عاجل
الأحد 28 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
الثائر!

الثائر!

بقلم : هاني عبدالله

منذ أربعينيات القرن الماضى، كانت إرهاصات التغيير فى مصر تسير فى اتجاه واحد.. فى اتجاه الثورة.. جيل جديد من ضباط الجيش يفكر بطريقة مختلفة.. أغلبهم من أبناء الكادحين، وأبناء الطبقة الوسطى.. كانت الأسئلة فى رءوسهم أكثر من الإجابات.. لذلك، كان أن سعى بعضٌ منهم للجمع بين الدراسة العسكرية والدراسة المدنية.



يحكى الكاتب السوفيتى «أ. أجارييشيف» فى كتابه الصادر بالعام 1977م تحت عنوان «ناصر»، عن أن الزعيم الراحل «جمال عبدالناصر»، عندما تعرَّف إلى رفيقه بمجلس قيادة الثورة، فيما بعد «خالد محيى الدين» كان قد تعرَّف إليه بوصفه طالبًا بجامعة القاهرة(!)

كان «خالد» وطنيًّا متحمّسًا، ويمتلك نظرة ثورية للحياة.. وما ضاعف إعجاب «ناصر» به أنه عَلِمَ أنه ضابطٌ أيضًا بسلاح الفرسان (المدرعات).. وأنه فى إجازة من الجيش لتأدية الامتحان(!)

كان «خالد» يدرس وقتها بكلية التجارة.. كما درس «عبدالناصر»، بعد هذا، بكلية الحقوق.. وكان كلُّ منهما يمتلك عديدًا من الأسئلة (إلّا أنها- فى حينه- كانت تنتظر الإجابة!).

يقول « أجارييشيف» عن اللقاء الأول بين الاثنين (قبل أن يضعا- فيما بعد- مع 4 آخرين من رفقائهما نواة تنظيم الضباط الأحرار): لقد رغب «ناصر» فى أن يتكلم أكثر إلى هذا الضابط الغريب الذى يرتدى بِزَّة مدنية ويحتفظ ببطاقة طالب فى جيبه(!).. قال ناصر: «لا بُدَّ أن تأتى إلىَّ مرّة أخرى.. أوعدنى بهذا».

.. ومع كل أزمة (مظاهرات الطلبة/ احتجاجات الموظفين/ حرب 48/ ممارسات الاحتلال الإنجليزى) كانت تتسع دائرة الغضب، وتزداد قائمة الأسئلة(!).. ويتمدد تنظيم «الضباط الأحرار» أكثر.. وباتت الطريق أكثر اقترابًا- بسرعة شديدة- من بؤرة الثورة.

التحولات الكبرى فى مسار «الجيل الثائر» كانت بالعام 1951م.. حينها، كان نحو 60 ألف عامل يعملون تحت سيطرة «القوات البريطانية» بمنطقة قناة السويس.. إلّا أنهم- جميعًا- اتفقوا على موقف واحد، هو الامتناع عن التعاون مع قوات الاحتلال.. كما قررت بعض الأحزاب السياسية تكوين «جماعات مسلحة» من الفدائيين.

آنذاك.. قرر «الضباط الأحرار» دعم وتجهيز جماعات الفدائيين فى عملياتهم ضد قوات الاحتلال الإنجليزى، بامتداد قناة السويس.. كما أعلنت «قوات الشرطة» المصرية تأييدها علنًا للفدائيين.. وخلال يناير من العام ذاته، حدث صِدَام بين قوات الاحتلال وقوات الشرطة المصرية فى الإسماعيلية.. وبعد ذلك بنحو 15 يومًا، نشبت معركة كبرى بين الجانبين فى مدينة السويس وكفر عبده، لتستمر- بعد ذلك- عمليات الاشتباك بشكل متواصل.. وتشير إحصائيات نهاية العام (أى العام 1951م) إلى أنَّ شهداء مصر خلال الفترة من 16أكتوبر إلى 5ديسمبر بلغ 117 شهيدًا بمنطقة قناة السويس، بينما بلغ عدد الجرحى والمصابين 438 شخصًا.

.. إلّا أنَّ أيًّا من هذا لم يؤثر فى حركة الفدائيين بامتداد المنطقة نفسها.. حتى تم تفجير «كوبرى الإسماعيلية» فى 19يناير من العام 1952م.

كان انفجار «كوبرى الإسماعيلية» بمثابة الشرارة التى اشتعل بعدها الحريق؛ إذ هاجم الفدائيون مخازن الأسلحة فى الإسماعيلية، وأعدَّ الإنجليز حملة تأديبية بقوة قوامها 7 آلاف عسكرى(!)

لكنْ.. فى اليوم التالى، أغار الفدائيون-  مُجددًا- على مخازن الأسلحة الإنجليزية.. فدعا قائد القوات الإنجليزية بمنطقة القناة (جنرال أرسكين) قوات الشرطة المصرية للانسحاب فى 25يناير من العام 1952م من الإسماعيلية، بعد محاصرتها بالدبابات.. إلّا أنّ قوات الشرطة رفضت الاستسلام، وهو ما أسفر عن 41 شهيدًا و72 جريحًا.

سرعان ما انتشر الخبر.. انفعل الشاب الثائر «جمال عبدالناصر».. كتب بيده منشورًا جديدًا.. بدأه بعبارة تقول: «على أرض مصر، وبأيدى المحتل الأجنبى يستشهد المصريون».

كان الملك «فاروق» وقتها فى وادٍ، ومصر فى وادٍ آخر.. وقفت الجماهير غاضبة فى 26يناير أمام القصر تطالب بالسلاح؛ للدفاع عن أشقائهم فى مدن القناة.. امتلأت الطرُقات المؤدية إلى عابدين بعديدٍ من الثائرين، قبل أن تتحول نيران الغضب إلى نيران حقيقية تلتهم شوارع القاهرة.

فى رواية [نادرة]، يقول «أجارييشيف» إن مجلس قيادة الضباط الأحرار الذى تكوَّن فى بداية العام 1950م، كان يُقدّر أن تكون الثورة بين العامَين 1954م، و1955م.. إلّا أنَّ ما جرى من أحداث دفع الثوار لتغيير خططهم.

.. ويتابع: فى هذه الأيام كان عبدالناصر يدرك أنه من الضرورى تنشيط «الإعداد التحضيرى» [للثورة].. فكتب الضباط الأحرار منشورًا جديدًا جاء فيه: «يأمل الخونة فى إحراز نصر بمساعدة الجيش، بينما دور الجيش هو المعركة من أجل الحرية والاستقلال، وإذا ما خرج الجيش إلى الشارع فلمقاومة الخونة فقط، ولا يجب أن تطلق بندقية رصاصة واحدة ضد المتظاهرين، وأن لا يقبض على متظاهر واحد بمساعدة الجيش، هذا ما يجب أن يدركه الجميع.. ومنذ اليوم فالجيش مع الشعب وسيقف معه إلى النهاية».

كانت كلمات عبدالناصر (ورفاقه) وقتئذٍ تُرسِى دستورًا «راسخًا» لجيش وطنى (تمامًا) يلتحم مع الشعب، ويتعالى عن المصالح الضيقة.. دستور ممتد المفعول.. لا، ولم، ولن يزول.

لذلك.. كان أن تمت ترجمة هذا التوجه- بصورة مباشرة- فى وثيقة مبادئ الثورة.. فكان إلى جوار «تأسيس جيش وطنى قوى» (القضاء على الاحتلال/ القضاء على الإقطاع/ إنهاء سيطرة رأس المال على الحُكم/ العدالة الاجتماعية/ الحياة الديمقراطية).

عندما نجحت «يوليو» فى الإطاحة بالمَلك، كان أن تحولت الثورة المصرية إلى حركة مُلهمة بأرجاء الوطن العربى كافة؛ إذ أسفرت عن روح طاغية لـ«القومية العربية».. وبالتالى كان ما أفرزته تلك «الثورة» من امتدادات إقليمية للدور المصرى، أثره البارز فى دعم قوى التحرر بالعالم العربى.. وهو ما امتدّ بدوره نحو العمق الإفريقى.

يقول «محمد فايق» فى كتابه: «عبدالناصر والثورة الإفريقية»: لم تكن «الثورة الإفريقية» مجرد التقاء لعدد من الثورات فى (مصر وكينيا والجزائر والكونغو وأنجولا وموزمبيق وجنوب إفريقيا.. وغيرها)، إنما كان أخطر جوانب هذه الثورة هو ذلك الإحساس بالانتماء إلى القارة.. [وهو الإحساس] الذى زرعته الحركة الإفريقية عميقًا فى وجدان الأفارقة بعيدًا عن سيطرة «الرجل الأوروبى» والاستغلال الاستعمارى، وأصبح هذا الإحساس يشكل فكرًا مسلطًا يأخذ بألباب الأفارقة فى كل مكان.

فبين الأمس، واليوم، وغدًا.. ستظل يوليو «حكاية شعب».. بل «حكاية شعوب من الثائرين» رفضت القهر والظلم، وتمردت على الاستعمار.

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز