

محمد الشرقاوي
وسام الاحترام لشباب كوم النور
بقلم : محمد الشرقاوي
"كوم النور"، قرية جميلة في محافظة الدقهلية، تقع في حُضن مركز ميت غمر، يتسم أهلها بالعلم، وتشتهر بالعلماء، ويبتسم أهلها في أحلك الظروف.
ادخل مطاعمها، تجول في أسواقها، اجلس على كافيهاتها، ترجل في شوارعها، تنزه في حواريها، احتس قهوتك في مركز شبابها، ستطاردك لافتة في كل مكان تذهب إليه: "نحن في حاجة إلى رفع القمامة"
وتتكرر لافتة أخرى بالقرب من مدارسها ومستشفياتها مكتوب عليها "برجاء عدم إلقاء القمامة.. النظافة من الإيمان"، ربما تختلف الكلمات بين اللافتتين لكن! ذلك لا ينفي أن المطلوب واحد، وهو رفع تلال القمامة التي اعتلت الأرض بأمتار.
نسبة القمامة تجاوزت المسموح، وعلوها ينافس برج إيفل، ورائحتها يشمها العابر عبر حدودها فيصاب بالغثيان، ومقتنياتها من البلاستيك والمعادن والألومنيوم والنحاس والزجاج يصنع "الكوابل، والأحبال، والسجاد، وألياف النسيج، والأدوات المنزلية، والمفروشات، ومستلزمات البناء، وحتى الملابس والأحذية"، وكنز نفاياتها يولد الكهرباء وينتج الطاقة، وعبر ما يسمى بإعادة تدويرها تصبح "منجم ذهب لا ينضب"، لإنتاج مواد أولية تدخل في صناعات كثيرة وفي الوقت نفسه تقلص نسبة البطالة وتشغل عاطلي القرية.
فالنفايات والمخلفات في كثير من عواصم العالم قيمة كبيرة، بعد أن تحولت إلى عنصر يدخل في صناعات كثيرة، فحتى الأحذية القديمة! تُصنع منها اليوم حقائب أنيقة، وملابس رياضية، وأحذية باهظة الثمن.
لكن كوم النور ليست برلين ولا سويسرا ولا نيويورك فليس باستطاعتها أن [تُخمد] القمامة، فوحدتها المحلية أطرافها الإدارية ملتهبة ومعداتها منتهية وعمالتها تحتضن سن المعاش، كما أنه ليس لديها الجرأة أن [تُنعش] اقتصادها بالتدوير.
لذلك تفحلت المشكلة حتى باتت معضلة بيئية وصحية واجتماعية، وأصبحت القمامة تمسك البلد من رقبتها، حتى بات الحديث عن القمامة في القرية كإعلانات ورسائل "الشركة الألمانية لإبادة الحشرات"، المتطفلة على شاشات التليفزيون والمزعجة برسائل الموبايل.
تجرع أهالي القرية الكثير من كؤوس وعود المسؤولين بحل المشكلة، وفي كل مرة تتطاير الوعود، كما تتطاير الأبخرة في زعابيب ليل شهر أمشير، حتى أصبح الموت والقمامة في "كوم النور"، هما ما يهددان حياة مواطنيها.
ولأن "كوم النور" دفتر عشق يجعلك تموت حبا فيها من النظرة الأولى! عزم شبابها على تدشين مبادرة "كوم النور خالية من القمامة" وبالفعل نجحوا في رفع أطنان من القمامة من إحدى البؤر بمحيط منطقة "مدرسة البنات" فدفعوا من جيوبهم، ووفروا من أوقاتهم، فحولوها من [خرابة] يسكنها الفئران والذباب والقمل إلى [عُمْران] يقطنه الشجر الملفوف بشرائط الأنوار، وتزينه لوحات فنية على الجدران والأكشاك وغرف محولات الكهرباء– لولا تقاليد المقال لنشرت صورها- لتتلمس المعجزة.
هؤلاء الشباب كتبوا شهادة بالدم على حب مصر وقريتهم، فوجب على محافظ الدقهلية د. "أيمن مختار" وسكرتير عام المحافظة م. "سعد الفرماوي"، واللواء "عمرو فكري " رئيس مجلس مدينة ميت غمر، أن يأخذوا بيد هذه المبادرة ويستكملوها ويشجعوها ويتواصلوا مع القائمين عليها لتكريمهم، فهؤلاء مساهمون رئيسيون في صناعة مستقبل أفضل للمحافظة، ويستحقون وسام الاحترام وإعلان لوحة شرف تحمل أسماءهم وهم الأساتذة "محمد عبد المجيد سيد الاهل ..عادل حسن ..رامي زيادة.. هاني أبو النصر.. محمود راغب..أيمن الإمام..رضا القصيري.. احمد الادغم.. احمد فنا.. امين عبد الله.. محمود عادل ابو النصر.. السعيد يحيي الادغم" ومهندس الخير أ.د فتحي ياسين.
لست رومانسيًا في توقعاتي، ولكنني حالم أن تمتد يد المسؤولين في الحكومة والمحافظة، لرفع وباء القمامة من قرية بات فيها تفاقم الأزمة لا ينقصها سوى نزع فتيل صبر أهلها.