عاجل
الثلاثاء 21 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
أنا الخليفة.. ألف عام من العزلة

أنا الخليفة.. ألف عام من العزلة

بقلم : محمد عبد السلام

"صدمة مروعة.. زلزال مُدمر.. بل كارثة حلت علي تلك الأمة.. كارثة تنبئ بنهاية حياة الأرض".. هكذا تصور العالم الإسلامي بمجردأن سقطت دولة الخلافة الاسلامية في 22 رجب 1342هـ 3 مارس 1924م، فقد أجمع مسلمي الأرض علي وصفها بالصدمة الكبري، والزلزال الذي فتت هذه الامة، حتي ان أمير الشعراء أحمد بك شوقي نظم قصيدة تعبر عن تلك المأساة عندما قال:



 

ضجَّت عليك مآذن ، ومنابر *** وبكت عليك ممالك ونواح

الهند والهة ، ومصر حزينة *** تبكي عليك بمدمع سحـّاح

والشام تسأل،والعراق،وفارس *** أمحا من الأرض الخلافة ماح؟

يا للرجال ، لحـرّة موءودة *** قُتلت بغـير جريرة وجُـناح

نزعوا عن الأعناق خير قلادة *** ونضوا عن الأعطاف خير وشاح

حَسـَبٌ طولُ الليالي دونه *** قد طـاح بين عشية وصبـاح

وعلاقة فُصمت عُري أسبابها *** كانت أبر عـلائـق الأرواح

جمعت علي البر الحضور،وربما *** جمعت عـليه سرائر النـزّاح

نظمت صفوف المسلمين وخطوهم *** في كل خطـوة جمعـة ورواح

بكت الصلاة ، وتلك فتنة عابث *** بالشرع عربيد الـقضاء ، وقـاح

فلتسـمعن بكل أرض داعـيا *** يدعـو إلي الكـذب أو لسـجاح

ولتشهدن بكل أرض فتنـة *** فيـها يـباع الدين بـيع سمـاح

يُفتي علي ذهب المعز وسيفه *** وهوى النفوس وحقدها الملحـاح

 

هذا الزلزال الذي هز كيان الأمة كما يقول المفكر الاسلامي الدكتور محمد عمارة عضو مجمع البحوث الاسلامية في بحثة "الرؤية الحديثة لإحياء الخلافة الإسلامية، تمخض عن ولادة اليقظة الإسلامية المنظمة، وتبلور التيار الإصلاحي الإسلامي الذي ظل وفيا لمقاصد الخلافة وأهدافها، وحدة الأمة، وتكامل دار الإسلام، وحاكمية الشريعة الإسلامية في الأمة والدولة معًا، ولقد تميز هذا التيار الوفي لمقاصد الخلافة، والساعي إلي تجديدها وإحيائها، "بالواقعية العلمية"، فسعي إلي التجديد في شكل الخلافة ونظامها لتكون ملائمة للواقع الوطني والقومي الذي تصاعدت حقائقه ودعواته، ولتكون أيضا أقدر علي تحقيق المقاصد والغايات المنوطة بها في هذا الواقع الجديد.

 

لذلك يعد حلم "إحياء دولة الخلافة" من أهم الأهداف التي يروج لها تيار الإسلام السياسي بمختلف فصائله وأكثرها شعبية في الشارع وجذبا للأصوات الانتخابية وللمؤيدين الحالمين بعودة العصر الذهبي، حين كان "أمير المؤمنين" يضطجع في قصره على ضفاف نهر دجلة ويخاطب السحابة المارة فوقه قائلا: "أمطري حيث شئت فسوف يأتيني خراجك".

 

القراءة المحايدة للتاريخ، وهي نادرة الوجود في ثقافتنا العربية للأسف، أثبتت أن العصر الذهبي الذي صوروه لنا لم يكن ذهباً خالصاً، ولم تكن جنة الأرض، فالخليفة الذي خاطب السحابة كما تنقل لنا الروايات، هارون الرشيد كان يقتل الناس بسبب الهوية، وما حدث للعلويين والبرامكة خير شاهد، كما أن دولة الخلافة لم تكن سوى شكلًا من أشكال "الإمبراطوريات" السائدة في العالم في ذلك العصر، وتحولت إلى "مُلك" كل هدفه توسيع نفوذ الإمبراطور أو "الخليفة" بقدر الإمكان" وجلب أكبر قدر ممكن من الخراج أو "الضرائب" إلى خزائنه التي ينفق منها كيفما يشاء، فإن كان صالحا أنفقها علي الخير، وإن كان غير ذلك وهم الأغلبية، يدفع الفقراء ثمن فساده ويزج بهم إلى حروب لا نهاية لها في بلاد بعيدة ليست كلها من أجل نشر الدين أو إعلاء كلمة الحق.

 

فلم تخل عصور "دولة الخلافة" من ثورات وتمرد وانشقاقات وفتن مذهبية في مختلف أطرافها، ولم تخل من تقاتل بين المسلمين وبعضهم لخلافات مذهبية أو سياسية أو لصراع على السلطة أو النفوذ، بل لم تخل أيضا من استقواء بغير المسلمين ضد المنافسين من المسلمين، ومن يقرأ تاريخ أئمة الفقه والفكر الإسلامي أمثال ابن حنبل وأبي حنيفة والبخاري والحلاج والطبري وابن رشد وكثيرين غيرهم، يرى ما عانوه جميعهم من بطش وتنكيل من الحكام "الخلفاء وأعوانهم" بسبب إصرار الحاكم على تطويع الدين لموافقة رغباته الشخصية في البقاء على عرشه، أو توسيع حدود ملكه ورفضه لأي فكر يجعل العامة يشككون في شرعية جلوسه على العرش، وجلوس أبيه من قبله وابنه من بعده.

 

لكن متي انتهت دولة الخلافة الاسلامية؟، لا اعتقد ان مثل هذا التساؤل يمكنه ان يثير اي دهشة خاصة وان التاريخ المكتوب يعلن صراحة عن سقوط الخلافة الاسلامية بسقوط الدولة العثمانية عام 1924، ولكن في الحقيقة لم تكن "دولة الخلافة" دولة واحدة موحدة إلا في القرن الأول الهجري، ولم يعرف العالم حاكما واحداً يحكم كل بلاد المسلمين كما يتوهم مروجو أسطورة "العصر الذهبي" الحاليون، فمن ينظر الي خريطة العالم الاسلامي في منتصف القرن التاسع الهجري علي سبيل المثال، اي في عز قوة الدولة العباسية الاولي سيجد العالم الاسلامي منقسم الي اكثر من عشر دول، وهم السامانيون والعلويون والحمدانيون والصفاريون والبويهيون والقرامطة وبنو طولون والساجيون والاغالبة والادارسة وبنو أمية وخلافة قرطبة.

 

حتي الأندلس كانت مقسمة بين دويلات كثيرة متناحرة ومتصارعة في أغلب الأحيان، معظمها لا تزيد على حدود مدينة واحدة ولكل منها حاكم يسمي نفسه "أمير المؤمنين" ويدعو له خطباء المساجد على المنابر بالنصر على الأعداء، وكثير من الأقاليم كذلك استقلت وأقامت دويلات أخرى، فاطميون وسلاجقة ومرابطون وسامانيون وزنكية وأدراسة وغيرهم الكثير.

 

وتبادلت السيطرة على المدن الكبرى في شمال أفريقيا والشام والعراق وبلاد ما وراء النهر، كما قامت ممالك كبيرة في بلاد بعيدة لا تربطها بدولة الخلافة أية صلة مثل إمبراطورية المغول المسلمين في الهند التي كان من أبرز إسهاماتها الحضارية ضريح تاج محل، ومثل عشرات الملايين في جنوب وجنوب شرق آسيا الذين لم "تفتح" بلادهم وإنما دخلوا في الإسلام طواعية ولم يكونوا يوما تحت إمرة الخليفة.

 

القضية ليست في الخلافة الإسلامية ولا يمكن أن أنكرها علي الإطلاق، ولكني أمهد لمفهوم وفكر الإسلام السياسي عن الخلافة الإسلامية وحلم العودة إليها كنوع من استمالة الجوانب العاطفية للشعوب الإسلامية، فهناك تيارات إسلامية تؤمن أن الخلافة سقطت بسقوط الخلافة العثمانية، وهناك تيارات اخري لا تعترف سوي بخلافة الخلفاء الراشدين فقط، وهؤلاء ما يمكن وصفهم بالمنعزلين عن المجتمع الاسلامي بعد 1400 من ظهور الإسلام.

عبد الرازق السنهوري باشا واحد من أهم من انتقد "العلماء التقليديين" الذين تمسكوا بالخلافة الإسلامية بشكلها التقليدي القديم، متجاهلين الصعود المعاصر للنزعات الوطنية والقومية، والذين يحلمون ببعثة كما كان في عهد عمر بن الخطاب "40 هـ -23هـ / 584- 644م" أو المنصور العباسي "95-185هـ / 714-775م"، كما ناقش السنهوري وانتقد التيارات المتغربة، تلك التي تريد إحلال التشرذم الوطني والتعصب القومي بمعناهما الغربي محل رابطة الأخوة الإسلامية، والذين يريدون أن يندمجوا دون تحفظ بالمجتمعات الغربية، دون الإلتفات إلي الفروق الناتجة عن البيئة والعقلية والتاريخ.

 

وتحت عنوان "رأي شاذ" كان رد السنهوري علي ما جاء بكتاب "الإسلام وأصول الحكم" للشيخ علي عبد الرازق "1305-1386هـ / 1887-1966م"، قدم خلالة السنهوري باشا تصور "واقعي.. ومستقبلي" للخلافة الإسلامية يراعي مقتضيات التمايز الوطني والقومي السائد في واقع العالم الإسلامي، ويوفق بين هذا الواقع وبين شكل جديد للخلافة الإسلامية، لا يتجاهل هذه المستجدات الواقعية، ويحقق في ذات الوقت المقاصد الإسلامية من وراء هذا النظام الإسلامي المتميز والعتيد وحدة الأمة وتكامل دار الإسلام، وإسلامية القانون الحاكم للمجتمعات الإسلامية، وحول هذا التصور الواقعي والمستقبلي للخلافة الإسلامية كتب الدكتور السنهوري باشا يقول:

 

"بما أنه يستحيل اليوم تصور إقامة نظام الخلافة الراشدة أو الكاملة، فلا مناص من إقامة حكومة إسلامية ناقصة، وذلك علي أساس حالة الضرورة، للظروف التي يمر بها العالم الإسلامي حاليا، وهذا النظام الإسلامي الناقص يجب اعتباره نظاما مؤقتا، وهدفنا المثالي هو السعي إلي العودة مستقبلا للخلافة الراشدة "الكاملة"، إن نظام الخلافة الراشدة التي يجب إقامتها مرة أخري في المستقبل يجب أن ينصف بالمرونة، لقد رأينا أن الشريعة الإسلامية لا تفرض إطلاقا شكلاً معينا لنظام الحكم، وكل نظام تتوفر فيه الخصائص الثلاث المميزة للخلافة هو نظام شرعي وصحيح، إنه يجب علينا أن نأخذ في الإعتبار الإتجاهات القومية والنزعات الإنفصالية في بعض البلاد الإسلامية، وهي اتجاهات تزداد يوما بعد يوم، لذلك فإنه يجب علينا أن نجد حلاً يمكن أن يضمن صورة من صور الوحدة بين الشعوب الإسلامية، مع إعطاء كل بلد نوعا من الحكم الذاتي الكامل".

 

إن وحدة الإسلام في صورة متطرفة غير مرنة لدولة مركزية لم تعد ممكنة الآن، وإن فكرة تكوين منظمة للشعوب الشرقية يمكنها أن توفق بين الإتجاهات القومية الناشئة، مع ضرورة تأمين قدر من الوحدة بين الشعوب الإسلامية، ولقد عاد السنهوري ليؤكد اجتهاده هذا في إحياء الخلافة الإسلامية وتجديدها، فكتب ضمن ما كتب بدراسته عن "الإسلام: دين ودولة" بمجلة المحاماة الشرعية سنة 1929، كتب عن الخلافة الإسلامية الجديدة، التي هي السلطة التنفيذية في النظام السياسي الإسلامي فقال: "إن حكومة الخلافة – السلطة التنفيذية في الإسلام – هي حكومة خاصة، تمتاز عن سائر الحكومات بالمزايا الآتية:

 

