عاجل
الأحد 5 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
البنك الاهلي

ظهور الإبل في إفريقيا وازدهار القوافل التجارية 

د. إسماعيل حامد اسماعيل
د. إسماعيل حامد اسماعيل

لم تخل تلك الأحداث الجيولوجية التي ربما تُعد قاسية بشكل أو بآخر على السكان القاطنين بها من بعض الفوائد ولو كانت قليلة، إذ رغم انقطاع الأمطار، ومن ثم ضرب الجفاف آراضي هؤلاء السكان، إلا أن ذلك ساهم في الحفاظ على تلك الكنوز الثمينة والنفيسة والتي لاتقدر بثمن، وهي تظهر لنا ذلك التراث الفني العظيم الذي تملكه مناطق تلك الصحراء والذي يحكي عن عادات، وتقاليد السكان القدامى بها، وكذلك تظهر لنا طقوسهم، والحرف التي عملوا بها من أقدم العصور، ولاشك أن تلك الرسوم تشكل جانبًا مهما من الفنون والطقوس التقليدية التي تركها قاطنو الصحراء القدامى عبر آلاف السنين. 



ومن ناحية أخرى، وعن تأثيرات التغيرات المناخية الإيجابية بفضل تحول الصحراء لمرحلة الجفاف، وأثر ذلك على الحفاظ على تراث تلك الصحراء القديم، يقول أحد الباحثين: "لقد ساعد الجفافُ في الصحراء على الحفاظ على هذا التراث (أي الرسوم الصخرية) الفني، فلم يُمَس، إن لهذه الرسومات قيمة فنية رائعة..". 

 

ويشير العلماءُ إلى أن هذا التحولُ المناخي يرجع، في الغالب، لأكثر من 3 أو 4 آلاف سنة قبل الميلاد على أقل تقدير من الناحية الزمنية، وكان من تأثير ذلك التحول أن قلت أهمية الخيول بالصحراء، وبرز دور الإبل التي تعد أكثر الحيوانات التي يمكنها التكيف مع البيئة الصحراوية بكل حدتها وقسوتها. 

 

ويعتقد أنه مع بروز دور الإبل في الصحراء الكبرى لاسيما بعد حدوث فترة الجفاف، ومن ثمة قلة الإقبال على الخيول بعدئذ، وانحسار أهميتها، وعلى هذا بدت أهمية التجارة الصحراوية، وضرورتها بالنسبة للسكان في كل من شمال إفريقيا وجنوب الصحراء على السواء، ولعل ذلك يؤرخ في رأي الباحث لحوالي القرون الميلادية الأولى.  واختلفت الآراء حول الحقبة التي برز فيها دور الإبل بشكلٍ محدد زمنيًا، ويعتقد البعضُ أن ظهور الإبل بشكل محدد في أكثر أقاليم الصحراء الكبرى يرجع ربما لحوالي سنة 300م. ولاشك أن ظهور الإبل يشكل مرحلة مهمة في تاريخ الصحراء، وسكانها، ومن ثم ازدهار العلاقات التجارية والتبادل الحضاري بين سكان شمال وجنوب الصحراء. ولهذا ربما نرى بشكل واضح العديد من الرسوم والنقوش التي تصور قوافل من الإبل فيما يشبه القوافل التجارية التي تعج بها الكهوف والصخور المتناثرة في مناطق تلك الصحراء. 

 

ويمكن القول بأنه قبل وقوع فترة "الجفاف"، وربما لم يكن السكان في شمال إفريقيا بحاجة كبيرة للذهاب لجنوب الصحراء، ومناطق السافانا على نطاق واسع، حيث كان الغطاء النباتي والزراعي يقدم لأكثر السكان هناك ما كانوا يحتاجون له من الطعام والغذاء، وغير ذلك من المنتجات الضرورية التي يحتاج لها أي مجتمع بشري، كما أن الغطاء النباتي الكثيف كان يُشكل بدوره عائقًا أمام قوافل التجار أو موجات المهاجرين، وهو ما حدث مع العرب والمسلمين فيما بعد، وهم الذين أعاقتهم غابات السافانا في مناطق أقصى جنوب الصحراء عن الذهاب بعيدًا في هذه البلاد النائية، وما اشبه الليلة بالبارحة. 

 

ويتضحُ لنا بجلاءٍ أنه مع وقوع الجفاف، صارت الحاجة ماسة لإرسال القوافل التجارية نحو الجنوب أمرًا لايمكن الاستغناء عنه بالنسبة لسكان شمال الصحراء، ولاسيما مع بروز أهمية الذهب، وتجارته في هذه البلاد. ومن ثمة ظهرت الحاجة للاعتماد على الإبل للذهاب صوب أسواق الجنوب، ومن المعروف أن السكان في شمال الصحراء كانوا يستخدمون الخيول فيما قبل مرحلة الجفاف بالصحراء، وكانوا يستخدمون العربات التي تجرها الخيول، غير أن الخيول لم يكن بمقدورها أن تتعايش مع بيئة الصحراء بعد وقوع الجفاف، فالخيول لاتستطيع تحمل حرارة الصيف القاسية التي تتميز بها تلك الصحراء كالإبل. 

 

ويرجح أن الإبل كانت قد جاءت إلى شمال إفريقيا عبر الآراضي المصرية، وعن "عصر الإبل"، وارتباط ظهورها في الصحراء بازدهار تجارة القوافل الصحراوية، يقول روبير فيرني Robert Verni : "وفترة الإبل التي يُحتمل أن تكون بدأت مع الميلاد، فالإبل المعروف في مصر منذ العصر الهيليني أكثر تحملاً من الخيل، وانتشر بسرعة في الصحراء منذ القرون الأولى للميلاد، وسيكون له فيما بعد دور حاسم في نمو التجارة عبر الصحراء على يد العرب مع نهاية الألف الأولى بعد الميلاد..". 

 

ويُشير رولاند أوليفرRoland Oliver  بدوره إلى وجود تلك الطرق والدروب الخاصة بالقوافل التجارية فيما بين شمال وجنوب الصحراء، وكانت الخيول والعربات وسيلة التواصل آنذاك، أي منذ الأزمنة القديمة، ومع ظهور الإبل بحسب رأيه صار من المؤكد أن هذه الرسومات ترتبط بالأزمنة القديمة. ويضيف Oliver  أنه لو أننا ربطنا ذلك بملاحظات المؤرخ اليوناني المعروف "هيرودوت" (الهاليكارناسي Halicarnasus)  Herodotus، الذي عاش منتصف القرن 5 ق.م، لتوصلنا لدلائل واضحة "تشير لوجود علاقات كانت تبدو بشكل منتظم بين شعوب البحر المتوسط وزنوج إفريقيا منذ حوالي القرن 5 ق.م على الأقل". 

 

ويذهب البعضُ إلى أن الجماعات التي سكنت الصحراء كانت قد تطورت، بشكل أو بآخر، في جزءٍ منها لما يشبه مُجتمعات التُجار المحاربين، وأنهم شرعوا في استخدام رؤوس الماشية في عملية التبادل التجاري. وعلى هذا، فلاريب أن التجارة الصحراوية، وحركة القوافل لعبت دورًا اقتصاديًا مهمًا في ازدهار الممالك الإفريقية جنوب الصحراء، وتطور فنونها، وازدهار عمارتها، لاسيما مع شهرة هذه البلاد بالذهب، ومناجمه، وكذلك مع الحاجة للملح ومن ثم عرفت تلك التجارة باسم: "تجارة الملح والذهب".

 

 

متخصص في التاريخ والتراث الإفريقي

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز