عاجل
الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
فتنة غياب

فتنة غياب

بقلم : د. عزة بدر

 بالنقش على ذراع اللغة، ترسم الشاعرة المغربية لطيفة المسكينى قصائدها، تصوغها بروح عارفة، ومحبة عميقة، وتتأمل للحياة بتفاصيلها الشائقة، والساكنة، والموجودات وظلالها.



وديوانها " فتنة غياب " هو ديوانها الشعرى الرابع، وفيه تواصل الشاعرة رحلتها الشعرية مع لغة خاصة مقطرة كأوراق زهرة، وأبيات مكثفة تختصر الكثير فى القليل، تستلفت القارىء بحوارها العميق مع اللغة، حتى لتؤنسها الكلمات، فتستنبتها كالجذور، مغامرة مع معانى مرتقبة جديدة، ودروب غير مأهولة فتقول فى إحدى قصائدها:

" غيرى بالسهل مقيم

ولى الإقامة فى المستحيل

فى الكلام الشارد

فى صراط الغربة "

قصائد قصيرة

وتكتب لطيفة المسكينى قصائد قصيرة مثل السونيتات، ومكتملة بالعبق، موارة بعطرها الخاص، وحتى فى قصائدها الطويلة تتكون بنى قصائد قصيرة فتكتمل فى بيتين.

بل بوسعك أن تتصور مشهدا للحظة إنسانية معبرة، وفى كل مرة تشتهى شيئا من تلك اللغة التى تكتشف أواصر معها جديدة، وطرقا إليها غير مألوفة فتستعيدها مبنى ومعنى.

تقول الشاعرة فى قصيدتها "الكلمات":

" تبرعمت الأزاهير

بالأرواح

وتفتحت الأقاحى

قومى أيتها الناعمة

كسرير الغيمات

أنثريك الكلمات "

واللغة عندها طرف فى قصائدها تستجليها، وتبحث عن وجودها الثانى، فتسمع صمتها ودنياها وارتحالاتها فتقول فى قصيدتها " أضدادى " :

" على رءوس التماثيل

فى الأفق المنحنى

هى ذى أكوانى

خذى من كل طير زوجين

صُريهن إليك

اسْمُدى

سبقتنى إليك

اللغات "

بلاغة الكثافة

فى جملة واحدة أو عبارة واحدة يكتمل المعنى، وتجده مفاجئا مضفورا فى سلاسة، ومختصرا مشحونا بالدلالة ومن ذلك قولها :

" ما لهذا الحبر

وعد بالتكتم نقض "

أو قولها :

" أعد الرحْلَ، لا سفر

مجىء فى الذهاب "

البحث عن المغامرة

مغامرة الشاعرة فى ديوانها محاولة اكتشاف، تقص الأثر إذ لا أثر، وتستنطق تكتم الوهم، وتتكلف الأشياء أن تفصح لها عن سرها، عن الحضور والغياب، فتقول فى قصيدتها " كِلنى لعصفك " :

أيها الوهم

أنا مصابيحك

المتقدة من زيت العدم " .

" يريدنى أن أحدثه

بما يعلم

هنا نبع ماء

به أزهرت السماء

حملت إليه

حديث ما لا يعلم "

معنى مرتقب

وفى قصيدتها الطويلة " أقاصى الممشى " تتحدث الشاعرة إلى المعانى كما تحدثت إلى الكلمات، إنها تتواشج مع عالمها، تتقصاه فى وديان الصمت بعد عصف وبعد سكون فتقول :

" من أوحى بالنشيد

فى خلجان العشق

فى وديان الصمت ؟

كنه عائد بعد العصف

طوف ساع إلى

مرفأ

لم يألفه الضوء

فى ثنايا السكون  "

ثم تكتشف أنها غواية الغياب أو فتنته تفاجئها وهى تبحث عن معنى مرتقب فتقول :

" كأنه صوتها راجف

غوايته الغياب

سوناتات القلب

بهزات مفاجئة

تنذهل بالأسماء،

فى بساطة الأفضية

ذاكرات موشومة بالحضور

بالغياب

أقاصٍ متفتحة

بزهو

فى العيون

عبور يُربك الأفلاك

فى مجراتها

جمع الخطوات

فى معنى مرتقب "

وها هى الطرق تتمرد كأصحابها السارين فيها، يبحثون فى عتمة الليل عن مصابيح، عن ضوء نجمة، فتبحث الطرق أيضا عن مسالك لها مختلفة، تبحث عن خطى، حتى لكأنها تبحث هى الأخرى عن مغامرة وجود، وتصف الشاعرة ذلك التمرد فى قصيدتها "أثر":

" تعرفنى الطريق

التى قالت

لولا الشاردون عنى

ما تركت الأثر

كتبتُ على نفسى

السفر "

أيمان الخيال

وتفاجئنا مفردات الديوان، وهى تنتقل بنا فى حقول دلالتها لتتخذ معانى مبتكرة، وتراكيب تعطى المألوف صيغا مغايرة، لها مذاق مختلف فهى فى قصيدتها الطويلة " كتاب الوهم " تقول:

" فى حقولك الحرائق

ترفق بالأضداد

أيها الوهم

تكلفتنى منك

الفواصل والهوامل

بنات عم الشك السديمية

والحالمات من بنات

اليقين

ما ملكت أيمان الخيال

والحُور ممن

وهبن أنفسهن لتلاوينك "

صيف الفاكهة

وتتصل قصائد الديوان بوجدان صاف استقرأ تراثه الشعرى، واستقطره عذوبته، وجاوبه تواصلا ومناجاة فتقول الشاعرة فى قصيدتها: "صيف الفاكهة":

" فى حضن الغريبة

بكى شوق وارتمى

" قبل تذكر الجيران

بذى سلم "

قبل أن يجرى

دمع مقلتك

من دمى "

قصيدة المشهد

وفى القصائد تصاوير لافتة لمشاهد يومية لامرأة تهوى الانتظار، وتؤرقها أسئلة الحضور، وأسئلة الغياب فتقول فى قصيدتها "نافذة":

" خلف النافذة

امرأة

ترش بنعاسها

على نبتة أرقة

تحدثها عن الغياب

خلف النافذة

امرأة أخرى

تنظر بعيون

شققها السؤال " .

لطيفة المسكينى شاعرة مبدعة لها عدة مجموعات شعرية منها : " الِسفر المنسى " 2003، و" قزحيات الصمت 2006، و " حناجرها عمياء " 2008، و هى باحثة لها العديد من الكتب أهمها ما حققته من مخطوطات تراثية منها : تحقيق مخطوط " الغريب المنتقى من كلام أهل التُقى " لابن مسرة الجبلى، ومخطوط " المثلث " لأبى محمد على ابن المستنير بن أحمد، ومخطوط " بُلغة الغواص فى الأكوان إلى معدن الإخلاص فى معرفة الإنسان " لمحى بن عربى، وقد حصلت الشاعرة على الدكتوراه فى النقد الأدبى العربى الحديث من جامعة سيدى محمد بن عبد الله فى فاس، وتستعد الشاعرة لطبع ديوانها الجديد "هتاف الماء".

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز