

د. أحمد الديب
العدالة الاجتماعية في الرعاية الصحية
بقلم : د. أحمد الديب
إن كان المواطن يستطيع صبراً علي ارتفاع أسعار السلع إلي حين ، فإنه قطعاً لا يستطيع الصبر علي المرض ، المرض نقطة ضعف عميقة ومعاناة شديدة ليس فقط عند المريض الذي يعاني من المرض بشكل مباشر ولكن تمتد المعاناة لتشمل ذويه الذين يحملون مسؤولية علاجه ورعايته .
لم يعد الحديث عن توفير خمات صحية للفقراء من المرضي محض رفاهية لا من الناحية الاجتماعية ولا حتي من النواحي السياسية ، كما لم تعد ذريعة ضعف الإنفاق علي الرعاية الصحية تنطلي علي أحد وأجزم أننا نستطيع أن نوفر خدمة صحية جيدة للفقراء ومحدودي الدخل علي الأقل في مستويات الرعاية الصحية الأولية إذا ما صدقت الإرادة السياسية واتضحت الرؤي وبرزت المواهب الإدارية والتنظيمية والتنفيذية.
في العام 1966 اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة ما يسمي بالعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية , The International Covenant on Economic, Social and Cultural Rights (ICESCR) ,بما في ذلك الحق في الصحة فاعترفت المادة 12 من العهد بحق كل شخص في "التمتع بأعلى مستوى ممكن من الصحة البدنية والعقلية" ومن خلال نظام شامل للرعاية الصحية والتي هي متاحة للجميع دون تمييز.وهو من الحقوق الشاملة لا يقتصر على تقديم الرعاية الصحية الملائمة في الوقت المناسب ولكن يتطرق إلي المحددات الأساسية للصحة مثل الحصول على مياه الشرب المأمونة ومرافق الصرف الصحي الملائمة وإمدادات كافية من المواد الغذائية الآمنة والتغذية والسكن والظروف الصحية والمهنية البيئية. وقد وقعت مصر علي العهد في سنة 1967 وتم التصديق عليه في سنة 1982. وأورد العهد ان الحق في الصحة لا بد ان يكون فاعلا من خلال تحقيق الاشتراطات التالية :-
1- تخفيض وفيات الأطفالوضمان الت نمية الصحية للطفل.
2- تحسين الصحة البيئيةوالصناعية .
3- منع وعلاج والسيطرة علىالأمرا ض الوبائية والمتوطنةوالمهنية و الأمراض الأخرى.
4- تهيئة الظروف لضمانالحصول على الرعاية الصحيةللجميع.
في مطلع العام 2016 أصدر البنك الدولي خارطة طريق من أجل تحقيق العدالةالاجتماعية في الرعاية الصحية في مصر من خلال خارطة طريق أبرز أهدافها تحسين صحة الفئات محدودة الدخل عن طريق توفير مقدمي الخدمة والدعم المالي المستمر وتحسين جودة الرعاية الصحية المقدمة.
يتلخص مفهوم العدالة الاجتماعية في الرعاية الصحية في أحقية كل افراد المجتمع في الحصول علي خدمات صحية ذات خصائص معينة ونستطيع تلخيص هذه ةالخصائص في النقاط التالية :-
1- التوفر ((AVAILABILITY : من خلال توفيرأعداد كافية من المرافقالص حية العامة والموزعة توزيعا جغرافيا مناسباً ،وتوفر الخدمات والبرامج.
2- الوصول للخدمة الصحية(ACCESSABILITY): وهي سهولة الوصول للمرافق الصحيةوالسلع والخدمات والتي يجب أن تكون في متناول الجميع. وللوصو لأربعة أبعاد متداخلة وهي عدمالتمييز و الوصول المادي وال وصولالاقتصادي (القدرة على تحمل التكاليف) والوصول إلى المعلوما ت.
3- القبولACCEPTABILITY) ): جميع المرافق الصحية والسلع والخدمات يجب أن تحترم الأخلاق الطبية وأ نتكون مناسبة ثقافيا وأن تراعيم تطلبات الجنسين ودورة الحياة.
4-الجودة QUALITY)):المرافق الصحية والس لع والخدماتيجب أن تكون مناسبة علميا وطبياوذات نوعية جيدة.
تشير منظمة الصحة العالمية الي أن الأحقية والعدالة في الرعاية الصحية لا بد أن تكون من أولويات الحكومات والتي ينبغي أن توفر كافة الظروف التي يمكن من خلالها توفير الخدمات الصحية لجميع مواطنيها دون تمييز ,بالإضافة إلي توفير البيئة الصحية الملائمة والمسكن الصحي والطعام الصحي.
لقد تبنت العديد من الدول النامية مفهوم "الصحة للجميع " وتم تضمينه في برامج إصلاح الرعاية الصحية ,وتعتبر كوبا من أفضل الأمثلة التي ينبغي أن نضربها دائماً في هذا المضمار, وطبقا لتقرير منظمة الصحة العالمية في العام 2008 فإن كوبا قد كرست نظام الرعاية الصحية الأولية نحو ذلك المفهوم ,وبرغم الموارد الشحيحة فقد نصاب بالدهشة حين نعلم ان كوبا المصنفة كدولة من دول العالم الثالث قد وصل فيها معدل وفيات الرضع إلي حوالي 4.7 لكل 1000 ولادة محققة معدل مساوي تقريبا لمثيله في كندا والولايات المتحدة واستراليا,بينما كان معدل وفيات الرضع في العام 1960 حوالي 60 لكل 1000 ولادة.
وفي مصر ومن أجل تحقيق مفهوم الحق في الصحة أو العدالة الاجتماعية في الرعاية الصحية بجوهره لا بمظهره لا بد لنا من قراءة الفرص والتحديات علي السواء ,وفي الحديث عن الفرص فإنه من الانصاف أن لا نغفل المجهودات التي بذلت والنتائج التي تحققت في هذا السياق ,ففي إطار برنامج الدولة لإصلاح الرعاية الصحية ثمة محاولات لوضع وتفعيل نموذج للتامين الصحي الشامل قوامه الفصل بين التمويل عن مقدم الخدمة, وقد سجلت إنجازات كبيرة في مصرفي العشر سنوات الأخيرة ليس فقط علي مستوي البنية الاساسية من حيث زيادة أعداد وحدات الرعاية الصحية الأولية ولكن في تحسين معدلات مخرجات الصحة و تحسين الحالة الصحيةلسكانها تمث ل في انخفاض ملحوظ في معدل الوفيات العام و معدلوفيات الرضع و وفيات الأمهات.
لكن الطريق لا يزال طويلا والتحديات ليست بالهينة وتتلخص في :-
1- ضعف الإنفاق العام علي الصحة.
2- عدم رضاء الأطباء والعاملين بالقطاع الصحي.
3- نقص أعداد الكفاءات التمريضية المؤهلة والمدربة.
4- ترهل النظام الإداري الصحي وضعف كفاءته.
5- عبء الإصابة بالفيروس الكبدي C خاصة بين القطاعات الفقيرة.
6- الرعاية غير المنصفة للأمهات والاطفال والأطفال حديثي الولادة خصوصا في المناطق الريفية والفقيرة.
7- التدهور الملحوظ في الصحة النفسية وزيادة معدلات الادمان.
8- ضعف دور المجتمع المدني والمنظمات الاهلية في تحقيق العدالة الاجتماعية في الرعاية الصحية.
ومصر كي تستطيع أن تمضي قدماً في طريق رعاية صحية منصفة عادلة وذات جودة عالية ثمة خطوات لا غني عنها ولا يمكن المساومة عليها:-
1- إنشاء المجلس الاعلي للصحة ليكون بمثابة بوصلة التوجيه للخدمات الصحية في مصر وينطلق من المفاهيم الجوهرية لتحقيق العدالة الاجتماعية في الرعاية الصحية.
2- تحسين ميزانية الصحة في الموازنة العامة للدولة .
3- حل المشكلات المالية للأطباء والعاملين بالقطاع الصحي.
4- توسيع الحماية المالية من خلال نظام تأمين صحي ااجتماعي للفقراء يتم من خلاله فصل التمويل عن الخدمة.
5- تبني مفاهيم جودة الرعاية الصحية.
6- ضمان التوزيع العادل للموارد والقوى العاملة الصحية .
7- التركيز على تقديم الخدمات للفئات المحرومة.