عاجل
الإثنين 4 أغسطس 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
البنك الاهلي
أينما تكونوا يدرككم الموت

أينما تكونوا يدرككم الموت

بقلم : د. أحمد الديب
لأنك بخير وأولادك كذلك ، تضع كلتا يديك في الماء البارد ، أول ما يشغلك وكل ما يشغلك وأنت تشاهد الجثث الملقاه علي الشواطيء وسط نحيب الأمهات وبكاء الأطفال ودموع الرجال ، أول ما يشغلك أن هؤلاء الشباب الغرقي قد خالفوا القواعد واخترقوا القانون .ها أنت في برجك العاجي تنعم بزخات مكيف الهواء وفي يدك ريموت التلفاز تقلبه حيث شئت  بينما تنام الأمهات الثكلي علي الأرصفة في انتظار جثث فلذات أكبادهن الذين فروا من الفقر وضيق العيش إلي رحابة الآخرة.
 
أنت تخطط لأولادك كيف سيسافرون إلي أوروبا أو أمريكا لاستكمال دراستهم بالطريقة الشرعية الغير مخالفة للقانون ، وتخطط أن تلد زوجتك وليدها في أمريكا حتي يكتسب جنسية أخري تكسبه سيادة أخري ومميزات أخري و أفضلية أخري بالطرق القانونية فأنت دائما غير مخالف للقانون .
 
ذلك القانون الذي يجعلك تقضي حاجياتك بمجرد أن تطلب رقماً هاتفياً لتأمر وتطاع ، إنه القانون الذي ترك هؤلاء الشباب بلا وظيفة ، بلا  مستقبل ، بلا أمل بينما يُعلن عليهم صباح مساء أن المنتجعات الفارهة جاهزة لاستقبال أبنائك وأن الفيلات الفاخرة ستكون في متناول أيديهم بمجرد أن يتم التحويل البنكي . كل ذلك وأكثر ثم تستكثر علينا أن ننعي أو أن نستدعي إنسانيتنا لنتعاطف مع من قُدر لهم أن تكون قيعان البحار قبورهم .
 
 لستَ أكثر منا حباً للوطن ، نحلم ليل نهار أن يصبح علي قدر أحلامنا وعلي قدر ما يستحقه من مكان ومكانة . ولست أكثر منا حرصاً علي القانون ، القانون الذي يطبق بالتساوي علي الجميع والذي يعطي كل ذي حقه . القانون الذي يلاحق الفاسدين والمجرمين ليوقع بهم . القانون الذي يحمي ذوي الكفاءة من تغول وتوغل ذوي الحظوة . القانون الذي يرسي العدل والمساواة هو الضمانة الحقيقة ليبقي هذا الوطن فينا ونبقي فيه .
 
إنك لا تطيق أن يصاب أحد أبنائك بكحة خفيفة فلا ينام الليل ولا تنام الليل بجواره ، تستخدم نفوذك ومعارفك وأموالك ليتلقي علاجه في المستشفيات الفندقية ذات الخمسة نجوم ، بينما يُعالج أبناء الفقراء الذين يموتون تحت عجلات القطار و بين أمواج البحار في أماكن أنت تعلم أنها ما عادت تصلح لعلاج قطتك المحببة إلي قلبك أو كلبك الأمين . وهكذا يتعلم أبنائك في المدارس التي تمكنهم من التحدث بثلاث لغات علي الأقل ليتمكنوا حين يكبرون من أن يعودوا إلي اوطانهم البديلة عندما تزدحم اوطانهم الأصلية بأبناء الرعاع . أبناء الرعاع الذين يحاولون ويحاولون فإذا ما وصلوا إلي الثانوية العامة يقوم مردة الجن بتسريب الامتحانات فتُجهض احلامهم من جديد.
 

من لا يدركه الموت علي الطرق الزراعية الضيقة ، يدركه علي مزلقانات السكك الحديدية أو في مياه البحار  ، ومن لا يدركه الموت في هذا أوذاك يدركه في عنابر المستشفيات. أينما تكونوا يدرككم الموت . كلنا سنموت وأنت أيضا ستموت فلا يكون هناك فرق بينما تموت في غرفة ذات خمس نجوم أو في عنبر مستشفي تسكنه الصراصير . أنت لن تفعل شيئاً لهؤلاء بينما أولادك واسرتك بخير . اتمني أن يظلوا بخير وأتمني كذلك أن تمنح الآباء والأمهات الذين يموت أبنائهم في كل يوم الحق والفرصة في البكاء بصوت مرتفع والشكوي إلي الله.



تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز