عاجل
الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

المَآذنِ الطيِنية في غرب إفريقيا

د. إسماعيل حامد اسماعيل
د. إسماعيل حامد اسماعيل

تميزت طُرز المآذن في الجوامع والمساجد الكبرى التي شيدت في المدن الأثرية القديمة الواقعة غرب إفريقيا، وجنوب الصحراء بسمات، وخصوصيات عن غيرها من طرز المآذن في الأقاليم الإسلامية الأخرى، بسبب طبيعة البيئة المحيطة، فأكثرها كان مبنيًا من الطين، وهو من أبرز سماتها المعمارية، هذا إلى جانب وجود التأثيرات الفنية والمعمارية الوافدة لهذه البلاد، لاسيما من الشمال (أي بلاد المغرب وشمال إفريقيا).



وهي تأثيرات واضحة في الطراز المعماري للمآذن في المدن الإفريقية، ومن المؤكد أن ذلك التأثير المعماري والفني كان بفضل التواصل الحضاري والبشري الذي لم يكن ينقطع بفضل ازدهار التجارة الصحراوية، وأثر ذلك التلاقح الثقافي على عمارة تلك المساجد القديمة، واقتباس بعض عناصرها الرئيسية على غرار المآذن.  ولا شك أن قدوم المهندسين والمعماريين من الأندلس إلى غرب إفريقيا، والاستقرار بها كان له دوراً كبيراً في تأكيد تلك التأثيرات على غرار ما حدث أيام منسا موسى، حاكم مالي، وأسكيا محمد، حاكم صنغي، اللذين استعانا بمهندسي الأندلس.

 

وتتميز المآذن في شمال إفريقيا، وفي بلاد الأندلس، بشكلها المميز التقليدي، حيث شيدت تلك المآذن في هذه البلاد على هيئة الأبراج الحربية، وطراز المآذن على هذا الطراز ذاع في بلاد شمال إفريقيا والأندلس بشكل واضح، وارتبط هذا الطراز بتلك البلاد ومساجدها، ثم انتقل هذا الطراز بمرور الزمن إلى بلاد غرب إفريقيا، وحدث له بعض التغيرات ليتوافق هذا الطراز المعماري مع طبيعة البيئة الصحراوية هناك، وخصوصيتها، حتى صار لدينا مآذن إفريقية لها سماتها الخاصة، رغم التأثيرات الفنية المغاربية والأندلسية الواضحة عليها، وهي مآذن تعبر عن خصوصية العمارة الإفريقية، وتفردها. 

 

ومن ثمة، لم يكن غريبًا أن تُستخدم تلك المآذن في بعض الأغراض الحربية، ولهذا كانت تشيد في الغالب عند الجدار المقابل لجدار القبلة، أي في مؤخرة المسجد، ويكون الدخول إليها من داخل الصحن، أو من خارج الجامع. وعلى هذا يذهب بعضُ الباحثين إلى أن الطرز المعمارية الخاصة بالمآذن التي تعلو المساجد في غرب إفريقيا، يظهر فيها تأثير العمارة الوافدة من مدن شمال إفريقيا، ولاسيما أن بعض الباحثين يشيرون بشكل واضح إلى قوة التأثير الإباضي في التشييد والعمارة، الخاصة بتلك المآذن الإسلامية. 

 

وتعد مئذنة جامع القيروان النموذج الذي شيدت على غراره مآذن بلاد المغرب والأندلس فيما بعد، ومن المعتقد أن تلك المئذنة كان قد شادها بشر مروان، أيام الدولة الأموية في سنة 105هـ. 

 

ويصف الدكتور حسين مُؤنس، المآذن التي شيدت في شمال إفريقيا وبلاد المغرب وطرازها المعماري، وهي التي تركت أكبر الأثر في مآذن غرب إفريقيا: "وهي- في العادة- بدن ضخم يقوم عند منتصف جدار الصحن، وقد يرتفع هذا البدن في هيئة مستطيل ضخم يصل ارتفاعه إلى ما يزيد على عشرين مترًا أحيانًا". 

 

ويُبني داخل هذا البدن بدن آخر أصغر منه، ويكون السلم أو المصعد المُنحدر بين الـبـدنـين حـتـى إذا وصـلـنـا إلـى الشرفة الأولى ارتفع البدن الداخلي وحـده بـجـداريـن، واحـد مـنـهـمـا داخـل الآخر، يحصران بينما السلم حتى سطح الشرفة الثانية". 

 

ومن جانب آخر، تبدو لنا إحدى السمات الأخرى الخاصة بمآذن غرب إفريقيا، حيث يبدو لنا بشكل واضح أن البنائين والمعماريين في هذه البلاد لم يكن يشغلهم بشكل كبير إظهار ارتفاع مآذن المساجد التي يقومون ببنائها، بل مالوا إلى البساطة في البناء، ونجد أكثرها ذات ارتفاع قليل، إلا في حالات نادرة جدًا على غرار مئذنة جامع أغاديس في دولة النيجر. 

 

وربما كانت عمارة الطين تجبر البنائين على عدم المبالغة في ارتفاع الجدران الخاصة بالمساجد، أو محاولة المبالغة في بناء مآذن ذات ارتفاع مبالغ فيه، نظرًا لهشاشة مادة الطين، وخطورة البناء بارتفاعات قد تشكل خطورة واضحة على عمال البناء، بسبب طبيعة مادة الطين.

 

متخصص في التاريخ والتراث الإفريقي

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز