عاجل
السبت 28 يونيو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
البنك الاهلي
كافور.. المتنبى..المدح والهجاء
بقلم
محمد نجم

كافور.. المتنبى..المدح والهجاء

بقلم : محمد نجم

فى أحد المجالس التى كان يعقدها سيف الدولة كل ليلة ويحضرها جمع غفير من العلماء والشعراء، تصادف أن وقع خلاف بين المتنبى وابن خلويه، قام على أثره الأخير بالوثب على المتنبى وضرب وجهه بمفتاح كان بيده فشجه، ولم يتدخل سيف الدولة للدفاع عن صديقه الشاعر أو يطيب خاطره، فخرج المتنبى غاضبا من المجلس واتجه إلى دمشق وأقام فيها حتى وصلته دعوة من حاكم مصر وقتها كافور الإخشيدى فلباها وذهب إلى مصر ومدح كافور بعدة قصائد بعد أن منحه دارا وخلع عليه ملابس وحمل إليه آلافا من الدراهم.



 

وقد تعرض فى أول قصائده فى مدح كافور بصديقه القديم سيف الدولة ووصفه بالغَّدار.. رغم عمق محبته له، حيث بدأ قصيدته بقوله:

حببتك قلبى قبل حبك مــن نأى                        وقد كان غدارا فكن أنت وافيا

فإن دمــوع العين غــــــدر بربها                       إذا كـــــن إثر الغادرين جواريا

ولكن بالفسطاط بحـــر أزرته               حياتى ونصحى والهوى والقوافيا

ثم يصفه يأ أبا المسك الذى كان ينتظر اليوم الذى يلقاه فيه، ولقبه بالأستاذ الكريم الشجاع ولماذا لا تبدل الملوك بياض وجهها بلونه كافور الأسود:

كـــرم فى شجـــــاعة وذكاء                فى بهـــاء وقدرة فى وفــــــــاء

من لبيض الملوك أن تبدل اللـون                      بلــــــون الأستاذ والسحنــــاء

وزاد فى مدحه ووصفه بأبى كل طيب وليس المسك وحده، وأنه شمس منيرة سوداء، وأنه الأكثر تجربة بين الملوك.. ووصل إلى ما وصل إليه وهمته لم تكل، وهو يدير الملك من مصر إلى عدن إلى العراق إلى الروم والنوبة!

ثم يقول فى قصيدة أخرى:

ومن مثل كافور إذا الخيل أحجمت                    وكان قليلا من يقول لها أقدمى

شديد ثبات الطرف والنقع واصـــل                    إلى لهــوات الفـــــارس المتلثم

فلو لم تكن فى مصر ماسرت نحوها                  بقلب المشــــوق المستهام المتيم

رضيت بما ترضى لـــــى محبة                       وقدت إليك النفس قود المـسلم

ومثلك من كــان الوسيط فؤاده             فكلمة عنى ولــــم أتكلم

ولم يكتف بذلك.. ولكنه دخل فى الموضوع مباشرة.. حيث خاطبه:

وفى النفس حاجات وفيك فطانة                        سكوتى بيان عندها وخطاب

وما أنا الباغى على الحـــب رشوة                     ضعيف هوى يبغى عليه ثواب

ومــا شئت إلا أن أدل عـــــواذلى                      على أن رأيى فى هواك صواب

إذا نلت منــــك الـــود فالمال هين                      وكـــل الذى فوق التراب تراب

ولكن مشكلة المتنبىأنه قارن كافور بصديقه سيف الدولة، وشتان بين الاثنين، فلما لم يمنحه كافور ما كان يتوقعه منه.. غادر مصر وهجاه بعدة قصائد مشهور أصبحت مضرب الأمثال منها تلك الأبيات التى يعايره فيها بشقوق فى كعب رجله، وكذلك شفتيه التى شبهها بشفتى البعير:

أريك الرضا لو أخفت النفس خافيا                     وما أنا عـن نفسى ولا عنك راضيا

وتعجبنى رجلاك فى النعل إننى                       رأيتك ذا نعل إذا كنت حافيا

ويذكرنى تخييط كعبك شقه                 ومشيك فى ثوب من الزيت عاريا

فإن كنت لا خير أفدت فإننى                            أفدت بلحظى مشرفيك الملاهيا

ومثلك يؤتى من بلاد بعيـــدة               ليضحـك ربات الحداد البواكيا

فهو ليس راضيا عنه لتقصيره معه، ولا عن نفسه لقصدها إياه، فهو العبد الذى يؤتى به من بلاد بعيدة لتضحك عليه الثكالى، فقد قيل إن كافور كان عبدا لحجام بمصر فلما باعه اشتراه الإخشيد.

يقول أبو الطيب فيه هاجيا:

صــار الخصـى إمــــــام الأبقين بها                   فالحــــر مستعبد والعبد معبود

العبد ليس لحــــــر صالـــــح بأخ                       لو أنـه فى ثياب الحـــــــر مولود

لا تشتر العبد إلا والعصا معــــــه                      إن العبيــــد لأنجاس مناكيد

نامت نواطير مصر عن ثعالبهـــــا                    فقد بشمن وما تفنى العناقيد

ما كنت أحسبنى أحيا إلى زمـن                        يسىء بى فيه عبد وهو محمود

ولم يقتصر هجاء المتنبى لكافور حاكم مصر وحده، وإنما طال المصريين جميعا.. بل طال مصر نفسها.. ويصف ذلك بأنه عقاب من الله أن يوَّلى عليهم كلبا مثله.. عبد قزم، وأن المصريين  لايعلمون من الدين إلا حلق الشارب.. وهو ما أضحك الأمم منهم:

جاز  الأولى ملكت كفـاك قدرهم                       فعــــرفوا بك أن الكلب فوقهم

ســــادات كل أناس من نفوســــه                       وســادة المسلمين الأعبد القزم

أغاية الدين أن تحلفوا شواربكـم                        يا أمة ضحكت من جهلها الأمم

ثم يختم هجومه هاجيا الجميع:

ومــاذا بمصــــر من المضحكـــــات                   ولكنــه ضحــــــك كالبكا

بها نبطـــى من أهــــــل الســــواد                     يـدرس أنســـاب أهـــل الفـــلا

وأســــود مشفــــــرة نصفـــــــه                        يقـال لـــه أنت بــــدر الدجى

فمـــا كــــان ذلك مـدحا لــــــه              ولكنـــــه هجـــــو الـــــورى

ومـن جهلت نفســــه قـــــــــدره                        رأى غيــره منـــه مالا يـــــرى

جزاك الله يا أبو الطيب لم تقدر حسن الاستقبال وكرم الضيافة.. وسببت مصر والمصريين.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز