيفة "واشنطن بوست" قام هذا الفريق بفبركة تسجيلات مختلفة ذات جودة عالية  لجنرالات بالجيش الأمريكي، بل إن رئيس أركان الجيش الأمريكي ووزير الخارجية الأسبق "كولن باول" عُرض له تسجيل  مُفبرك قال فيه نصا: أنا القى معاملة طيبة من قبل أشخاص خطفوني".

 

"حتي الفنانين كان لهم حظاً مع تلك التكنولوجيا".. فطبقا للصحيفة الأمريكية تمكن الفنان الهوليودي "توم هانكس" من خداع الشعب الأمريكي عندما ظهر في إحدي مشاهد أعمالة السينمائية وهو يصافح الرئيس "جون كينيدي" المتوفي في ستينيات القرن الماضي، وقالت في تقريرها أن تلك المؤثرات والخداع بالوسائل التكنولوجية ستكون سلاح المستقبل للوكالات العسكرية والمخابرات الأمريكية.

 

الصحيفة ذكرت أيضاً أن فبركة الصوت والفيديو والصور أسلحة سيتم استخدامها  في العمليات النفسية لإستغلال نقاط الضعف في حكومات العدو، والجيوش والشعوب لتحقيق الأهداف الوطنية في ساحة المعركة، وتطرقت إلي تاريخ فبركة الأصوات والصور، والتي تعود الي عام 1990 مع غزو العراق للكويت، حيث فكر البنتاجون في فكرة إنشاء شريط فيديو مزورة على الكمبيوتر يظهر  صدام حسين يبكي، لتظهر ضعف شخصيتة، بالإضافة الي إظهارة في بعض الأوضاع الجنسية.

 

"التسجيلات المفبركة" أحد الأسلحة التكنولوجية التي خصصت لها المخابرات الامريكية قسما خاصا بمعمل "لوس ألاموس" بإعتبارة واحد من أهم معامل الأبحاث في العالم، ويختص بمشاكل الأمن القومي للولايات المتحدة، وهو المعمل الوحيد القادر على فبركة أصوات مطابقة لمصدرها الأصلي، وكان "جورج بابكيون" قد كتب على موقعه على الشبكة العنكبوتية أنه متخصص في تحليل الأصوات، وعلي الأخص أصوات الكلام، ويمكنه تحديد المتكلم والتعرف على حقيقة الصوت كما يمكنه بالدرجة الأولى تركيب الصوت بصورة مطابقة للأصل، واعترف أنه نفذ عدة مهام لصالح وكالة الإستخبارات المركزية ووكالة الأمن القومي وجهاز الخدمة السرية في الولايات المتحدة.

 

"تغيير نمط الصوت".. بتلك الطريقة فقط يمكن تركيب تسجيلات مفبركة، وهناك بالفعل الآف البرامج التى تغير نمط الصوت، من خلال إنشاء مقاطع صوتيه تصل لدرجه تغير وضع الصوت إلى صوت كائن حى آخر، فبرنامج "voice changer" علي سبيل المثال يعد من أهم البرامج التي يمكن تحميلها علي أجهزة الحاسوب، بل ويمكن إستخدامها في أجهزة الموبايل الحديثة ليتم تغيير صوت الشخص المتصل.

 

والحقيقة التي كشفتها السنوات القليلة الماضية أكدت أن التنظيمات الإرهابية المسلحة والخارجين عن القانون قاموا بإستغلال تلك التقنيات والبرامج التي يمكن أن تُستغل في فبركة بعض الأعمال الصوتية، وعلي رأس تلك البرامج برنامج "سيري" والتي تدعمها أجهزة الآبل والأيفون، خاصة وأن تلك التقنية تقوم بتغيير درجات الصوت والتلاعب في حدتها وإرتفاعها ونغماتها عن طريق منظم صوت "ايكولايزر".

 

هناك أيضا العديد من التقنيات الصوتية الجديدة والتي تتحكم في الأبعاد الثلاثية للصوت، وعلى رآسها التقنية الحديثة "SBX Surround" والتى تتحكم في أبعاد الصوت، لتعطي إيحاء بواقعيته، وتستخدم في أغلب الأحيان لتعديل درجات الصوت خاصة في مخارج الحروف، وتليها على القائمة تقنية "SBX Bass"، كما ان هناك أنواع كثيرة من الفبركة، يمكن من خلالها تقطيع الحروف من خطابات ومكالمات سابقة، واستخدامها ومنحها لبرنامج، مع تعليمات تركيبها وتوصيلها، ليكون متاح لها، نطق كلمات جديدة باستخلاص الحروف من الكلمات القديمة، التى تم إمداده بها.

 

المثير للسخرية حقا أن تلك التقنيات كانت تُستخدم في بادئ الأمر في عمليات التلاعب في أصوات المغنيين لجعلة أكثر نقاءاً، إلى أن تحولت إلى عمل غير شرعي، بحيث يتم استخدامها في كسب المال، عن طريق التشهير بأشخاص عن طريق فبركة مكالمات وتسجيلات تنسب لهم، خاصة مع إمكانية التحكم في واقعية الصوت من خلال تشويهه عمداً بإستخدام جهاز مزج الأصوات، فتلك التقنية تتطلب استغلال أجهزة الصوت في الإستديو لخلق شخصية صوتية.

 

الطريقة الوحيدة المضمونة لخروج تسجيل لا يمكن الشك فيه، ياتي التغيير فيها على الدرجات الخاصة بالأصوات، تبدأ بالتضخيم والتضعيف "Amplitude and Fade"، ويتم في هذه المرحلة تضخيم أو تضعيف الموجات الصوتية حسب المادة الصوتية المسجلة، وعادة ما يستخدم خيار الموجة المتوسطة في الـ"Vocal"، كما أن الخيارات الأخرى تاتي حسب شدة الموجات الصوتية "dB"، ثم تأتي مرحلة الموازنة "Balance"، وهي عملية موازنة بين القناتين اليمين واليسار لكي يصبح الصوت متناسقا ومتوازنا في القناتين والخيارات الأخرى ترفع المسار الأيمن بدرجة أعلى أو العكس، بحيث تتم عمليه المعالجة الديناميكية "Dynamic Processing"، والتى تقوم بها الأجهزة بشكل أوتوماتيكي، دون أي تدخل بشري.

 

مما سبق يعني وطبقا لخبراء الصوتيات والبرامجيات التكنولوجية إن أغلب ما نراه من تسريبات صوتية، ما هي في الآساس إلا مجرد تسجيلات لمجموعة من الأشخاص الموهوبين في تغيير الأصوات، يتم التعديل عليها عن طريق تلك البرامج والتقنيات لتكون متشابهة لأصوات أخرين بنسبة تصل إلى 90%.

 

خبراء تحليل الأصوات تطرقوا إلي تقنية أخري للتعرف علي الأنماط الصوتية تسمي "Speech Morphing" أو تحويل أو تلبيس الأصوات، وهى تقنية معقدة فى علم معالجة الأصوات "Speech Processing" وتعتمد علي وجود "خميرة" من التسجيلات التى تم تجميعها لشخص ما، وعادة ما تكون شخصية عامة ومهمة، وصوت آخر "معملى"، علي ان يكون صوته قريبا من الصوت الأصلى، وان كان ليس من الضروري ان يكون متطابقا، ثم يتم استخلاص عناصر وخصائص صوتية من الخميرتين "نغمة الصوت وحدته ووقفاته وتردداته الرئيسية"، ثم يقوم الصوت المعملى بقراءة أية جملة مصطنعة، ويتم بعد ذلك تلبيس الخصائص الصوتية واستبدال صوت الشخص المعملى بصوت الشخصية العامة.

 

ولزيادة الدقة مع وجود تسجيلات كثيرة يمكن الاستعانة بمقاطع صوتية كاملة مسجلة من الصوت الأصلى "تحتوى على كلمة كاملة أو أكثر" ووضعها فى السياق ثم عمل ما يسمى بالصنفرة "Smoothing"، أو التنغيم "Intonation"، مع ضبط الخلفية الصوتية.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز