عاجل
الأحد 28 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
المشروع القومي لمواجهة الحفاء

المشروع القومي لمواجهة الحفاء

بقلم : غادة نوارة

لمن يتباكون على أيام الملكية وأيام العز وأكل الوز .. إذا كانت القاهرة عاصمة الموضة وتظهر بها قبل باريس، وكانت شوارع القاهرة نظيفة وجميلة ومبانيها فخمة وأنيقة، والجنيه المصري قيمته أعلى من الدولار وكانت بريطانيا مدينة لمصر بملايين الجنيهات الاسترلينية .. إذن لماذا قام الضباط الأحرار بثورة يوليو 52 ولماذا خرجت جموع الشعب لتؤيدها؟



قامت ثورة يوليو لانتشال مصر من براثن أوضاع اجتماعية واقتصادية متردية وقهر اجتماعي لا حدود له، والاطاحة بالملك فاروق – حضرة صاحب الجلالة مولانا الملك المعظم الذي ينحني له الشعب عن بكرة أبيه والذي تولى حكم مصر سنة 1936 وعمره 16 عام فقط - وانهاء الاحتلال البريطاني .. وبالرغم من الكثير من السلبيات في تطبيق أهداف الثورة وعدم تطبيق البعض الآخر منها، والتي نعاني من نتائجها وتداعياتها والمشكلات الناتجة عنها حتى الآن، وبغض النظر عن الأخطاء التي ارتكبها بعض رجال الثورة وهذا ليس ما أركز عليه هنا .. إلا أنه علينا قبل أن نحكم على ثورة 52 ونقوم بتقييمها ورصد سلبياتها وايجابياتها علينا أن نسأل أنفسنا أولاً كيف كان يعيش غالبية المصريين من العمال والفلاحين والحرفيين والموظفين قبل الثورة؟ هل كان جميع المصريين يعيشون في القاهرة وفي أحياء راقية في هذه المباني الأنيقة والتي بُنيت على الطراز الانجليزي والايطالي؟ هل كان متوسط الدخل الفردي يكفي للحياة الكريمة وفرص التعليم والخدمات الصحية وغيرها متاحة لعموم المصريين؟

فالأوضاع الداخلية في مصر قبل الثورة كانت متدهورة، المحتل البريطاني يسيطر على مقدرات الدولة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية مدعوم بجيش الاحتلال مكون من 80 ألف جندي بريطاني يعيشون على أرض مصر، ويسيطر أيضاً طبقة عميلة أنشأها جيش الاحتلال من المصريين لمؤازرته وخدمة مصالحه، ومن الجاليات الاجنبية التي لجأت إلى مصر المستقرة هرباً من الحروب العالمية التي نشبت وجرت رحاها في أوروبا وما حولها .. وتقدم الوثائق معلومات وحقائق حالكة السواد فلم تكن خيرات مصر ملك لأهلها .. كان الاقتصاد المصري متخلف وتابع للاحتكارات الرأسمالية الأجنبية، كان هناك 960 شخص يحتلون الوظائف الأساسية في مجالس ادارات الشركات الصناعية من بين هؤلاء 265 مصري فقط ، وانقسم الشعب المصري إلى طبقتين الطبقة الأولى قليلة العدد تتكون من الزعماء الاقطاعيين وسيطرت على ثروات الدولة، والأغلبية الساحقة من الفلاحين والعمال والحرفيين وصغارالتجار محرومين من ثروات البلاد ومن الخدمات الأساسية كالصحة والتعليم والمرافق الأساسية كالماء النظيف والكهرباء والصرف الصحي، 5. % من الملاك كانوا يمتلكون ثلث الأراضي الزراعية 280 شخص يمتلك 6 مليون فدان، وفي المقابل ملايين من الفلاحين المعدمين، كانت نسبة الفقر والأمية 90% من أبناء الشعب المصري، حتى قيام الثورة لم يكن بمصر إلا ثلاث جامعات .. جامعة فؤاد الأول ( القاهرة حالياً ) وفاروق الأول ( الاسكندرية ) وجامعة ابراهيم باشا ( عين شمس ) ، وتم البدء في انشاء الجامعة الرابعة في أسيوط، كان يعاني المصريون من ظلم وقهر وسوء توزيع للثروات، 45% من الشعب يعاني من البلهارسيا والتي تسببت في اصابة الكثيرين بالسرطان، نسبة المعدمين من سكان الريف عام 1952 كان 80% .. وكان المشروع القومي لمصر هو القضاء على الحفاء، فكان شعار أي حزب للحصول على الأغلبية في البرلمان لتشكيل الحكومة هو مقاومة الحفاء، وفي عيد الجلوس الملكي أعلن الديوان الملكي أن الملك تبرع بمجموعة من الأحذية للفقراء.

أما بالنسبة للوضع السياسي فقد استمر الاحتلال لأكثر من 70 عام استمر معه الفقر والجهل والمرض، وكانت مصر تعاني من عدم استقرار سياسي واقالة الحكومات بشكل مستمر، فقد شهدت الستة شهور التي تسبق قيام الثورة حوالي خمسة أو ستة وزارات بمعدل رئيس حكومة جديد كل شهر، ولم تكن لمصر سياسة خارجية مستقلة ولكن كانت تدور في فلك المحتل البريطاني رغم اعتراف بريطانيا باستقلال مصر بعد انهاء الحماية البريطانية عليها ووضع أول دستور للبلاد سنة 1923 فكان هذا الاستقلال صورياً فقط بدليل استمرار التدخل السافر في الشئون الداخلية المصرية والزج بمصر رغماً عنها في حروب عالمية واحدة تلو الآخرى ولم يكن لنا في أي منها ناقة ولا جمل، وشاركت مصر مجبرة في هذه الحروب بالأفراد والعتاد، وقدمت مجبرة أيضاً خدمات ادارية ولوجيستية للقوات البريطانية، من توفير للوقود واصلاح السفن وتموينها وتصنيع الملابس وتوفير المواد الغذائية للجنود وتقديم العلاج لهم وهذا الدعم هو ما يساوي الديون التي يتحدث عنها البعض، وأياً كان تقيمنا للثورة وما لها وما عليها فالماضي قد حدث وانتهى ولا نستطيع تغييره أما المستقبل فمن صنع أيدينا وعلينا أن نتقن صنعه.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز