

محمد نجم
الاستثمار هو الحل
بقلم : محمد نجم
لا خلاف أن الاستثمار هو الحل لكل مشاكل الاقتصاد المصرى.. بل المجتمع عموما وخاصة أن الدولة والحكومة وكل الأجهزة المعنية تسابق الزمن لتهيئة البيئة المناسبة والجاذبة للاستثمار من خلال توفير البنية الأساسية المطلوبة.. ومنها الطاقة بكل أنواعها، وشبكة طرق عصرية لربط جميع المحافظات بموانئ الاستيراد والتصدير، فضلا عن إعادة النظر فى التشريعات المنظمة للأنشطة الاقتصادية المختلفة، وعلى رأسها قانون الاستثمار الحالى والذى أعد من قبل على عجل وأثبت التطبيق الحاجة الملحة لتعديله.
وقبل الدخول فى مناقشة مشروع القانون الجديد الذى أعدته وزارة الاستثمار وطرحته للنقاش العام فى المجتمع، تجدر الإشارة إلى أهمية الاستثمار فى البشر.. حيث إن الفرد هو صانع التقدم بأفكاره وعمله.. ومن ثم أعتقد أنه يجب أن يتواكب مع توفير البنية الأساسية للمشروعات الاستثمارية- الاهتمام بالتعليم والصحة، فالتعليم يعنى العقل.. والصحة تعتنى بسلامة الجسد، ثم يأتى التدريب المنضبط على التطورات الحديثة فى مجال الأنشطة المختلفة.
فالكل يعلم أن «الاستثمار» يبدأ بالفرد المبادر والمؤهل والمدرب، ثم تأتى «الفكرة» وأخيرا بيئة العمل سواء كانت خدمات أو تشريعات.
وأعتقد أن تجاربنا السابقة كشفت أن هناك «أفراد» تولى شركات خاسرة واستطاعوا فى سنوات قليلة تحويل الخسائر إلى أرباح، وحدث أيضا أن تولى «أفراد» شركات ناجحة فحولوها إلى خرابات تترحم على من أسسها!
وغنى عن القول أن «الاستثمار هو الحل» يجب ألا يكون مجرد شعار دعائى ترفعه، إنما يجب أن يكون ترجمة لواقع نعيشه وأن يعمل المجتمع كله على تحقيقه.
ومن له علاقة بسيطة بالاقتصاد يعلم أن الاستثمار يعنى مشروعات جديدة أو توسعات فى مشروعات قائمة.. بما يؤدى إلى خلق فرص عمل جديدة لمواجهة ظاهرة البطالة فى المجتمع، وخاصة بين الشباب القادر والراغب فى العمل، ويعنى أيضا زيادة فى الإنتاج من السلع والخدمات.. بما يؤدى لتلبية حاجات المواطنين منها.. ويطلق الاقتصاديون على ذلك «زيادة المعروض لمواجهة الطلب المتزايد» بما يؤدى للحفاظ على الأسعار الحالية.. بل تخفضيها مستقبلا.
وأيضا يؤدى الاستثمار إلى زيادة الصادرات أى إلى زيادة حصيلة البلاد من النقد الأجنبى وبما يمكن أن يساهم فى الحفاظ على أسعار الجنيه المصرى أمام الدولار الأمريكى الذى توحش فى المجتمع بصورة غير طبيعية بسبب المضاربات والأنشطة غير المشروعة!
qqq
وإذا كنا سوف نرفع شعار «الاستثمار هو الحل» لكل مشاكلنا الاقتصادية والاجتماعية، فإننا مطالبون بتوفير البيئة الملائمة لذلك.. بمعنى أن الاستثمار لا يقوم بالتشريع وحده ولا بتوفير البنية الأساسية المطلوبة من طاقة وطرق فقط.. إنما يقوم الاستثمار وتسرع وتيرته ببيئة عامة مشجعة ومحفزة.. بداية من سهولة دخول المستثمر الأجنبى لمصر.. وسهولة تحركاته فى مدنها وشوارعها، وحسن التعامل معه، وسرعة إنجاز معاملاته.. إلخ.. وما ينطبق على المستثمر الأجنبى يجب أن يكون متوافرا للمستثمر المصرى، فالأجانب لن يأتوا إلى مصر إلا إذا لاحظوا وتأكدوا أن المصريين يستثمرون فى بلدهم بكل يسر وبساطة.. بل ناجحين فى أعمالهم بمساندة الدولة والمجتمع.
كل ذلك معروف للمسئولين وغيرهم، ولكن لا بأس من إعادة التأكيد عليه.. حتى نتوقف عما سمى بالمسارات الخاصة أو الإصلاح الجزئى، حيث أعدت الوزارة مشروع قانون جديدا للاستثمار يحتوى على أكثر من 117 مادة.. كلها وبدون استثناء تقريبا.. عبارة عن تمييز للمستثمر الأجنبى وعودة إلى ما كان ألغى من قبل.
حيث يتيح المشروع الجديد منح الأرض للمستثمر بالمجان والإعفاء من الضرائب وتخفيض أسعار الطاقة بنسبة 50% وإعفاء المعدات من كل الرسوم والجمارك والضرائب وكذلك منتجات المشروعات، مع عدم جواز التدخل لتحديد أسعار المنتجات ولا حجم أرباح المشروع، وتحمل الدولة نسبة صاحب العمل فى التأمينات على العمالة المستخدمة لمدة عشر سنوات، بل إمكانية أن تتحمل الدولة أيضا تكلفة تدريب العمالة، مع الإعفاء من ضريبة الدخل نسبة 50% لمدة عشر سنوات للأفراد والشركات، وجواز التصالح فى الجرائم الجنائية المتعلقة بالنشاط، وجواز تمليك الأرض للمستثمر بعد مضى خمس سنوات من نشاطه وبدون مقابل، مع الإعفاء بأثر رجعى فيما يتعلق بتسجيل عقود التأسيس والرهن والتسجيل فى السجل التجارى!
وهو ما يعنى أن المستثمر يحضر إلينا بشنطة هدومه فقط!! حيث سيحصل على الأرض بحق الانتفاع وبالمجان ثم يتقدم للبنوك المصرية لتمويل نشاطه ويحدد هو أسعار منتجه ثم يحول أرباحه إلى الخارج وبدون قيود!
ولست أدرى لماذا لا يشترط القانون على المستثمر الأجنبى حد أدنى من الأموال وبالنقد الأجنبى، وكذلك استخدام تكنولوجيا جديدة فى الإنتاج أو تشغيل عدد معين من العمالة حتى يستفيد من المميزات التى يمنحها القانون الجديد ومنها مثلا تحمل الدولة نسبة صاحب العمل فى التأمينات على العمالة ولمدة عشر سنوات؟!
وإذا كنا سنعفى المعدات الواردة من الخارج من كل الرسوم والجمارك والضرائب تشجيعا على البدء فى النشاط، فلماذا تعفى أيضا منتجات المشروع المصدرة إلى الخارج من هذه الرسوم؟ ولماذا لا يلزمه القانون بتحويل عائد التصدير من النقد الأجنبى إلى البنوك المصرية؟!
ثم لماذا الإعفاء من ضريبة الدخل وبنسبة 50% للأفراد والشركات؟ أليس «الغرم بحجم الغنم» وهى قاعدة قانونية أصيلة، أى على قادر على ما تكسب تدفع الضرائب المستحقة للمجتمع الذى تزاول فيه نشاطك ويمكنك من تحقيق أرباح وبدون تحديد حد أقصى منها؟!
نعم مهمة وزراة الاستثمار.. تشجيع الاستثمارات المحلية، وجذب استثمارات خارجية، ولكن ليس إلى هذه الدرجة.. حيث لا يبقى إلا أن توفر للمستثمر الملبس والمأكل بعد أن اشترط القانون توفير مسكن مناسب له؟!
على أية حال.. لازال القانون مجرد مشروع معروض للنقاش العام وسوف يناقش فى مجلس الوزراء وسوف تبدى الوزارات الأخرى رأيها فيه، ثم يرسل إلى مجلس النواب لمناقشته وإقراره بعد أن يتأكد أنه سيحقق صالح البلاد والعباد.
qqq
حفظ الله مصر.. وأغنى شعبها بالرزق الحلال.