أولا: أن الخليفة ليس حاكما مدنيا فحسب، بل هو أيضا الرئيس الديني للمسلمين، ولا يتوهم أن للخليفة سلطة روحية شبيهة بما ينسبه النصارى للبابا في روما، فالخليفة لا يملك شيئا من دون الله، ولا يحرم من الجنة، وليس له شفاعة يستغفر بها للمذنبين، هو عبد من عباد الله لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا، ولي أمور المسلمين في حدود معينة، ومعني أنه الرئيس الديني للمسلمين، هو أن هناك مشاعر عامة يقوم بها المسلمون جماعة كصلاة الجماعة والحج، وهذه لا تتم إلا بإمام هو الخليفة، لذلك نطلق كلمة الإمام خاصة علي الخليفة إذا ولي اختصاصاته الدينية، ونطلق عليه لقب أمير المؤمنين إذا ولي اختصاصاته المدنية.

 

ثانيا: أن الخليفة في استعمال سلطته التنفيذية يجب عليه أن يطبق أحكام الشريعة الغراء، وليس معني هذا أنه ملزم بالسير علي مذهب خاص، من المذاهب المعروفة، فله بل عليه وهو مجتهد أن يراعي ظروف الزمان والمكان، وأن يطلب من المجتهدين أن تجتمع كلمتهم علي ما فيه المصلحة لهذه الأمة، ولو خالف ذلك كل المذاهب المدونة في الكتب، ومعلوم أن إجماع المجتهدين مصدر من مصادر التشريع.

 

ثالثا: أن سلطان الخليفة يجب أن يبسط علي جميع العالم الإسلامي، فوحدة الإسلام حجر أساسي في الدولة الإسلامية، ووحدة الإسلام تستتبع وحدة الخليفة، يجب أن يكون علي رأس الإسلام خليفة واحد، وهذه هي الخلافة الكاملة، ولكن الظروف قد تلجئ المسلمين، وقد تمزقت وحدتهم، أن ينقسموا أمما، لكل أمة حكومتها، فيجوز تعدد الخليفة للضرورة، ولكن الخلافة هنا تكون خلافة غير كاملة.

 

علي أن الخلافة الكاملة يمكن تحقيقها إذا اجتمعت كلمة المسلمين، لا علي أن تكون لهم حكومة مركزية واحدة، فذلك قد يصبح مستحيلا، بل يكفي أن تتقارب حكومات الإسلام المختلفة وأن تتفاهم، بحيث تتكون منها هيئة واحدة شبيهة "بعصية أمم إسلامية" تكون علي رأس الحكومات، وتكون هي هيئة الخلافة ولاسيما إذا ألحق بهذه الهيئة مجلس مستقل منها، يكون مقصورا علي النظر في الشئون الدينية للمسلمين".

 

هكذا قدم السنهوري باشا أبرز الإجتهادات الفقهية والدستورية الحديثة، لإحياء الخلافة الإسلامية، وأبو القانون المدني، وضعاً وشرحاً، وواضع المقومات القانونية والدستورية للعديد من في عشرينيات القرن العشرين "بالإمام الخامس" لقدمه الراسخة في فقه الشريعة الإسلامية، وبعد عشر سنوات من كتابة السنهوري باشا دراسته المهمة عن "الدين والدولة في الإسلام" جاء الإجتهاد الثاني علي خطي السنهوري، موفقاً بين دوائر الإنتماء الوطني والقومي والإسلامي، ومحدداً الشروط الممهدة لإحياء الخلافة الإسلامية.

 

الحقيقة المرة

 

ربما سيتلاشى تماما حلم إحياء الخلافة الإسلامية إثر الإعلان عن أحدث خريطة لتوزيع المسلمين على مستوى العالم، أو على الأقل ستتلاشى تلك الفكرة لدى الحالمين العرب، خاصة اذا علمنا أن العالم الإسلامي يتشكل من 13% من الإندونيسيين سيمثلون رعايا لدولة الخلافة، وأن 11% من الباكستانيين، وأن 10% من الهنود، و9% من البنغاليين، وحوالي 5% من النيجيريين، وهذا يعني أن العرب الذين لا يشكلون سوي اقل من 10% فقط لن يكون لهم في الخلافة ناقة ولا جمل.

 

فبحسب الخريطة سنجد أن 20% من المسلمين يعيشون في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وجميع الدول العربية تقع ضمن هذه المنطقة باستثناء الصومال وجيبوتي وجزر القمر، ولكن هذه النسبة ليست خالصة للعرب، فإيران وتركيا تعدان من دول الشرق الأوسط، والإيرانيون يشكّلون 5% من المسلمين، والأتراك 5%، وفي النهاية سنكتشف ان العرب فرّطوا في الكثير في مقابل دغدغة مشاعرهم الدينية لبعض الوقت، وفي مقابل تحرير فلسطين، لبعض الوقت، فلا يُستبعد أن يستوطن فيها فقراء آسيا وإفريقيا، وفي مقابل الدخول في نادي الدول العظمى، لبعض الوقت، لأن الجهاديين لن يغمض لهم جفن إلا بعد أن يمحو الشرك والكفر ويرثوا الأرض.

 

لذلك.. فعلى الحالمين العرب أن يسألوا أنفسهم: من سيكون الخليفة؟ وأي قومية ستكون لها الكلمة العليا في ظل حقيقة أنه في كل عصور الخلافة كانت هناك عناصر معينة تستأثر بالخير وتنفرد بالسلطة؟ وبالطبع لن تؤول الأمور إلى العرب، فبالإضافة الي أنهم أقلية، فإن ما بينهم من تنافس وتناحر سيجعل اتفاقهم مستحيلاً، خصوصاً أن الخلافات العربية ما عادات على مستوى الأنظمة فقط.

 

وحتي اذا قيل إن السيادة ستكون للشرع لا للبشر، فالحقيقة هي أن الشرع لا يسود إلا من خلال أجهزة يديرها بشر، ومن ثم تصبح السيادة فعلياً لهم لا للشرع، واذا قيل إن السلطة ستكون للأمة التي تختار الحاكم من خلال صناديق الاقتراع، فعلى العرب وفي ظل ضآلة نسبتهم، أن يستعدوا لأن يتسلط غيرهم على رقابهم، ويسعى إلى طمس هويتهم، وإلغاء ثقافتهم.

 

وإذا تجاوز المسلمون هذه الإشكاليات، فأي نظام سيتبنونه: النظام الطالباني، أم ولاية الفقيه، أم النظام الإخواني، أم نسخة محدثة عن الخلافة التي يخاطب فيها الخليفة السحاب قائلاً: "امطري حيث شئت فإن خراجك سوف يأتين، لكن الخراج لن يأتي هذه المرة إلى بغداد، وإنما إلى جاكرتا أو انقرة أو طهران أو دكا أو لاجوس ومن ثم يعاد توزيعه على الأمصار، وقد يتكسد هناك ويخطب الخليفة قائلاً: "إنما أنا سلطان الله في أرضه، وخازنه على فيئه، أقسمه بإرادته وأعطيه بإذنه، وقد جعلني الله عليه قفلاً، إذا شاء أن يفتحني فتحني لإعطائكم، وإذا شاء أن يقفلني عليه أقفلني".

 

وما هو مذهب الدولة الرسمي؟ بالطبع لن يقول أحد إنه الإسلام وكفى، فأي إسلام هو: إسلام "طالبان" التي تجلد غير الملتحين، أم إسلام شباب الصومال الذين يجلدون النساء لأنهن يرتدين حمّالات الصدر، أم إسلام إيران التي تسيّس حتى فريضة الحج؟ وإذا كان لعاب دعاة الخلافة يسيل وهم يرون التجربة الماليزية أو التركية، فعليهم أن يستعدوا لمضاعفة فشلهم بانضمام الفاشلين الآخرين معهم، فأغلبية الدول الإسلامية دول فقيرة ينخر فيها الفساد.

 

واذا قيل إن الحالمين يدركون بأن الأوضاع الحالية لا تساعد على إحياء الخلافة، ولا بد من عودة المسلمين إلى دينهم أولاً، فإن هذا الطرح يعيد الأمور إلى نقطة الصفر، لأن كل مذهب أو مدرسة أو عرق أو حتى جماعة تفهم الإسلام بطريقتها وبما يتوافق مع حضارتها وثقافتها، ومن ثم تصبح عودة الخلافة أقرب إلى الخيال منها إلى الحلم المشروع.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز