عاجل
الأحد 13 يوليو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
البنك الاهلي
النصف غير الآخر.. «١» فتاة الأرجنتين

النصف غير الآخر.. «١» فتاة الأرجنتين

بقلم : سامية صادق

التقيت به في أمريكا.. وكم أدهشتني رحلة بحثه الطويل عن نصف آخر يشبهه ويكمله.. رغم أنه يبدو إنسانا عاديا غير رومانسي.. وربما يصدمك بأسلوبه في الحديث الذي لا يخلو من حدة.. إلا أنك حين تعرفه جيدا تتعجب من قلبه الرقيق وإحساسه المرهف الذي لا يظهر إلا في المواقف الإنسانية.



حكت لي شقيقته عن حيرة أخيها المغترب وفشله المستمر في زواج غير مستقر.. وأنه لم يحسن اختيار الزوجة المناسبة في المرتين السابقتين اللتان تزوج فيهما.. وكيف أن كل زوجة كانت تستغله وتتربح من ورائه ثم تطلب منه الطلاق.. ورغم ذلك لم ييأس بل يجتهد في البحث عن نصفه الآخر من جديد!!.. حتى أنه جاب معظم ولايات أمريكا والكثير من الدول العربية والأجنبية للبحث عن امرأة تشاركه حياته ويجد معها السعادة التي ينشدها.. فكلما أخبره أحد أن لديه عروس مناسبة.. يتصل بها على الفور وبعد مكالمة أو إثنين يحجز تذاكر الطيران ويسافر إليها محملا بالهدايا والعطايا.. لقد بحث عن زوجة في مصر ولبنان والمغرب وتونس وفرنسا والأردن.

وكم شهدت مطارات العالم لحظات إستقبال ولحظات وداع مع نساء يلتقي بهم للمرة الأولى !!

إن ما حكته شقيقته جعلني أتعاطف معه وأشفق عليه من حيرته ووحدته.. وأشعر أنه يؤمن بالحب وبأنه ليس له وطن أو دين.

والقصة الوحيدة التي سمعتها منه شخصيا وتأثرت بها كثيرا.. قصة حبه لفتاة أرجنتينية تعرف عليها عبر "الإنترنت" وأعجب بشخصيتها وجمالها.. وكان يمضي معها الساعات الطويلة خلف شاشة الكمبيوتر ويحرص أن تشاركه أكبر وقت ممكن في يومه.. فيفتح لها الكاميرا في سيارته وفي الشارع وحين يذهب لتناول الغداء أو العشاء في المطاعم وأحيانا وهو يجلس مع أصدقائه.. حتى صارت حياته تدور حول الفتاة الأرجنتينية الشقراء.. وظلا يحلمان معا باللقاء المنتظر.. ويعدها أن يسافر لها ليتزوجها ثم يصطحبها معه إلى أمريكا.. حتى أنه بدأ يدخر ثمن تذكرة الطيران وتكاليف الرحلة ليفي بوعده لحبيبته.. حيث كان أيامها يعمل في محل دجاج بولاية كاليفورنيا ودخله محدود.. إلى أن استطاع أن يجمع المبلغ الذي يكفيه لتلك الرحلة الهامة والفارقة في حياته.. ويسافر لها.. وفي الطائرة يظل قلبه يخفق كصبي مراهق يتهيب لقاء حبيبته التي عشقها وحلم بها ورسم معها حياته ومستقبله طوال عاما كاملا دون أن يراها.. ولم يتبق سوي ساعات قليلة ويتحول الحلم لحقيقة.. أن الطائرة أوشكت على الوصول لمطار (لوزير بيستارينيي الدولي) بالأرجنتين حيث تنتظره حبيبته.. لقد أحضر إليها الكثير من الهدايا التي ستسعد بها.. أنه يعرف ما تريده جيدا ويستطيع أن يتنبأ بذوقها ولذلك يتوقع أن تفرح باختياره لهداياها.

تتطلب المضيفة من الركاب ربط الأحزمة فالطائرة تستعد للهبوط.. ويشعر كأن قلبه يهبط مع الطائرة.. أنها مشاعر جديدة تنتابه مابين الخوف والفرح ما بين القلق والسعادة.. دقائق قليلة وسيراها أمام عينيه تلك الشقراء الجميلة التي خطفت قلبه والتي جاء يقطع الأميال من أجلها !!!

فكم يشتاق إلى عينيها الزرقاوين وابتسامتها الحالمة وملامحها الدافئة.

ويخرج لصالة الوصول وعيناه تتنقل بين الوجوه ليفاجأ بفتاة تندفع إليه بسرعة ولهف وتتعلق برقبته وتظل تمطره بقبلاتها.. وهو ينظر إليها مأخوذا.. مشدوها.. أنه لا يطق رائحة السجائر التي تنطلق من فمها.. كما يخنقاه ذراعاها اللذان يلتفان حول رقبته.. أنه لم يتوقعها هكذا أبدا.. يراها مختلفة تماما عن صورتها التي عرفها وأحبها على شاشة الكمبيوتر.. أنها نحيفة جدا تكاد أن تبرز عظامها من تحت جلدها.. كما أن عينيها التي تعلق بلونهما وكانا يشبهان لون البحر إتضح أنهما ليس زرقاوان!! ولم يستطع أن يحدد لونهما.. يراهما باهتتان بلا لون.. كما أنها تبدو أكبر عمرا من صورتها بعشر سنوات على الأقل!!!.. فليست بنفس الروح ولا الجمال الذي اعتقده.. أن صدمته كبيرة ولا يعرف ماذا يفعل معها ؟!وكيف يتعامل مع هذا الموقف؟

إنها فرحة بلقائه.. تتحدث كثيرا وتضحك كثيرا.. وتقبله كثيرا.. حتى أنها تجذبه من يده ليخرجا معا من المطار إلى بيتها.. فهي تعيش بمفردها كما حكت له من قبل.. ويمكنه أن يقيم لديها عدة أيام إلى أن تعد نفسها لتسافر معه إلى أمريكا ويتزوجا ويعيش معا هناك كما اتفقا معها قبل مجيئه.. يشعر أنه في ورطة لا يعرف كيف يخرج منه!!

وتصطحبه إلى بيتها.. شقة صغيرة ضيقة في إحدى البنايات المتواضعة.. كانت قد أعدت له بعض الأطعمة التي لم يستسغها.. أن كل شيء تفعله ثقيل على قلبه.. حتى وصلة الرقص الشرقي التي قامت بأدائها محاولة أن تقلد فيها الراقصات المصريات لم يتقبلها منها أيضا.. يشعر أنه يختنق وهو يجاملها ويتحدث معها على حساب أعصابه.. وأنه بحاجة إلى الهروب منها على الفور..

وتدعوه للغداء في مكان اختارته له ووصفته بأنه الأكثر جمالا وروعة في بلدها الأرجنتين.. وبينما تجلس معه وتحدثه عن موعد زواجهما والانتقال معه العيش بكاليفورنيا.. يدق هاتفه ليرد عليه في الحال.. ثم يظل يجهش ببكاء متواصل ويذرف دموعا حارة.. مما أزعجها وهي تسأله:

ماذا حدث؟ هل أنت بخير؟

فيغلق التليفون.. ويخبرها من بين دموعه أن والده قد مات بمصر.. وأنه مضطر للسفر إلى هناك على أقرب طائرة.. ثم ينهض من مكانه مسرعا بينما هي ورائه.. فيخبرها من بين دموعه بأنه سيتحدثان في موضوعهما في وقت لاحق بعد عودته من مصر!!

أقول له مقاطعة:

وهل كان على التليفون من يخبرك بخبر وفاة والدك بالفعل؟

يقول بنبرة حزينة وابتسامة ساخرة:

أبدا.. فحين أخبرتها بذلك كان والدي متوفيا منذ عشر سنوات تقريبا!!

وكانت المكالمة التليفونية من شقيقتي تتطمئن على وصولي للأرجنتين.. فوجدت نفسي أبكي بحرقة حين سمعت صوتها.. وكأنني أشكو لها مصيبتي وصدمتي حين رأيت الحبيبة الوهمية التي استنزفت مشاعري لمدة عام كامل.. والتي قطعت الأميال من أجل لقائها لأجدني أمام شخصية لم أتوقعها ولم أتقبلها وكأنها امرأة أخرى!!

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز