عاجل
السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
انتصار جديد فى شرم الشيخ

انتصار جديد فى شرم الشيخ

صدر البيان النهائى لقمة المناخ فى شرم الشيخ وسط تصفيق حاد من الحضور.. التصفيق مستحق، ونجاح الجهود المصرية فى كوب 27 يستحق مزيدًا من الإشادات. 



لعبت الدبلوماسية المصرية دورها الريادى فى التوصل إلى الصيغة النهائية للبيان الختامى. 

استطاعت مصر التعبئة نحو إقرار صندوق الأضرار والخسائر لأول مرة، فى ظل محاولات ومناورات الدول الكبرى، وحتى اللحظات الأخيرة للتملص من مسؤولياتها فى تمويل الخسائر المناخية المتسببة فيها بالقدر الأكبر.. والأكثر خطورة على الكوكب.

 

(1)

فى شرم الشيخ الأيام الماضية، جرت مفاوضات كوكبية هى الأعنف، والأكثر صخبًا على مدار أكثر من 26 قمة لدول أطراف اتفاقية المناخ. 

إقرار صندوق الخسائر والأضرار إنجاز لم يسبقه إنجازات تذكر فى هذا الإطار، بينما تظل القضايا الأخرى العالقة مسؤولية دول كبرى، لم تف بما تعهدت به من قبل، وبقيت على رغبة فى «التفاوض المستمر.. وأكثر مما ينبغى» فى المسألة.

الواقع أن البيان الختامى فى شرم الشيخ صدر من «تحت ضرس» دول صناعية، وهذا فى حد ذاته إنجاز مشهود لقدرة تفاوضية قادتها مصر.. وألزمت بها المؤتمر. 

صدر الإعلان النهائى، وسط «امتعاض» دول ولم يكن امتعاضها مبررًا. إذ إن تلك الدول نفسها، هى التي لا يجب عليها أخلاقيًا ولا من حيث المسؤولية الاستمرار فى محاولتها التملص من إقرار أية اتفاقات، وفى حال إقرار الاتفاقات، فإنها تستمر فى مناوراتها لكى تتملص من التنفيذ. 

حتى اللحظات الأخيرة، من وقت إضافى منح لمفاوضات شرم الشيخ، ظلت الدول الكبرى متمسكة بنظرية تقول إن الأولى من الاتفاق على صندوق للخسائر، هو التوصل إلى آليات لتحقيق الاستمرار فى عدم زيادة درجة حرارة الأرض فوق النصف درجة!

نحن هنا أمام معادلة كان فيها كثير من الطرافة، إذ إن الدول المتسببة فى النسبة الغالبة والأكبر والأكثر خطورة للاحترار، كانت هى التي طرحت على الطاولات أسئلة حول شكل الإجراءات التي تحد من ظاهرة الاحترار، وكانت هى التي تريد أن تبحث مزيدًا من النقاط فى تلك المسألة، لتقليل الظاهرة.. بينما هى ماضية فى أكثر إجراءات تخالف ما سبق أن اتفقت عليه من قبل.. خصوصًا فى جلاسكو. 

الذي يبدو أنها كانت حركات فى دوائر مفرغة، كسرتها الجهود المصرية.. بصندوق للخسائر والأضرار، الذي لم يكن إقراره فحسب، إنما كان مجرد طرح فكرته، على مدار كل مؤتمرات المناخ السابقة.. ضربًا من الخيال.. لا تتوافق ولا توافق عليه الدول الصناعية الكبرى. 

(2)

عكست المبادرات المصرية خلال مؤتمر شرم الشيخ توازنات دقيقة، محققة الطموح الأعلى الذي كان يمكن تحقيقه فى هذا الوقت، ووسط صعوبات شديدة المراس واجهها المؤتمر.

كاد صندوق الخسائر والأضرار يفشل المؤتمر كله. وسط مسائل كثيرة كانت عالقة حتى اللحظات الأخيرة قبل انتهاء المؤتمر، ما أدى ببعض الوفود إلى طرح شعار روجته فى جنبات المؤتمر يقول «ألا نتفق أفضل من اتفاق سيئ». 

الكلام حق يراد به باطل. 

إذ أن شرم الشيخ كانت فرصة، بزخم قوى لإنزال القضية المناخية إلى الواقع من مرتبة الخيالات والاتفاقات السابقة التي لم تتحقق بأكثر من دعوى، ووسط تعقيدات دولية، حولتها الدول الكبرى إلى «حجج» فى مقابل إقرار حلول حقيقية.

أن تحتل زاوية مهمة، أفضل من ألا تتحرك.

وأن تدفع التوافق إلى الضغط على الدول الكبرى فى إقرار تقدم ملحوظ فى القضية المناخية، كان فى الواقع أفضل من أن يترك المؤتمر للمرور كما سوابق مؤتمرات مناخية توصلت إلى ما يشبه الاتفاقات، لأنها إما كانت صياغتها «توصوية».. وإما أن صياغتها الجازمة لم تتحقق بالفعل.

لأن الرياح كانت عاتية، من أولى الجلسات التفاوضية، ففى محطات مختلفة، كانت قد وصلت الجلسات إلى شفير الهاوية. قال الأوروبيون إنهم يريدون الإبقاء على هدف حصر درجة الاحترار العالمى إلى ما دون الواحد ونصف درجة، قبل أن يتم بحث مسائل أخرى فرعية.

لم تكن المسائل الأخرى فرعية، أو بالأحرى لم تكن هناك مسائل أخرى.

كل ما وضعه المؤتمر فى شرم الشيخ على الطاولات كان أساسيًا، من أول جهود منع الاحترار، إلى الشفافية وآليات للمحاسبة على اختراق أية تفاهمات أو اتفاقات تزيد من ظاهرة الاحترار، مرورًا بمسؤولية الدول الكبرى عن التعويض عما سببته من أضرار. 

قدمت الرئاسة المصرية للمؤتمر أطرًا متوازنة لكل تلك الجوانب، فيما تمسكت دول كبرى برغباتها فى مزيد من «البحث».

لم يكن فى الأمور مزيد من رفاهية الاستمرار فى البحث.. ولا مزيد من إهدار الوقت فى التعامل مع المسألة.. بتلك الصورة من التسويف. 

الأصل فى جميع التقاطعات على أغلب السياقات فى مؤتمرات المناخ الماضية، أن هناك من كان يعمل على التنصل من أى التزامات جدية، فى الوقت الذي يعمل فيه هؤلاء أيضًا، على عدم الالتزام بقدر الإمكان بأية التزامات مادية. 

لذلك كان صندوق الأضرار والخسائر الأزمة الأولى والأكبر.. وكان فى شرم الشيخ الانتصار الكبير. 

(3)

فى شرم الشيخ، وضعت الرئاسة المصرية للمؤتمر موضوع الخسائر والأضرار فى صلب النقاشات، بعدما كانت الدول الغنية، ومنذ سنوات، تتحفظ على فكرة الصندوق، مقترحة آلية خاصة لتمويل الأضرار. 

الواقع أن الدول الكبرى كانت تسعى لتحاشى أن تواجه مسؤولية قانونية، تفتح الباب بالضرورة أمام تعويضات كبرى مستحقة. 

ودخلت الخلافات الأمريكية الصينية على خط الأزمة، ودفع الاتحاد الأوروبى من جانبه، إلى الاقتراح بأن يتم تمويل صندوق الخسائر من الصين أيضًا. 

فى المقابل، ظلت الصين على رأيها، بأنه لا يمكن أن يكون مقبولًا، أن تعمل الدول الغربية على إلزامها هى وحدها بتحمل أكبر أعباء المسؤولية عن تضرر الدول النامية، بينما الدول الأوروبية تظل على سياساتها الأوسع فى عدم الالتزام بأكثر إجراءات وآليات التعامل الجيد فى مسألة المناخ! 

وهو دفع سليم بالمناسبة.

حتى العام الماضى، كانت المبالغ المقترحة لجبر الأضرار المناخية حوالى 100 مليار دولار. العام الجارى، وحسب تقارير أممية، تخطت المبالغ المقترحة رقم الـ 300 مليار.. وربما أكثر سنويًا. 

فى شرم الشيخ، فوتت الدبلوماسية المصرية محاولات واضحة لشق صف الدول النامية، ووأدت الدبلوماسية المصرية محاولات عدة «لضرب بؤرة النور بحصوات عشوائية». وصلت الدبلوماسية المصرية بالأمور إلى أقصى ما يمكن أن تصل إليه من حلول وسط، ونجحت فى هذا.

ربما من شرم الشيخ وحدها يمكن أن تقول أن مؤتمرات المناخ نزلت إلى الأرض، وباتت تقدم حلولًا ممسوكة. حشدت مصر جبهة فولاذية أمام مناورات دول صناعية كبرى، تتكلم كثيرًا فى مسائل المناخ ، بينما تظل أغلب تحركاتها .. فض مجالس.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز