عاجل
السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
روح أكتوبر

روح أكتوبر

بقلم : د. عزة بدر

تفتحى فى عروقنا كزهرة لوتس فريدة، تألقى فى أعمارنا مددًا، طاقات نور، معجزة من المعجزات ياروح نصر أكتوبر العظيم، يا توأم الروح المصرية عاشقة الأرض، وزارعة الخير، وحاصدة الثمر عبر العصور، حضارة وصل وعطاء، روح تصلنا بالأجداد الفراعنة الذين صنعوا أسطورتهم، وقهروا الموت بالخلود، بالرسم على الحجر، بالخط، واللون، ببناء الأهرامات، وخلّدوا صوت العدالة فى كلمات فلاح فصيح.



ياروح أكتوبر ذكرينا واذكرى أيامنا المجيدة فنواصل الانتصارات، لحظات العبور من الشدائد إلى اليُسر، ومن العُسر إلى عوالم مثل ليلة قدر كل ما فيها حاضر وموجود. ذكرينا واذكرى جنودنا البواسل وهم يعبرون، ويحطمون الساتر الترابى المنيع، ويعبرون القناة بطوفان القوارب والمجاديف، ومنهم من جعل من يديه مجدافًا، أو صنع من دبشك بندقيته مجدافا، محققًا أسطورته، عناق الأرض المحررة، مُقبِّلا علَم أم البلاد، مرفرفًا فى عزة وإباء.

يا نصر أكتوبر المجيد، يا لحظة العمر المديدة، تتجدد فى نفوسنا عامًا بعد عام فتطيل أعمارنا، وتجدد فى نفوسنا أعمق المعانى، والرغبة فى تحقيق المعجزات.

« إنه وطن

لست أنت، ولست أنا

إنه وطن

شجر، ودم، ونجوم

وروح يفكر فى ذاته»

هكذا تغنى أحمد عبدالمعطى حجازى، والقيم المعنوية للعبور هى التى ستبقى دائمًا شامخة، وبقوة الروح سوف نعبر كل ما يصيبنا من عوائق ومتاعب، وما يقف فى طريقنا من مشكلات كما قال توفيق الحكيم.

ويجىء 6 أكتوبر فى مدار أيامنا علامة مضيئة من علامات النصر فى تاريخنا الثرى، ونحن جادون وراء الأعداء بقلب جسور، وعزيمة العبور فقد أسرنا الفوضى وحللنا محلها القانون، وأسرنا الاستبداد، وكرّسنا موضعه الشعب ومنابره كما قال نجيب محفوظ.

وإن إطلالة على ما سطّره جنودنا البواسل من انتصارات بل وكتابات أدبية نستطيع أن نصور تلك الروح الآسرة، روح مصر التى تسكن جوانحنا، وتحفظ علينا حياتنا، ووجودنا، وتمتد فينا من أول جد فرعونى إلى سابع جد عبر وانتصر، حمل فى قلبه الرغبة فى تحقيق المعجزة فحقّقها، ومن أجمل ما قيل عن حرب أكتوبر ما قاله البطل المقاتل اللواء أركان حرب طلبة رضوان طلبة قائد السرية الأولى: كانت سريتى تحتل موقعها الدفاعى شرق القناة وكنت قد قلت لجنودى أثناء الكلمة المعنوية التى تعد من مراسم القتال قبل عبور السرية لقناة السويس الضفة الشرقية مليانة بريحة الجنة، تعالوا معايا نشمها كلنا، وأمرت بنزول القوارب كالطوفان، ولا أعلم حتى هذه اللحظة ما جرى إلا وأنا فى منتصف القناة، والقوارب تشق طريقها إلى الضفة الشرقية (لحظة خارج حساب الزمن ).

 

ثلاثة أمثال حجم الهرم

ويقول اللواء طلبة رضوان طلبة: «إن الجهد المبذول من شركات الإنشاءات الذى إن دل فهو يدل على أن الشعب المصرى إن أراد فعل المستحيلات، بفعل تلاحم الجبهة الداخلية والمجتمع المدنى مع قواته المسلحة أثناء حرب أكتوبر، وما تم إنجازه فى قطاع الإنشاء والطرق خلال عام واحد يفوق التصور، فما تم عمله من صبات خرسانية للمطارات ما يعادل فى الحجم ثلاثة أمثال الهرم الأكبر، ومساحة ما تم رصفه من طرق فى عام واحد قبل الحرب يزيد على ألفى كيلو متر من الطرق وهو رقم يزيد على أطوال الطرق التى تم إنشاؤها ما بين عامى 1952 حتى 1972م.

 

محل الميلاد تبة الشجرة

أما البطل نقيب محمد شمس قائد سرية الرشاشات فيقول عن هذه المعركة التى استولى فيها جنودنا البواسل على موقع تبة الشجرة بحصنيها فى نصف ساعة فى 8 أكتوبر 1973، حيث تم الاستيلاء على موقع قيادة متقدم للعدو بالقطاع الأوسط من سيناء: «كان من أهم نتائج هذه المعركة فقد العدو لمناطق تمركزه القريب، وفقد السيطرة على قواته، وكان من أخطر النتائج لفقدهم السيطرة على القوات وسقوط اللواء مدرع 190 المدرع الإسرائيلى، وأسر قائده عساف ياجورى شمال حدود الفرقة الثانية، اقتحمنا الحصن ساعة الفجر وفر الإسرائيليون تحت وابل الرصاص من كل مكان، وحفرنا مواقعنا على التبة لأننا كنا متأكدين من أنهم سيحاولون استعادتها، وكانت أشرس المعارك يوم 9 أكتوبر، فى هذا اليوم رأيت كل أنواع الطيران الإسرائيلى الميراج والسكاى هوك والفانتوم، وضربوا علينا كل أنواع الصواريخ العادية والعنقودية وغيرها، كل ذلك ونحن رابضون فنحن المشاة سادة المعارك، نتشبث بالأرض، أرضنا لن يسلبها منا أحد مرة أخرى، نموت فيها لكن لن نتركها أبدًا، وصمدنا طيلة يومين من الضرب المتواصل، لذلك أعتبر تاريخ ميلادى الجديد 9 أكتوبر، ومحل ميلادى الجديد تبة الشجرة».

وقد سجل نقيب محمد شمس قصة أحد شهداء كتيبته الشهيد مصطفى شرف الدين تحت عنوان «لقاء الخالدين» والتى كتبها عام 1973 مصورًا شوق الجنود للحرب: «الصمت فى جميع الأرجاء يُخيِّم، لا يبدده إلا فيضان تلك القلوب التى تكاد تقفز من الصدور، الوجوه عابسة مصممة متحفزة النظرات بالعزم ترنو إلى هناك إلى الشاطئ البعيد، إلى سيناء، الأيدى بقوة الرجال تقبض على السلاح، الأقدام فى الخنادق ثابتة ثبوت الصخر، تترقب فى شوق إلى الانطلاق، ما أقساك يا عقارب الساعة، وما أبطأ حركتك»

ثم يصف لحظة العبور على لسان بطله شرف الدين فيقول: «باسم الله وعزيمة الرجال يسير القارب، ويشق طريقه عبر صفحة مياه القناة، وغدت مياهها قيثارة حب ووفاء يعزف عليه الرجال بمجاديف قوارب لحنًا عذبًا يمتزج بدوى المدافع، وهدير الدانات المصرية فى انسجام موسيقى عجيب، وما إن وصل القارب إلى الشاطئ إلا كان شرف الدين أول من قفز، إنها لحظة العمر كله، موعده مع القدر، هنا جاء بعد تلهف وصبر طويل، إنها سيناء، سيناء ياعمرى المفقود، ها أنا ذا قد جئت إليك، إنى هنا على ترابك يسجد يُقبِّل أرض سيناء، يُقبِّل الرمل، يُقبِّل وجه أخيه الشهيد الذى استشهد عام 67، وهاهو يحمل السلم يصعد به حاجز اليأس، يشق الساتر الترابى الكثيف صاعدًا، فى عزم ريح عاتية تقتلع جذور الشر، تبدد غيومًا كثيفة تشق للنور طريقا»

واستُشهد شرف الدين، وها هى الدماء الزكية يملأ أريجها المكان كله، عانق شرف الدين وجه أخيه بعد فراق دام ست سنين».

(أحمد على عطية الله: 2018 «أبطال تبة الشجرة»، الهيئة المصرية للكتاب ص40، ص 90 )

أما اللواء أركان حرب رجب عبدالرحيم عثمان فيقول: « إن كتيبته كانت صاحبة تشييد أول نموذج من المصاطب على الضفة الغربية فى مواجهة خط بارليف، تلك المصاطب التى كانت تضم مرابض دبابات ونقط ملاحظة مدفعية، ورشاشات، وقد حظيت كتيبته بزيارة السادات بطل العبور، والمشير أحمد إسماعيل وزير الحربية، واللواء حسن أبو سعدة قائد الفرقة، كذلك زارها شيخ الأزهر عبدالحليم محمود كما زارتها السيدة جيهان السادات.

ويذكر اللواء رجب عبدالرحيم أن الرئيس السادات قال لجنود كتيبته أثناء الزيارة: «يا ولاد إحنا حا نعدى رايح ما فيش جاى».

 

شهداء عمال التراحيل

ولقد كان لجهد الناس وأفراد الشعب إسهامهم فى حرب أكتوبر، وقد ساهموا أيضًا على الجبهة، فبلغ عدد عمال التراحيل الذين استُشهدوا فى موقع واحد هو تبة الشجرة حوالى 35 عاملًا أثناء تشييد قاعدة صواريخ الدفاع الجوى بالقرب من الإسماعيلية والتى تعرضت أثناء عملية الإنشاء لهجوم جوى أوقع خسائر فادحة بين هؤلاء العمال البسطاء.

 

تاريخ البطولة

أما محمد شاكر الملط فى روايته «الدُشمة» الصادرة عن الهيئة المصرية العامة للكتاب 2018 والذى شارك فى الحرب عام 73 وشارك فى القتال فى القطاع الأوسط فيصف بطله فى موقعه: «كان هناك كعادته دائما على مدفع الهاون العتيق بالكتيبة العريف لويس وبجواره مُعمر المدفع الجندى حفنى أبو حسين الذى وضع أول دانة فى المدفع، ويوجه الدانات كالمطر على مواقعهم لتتأهب الدنيا لصباح مشرق جديد، وأنشد حفنى بصوته القوى الرائع صوت الفلاح المصرى العريق صوت مينا وأحمس وتحتمس ورمسيس صوت عمرو بن العاص وصلاح الدين الأيوبى والظاهر بيبرس، صوت محمد على باشا، وصوت جمال عبدالناصر، صوت الشعب الطيب المعطاء، صوت طالع من عمق التاريخ والأرض والضمير المصرى منذ فجر الحضارة الأولى «على بلد المحبوب ودينى».

وها هى روح أكتوبر تتجدد فينا عامًا بعد عام، روح الإرادة والانتصار على العقبات، روح الصمود والإصرار، طاقة الرغبة فى تحقيق المعجزات.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز