عاجل
الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
مائدة المسرح المصري المستديرة

مائدة المسرح المصري المستديرة

تطاردني فكرة الطنين الحسي للبيئة الحضرية الجديدة التي نعيشها خاصة مع أصوات حماس الجماهير التي تنطلق من كل الشاشات في كل الأماكن العامة والخاصة وهى تتابع مباريات كأس العالم المقامة في الشقيقة قطر.



 

طاردتني هذه الفكرة بينما كنت أتابع مناقشات عدد من المسرحيين حول المائدة المستديرة التي أطلقتها لجنة المسرح بالمجلس الأعلى للثقافة والتي تستهدف المواد التي يود المسرحيون طرحها في الحوار الوطني.

والتي كان من المقرر عقدها في الفترة من 15:17 نوفمبر الجاري 2022، والمؤجلة إلى الأسبوع الأخير من هذا الشهر. 

فهل بالفعل تأثر إنتاج المسرح في العالم، وبالتالي في مصر بمسألة المتغيرات الحضارية والصناعية وما بعدها وبكل هذا الضجيج المعاصر على أرض الواقع في حركة الحياة اليومية، وعلى صعيد الواقع الافتراضي.

لقد كان الكاتب المسرحي الشهير فريدريش دورينمات قد أعلن في ثمانينيات القرن العشرين نبؤة بأن المسرح سيتراجع خلال السنوات المقبلة بسبب تغير تلك البيئة الحضارية العامة.

ولأن ذلك لم يحدث بشكل قاطع في معظم البلدان التي امتلكت عادة الذهاب إلى المسارح، وإن كان قد حدث في المركز الثقافي التاريخي الرائد في مصر، فقد حدث بلا شك لأسباب أخرى غير الأسباب التي طرحها دورينمات حول فكرة الاجتماع البشري الحي.

وليس هناك أدل من هذا الاجتماع العالمي حول لعبة كرة القدم، وكل هذا الزخم في كأس العالم في قطر، وكل هؤلاء المهتمين بالتجمع البشري الحي على استحالة انتهاء فكرة الاحتياج للتجمع الإنساني لمشاهدة محاكاة الحياة والناس على خشبات المسارح.

مما يؤكد أن كل هذا الصخب والطنين الحسي هو إعلان بالغ الاهتمام وبصوت مرتفع لرغبة البشر في اللقاء الإنساني المباشر.

وبالتالي فالأسئلة المطروحة على المسرحيين أسئلة مهمة، وهى ثلاثة محاور: 

الأولى معوقات الإنتاج المسرحي الجماهيري، والثاني الرقابة وحرية الإبداع، والثالث الملكية الفكرية.

ولعل المحور الأول عن معوقات الإنتاج المسرحي الجماهيري، يمكن فهمه بعيداً عن تراجع الرغبة في مشاهدة العروض المسرحية لأسباب تكاثر الفنون الأخرى وتطبيقاتها التكنولوجية.

ولعل أبرز تلك الأسباب هي غياب النجوم عن العمل بمسرح الدولة بسبب معوقات الإنتاج وبسبب غياب الدعاية المحترفة وبسبب المهرجانات المسرحية المتكاثرة في كل مكان، وازدياد عددها المؤدي إلى استبدال المواسم المسرحية المنتظمة بالمهرجانات المستمرة. أما محور حرية الإبداع والرقابة على المصنفات الفنية فهو أمر على مسرح الدولة مراجعته، والتخلص من حالة التردد الدائم، فالموقف المدهش الذي لا أجد له تفسيراً حتى الآن هو موافقة الرقابة على عدد من الأعمال، وتخوف جهة الإنتاج الرسمية من تنفيذها، بل إن مسرحية هولاكو للشاعر الكبير فاروق جويدة والتي انتهى المخرج الكبير الفنان جلال الشرقاوي (رحمه الله) من إخراجها، وتم إنتاجها لم تعرض للجمهور بسبب خوف جهة الإنتاج من العمل، رغم موافقة الرقابة على المصنفات عليها.

المسرحيون يراقبون بعضهم البعض بشدة، كما أن الرقابة الذاتية التي أورثها المسرحيون لأنفسهم ولأجيال جديدة في المسرح المصري مسألة يحتاج المسرحيون إلى مناقشتها مع أنفسهم أولاً، ثم التحرك في نقاش جاد عن المسرح والرقابة وحرية الإبداع.

أما أحاديث الملكية الفكرية، فما أحوجنا لمناقشتها لإنقاذ أعلام المسرح الكبار الراحلين من بطء الورثة، ومن تحكمهم المفرط حتى في السير الذاتية لهؤلاء المبدعين.

ولعل وجود صندوق لحفظ حقوق الورثة الذين في بعض الأحيان لا يمكن العثور عليهم، يمكن معه الحفاظ على امتداد تراث هؤلاء المبدعين الكبار، فحقوقهم المادية هي الجزء الأقل أهمية من حقوق عرض أعمالهم واستمرار تقديمها.

بل إن بعض الوارثين لكبار الكتاب والفنانين في مصر والوطن العربي تتنازعهم رغبة في استثمار هذا الميراث إلى أقصى حد، وهو ليس بعقار ولا تراث مادي قابل للتعاطي وفقاً للعرض والطلب.

بينما كان الكتاب الكبار يحصلون على المقابل المادي المنطقي، بل كان بعضهم لا يهتم بقيمته المالية قدر اهتمامه بتقديم العمل للجمهور. أما عن الجدد في فنون الكتابة والنشر الثقافي فيجب إعادة النظر في حقوقهم المالية الضئيلة جداً في عالم الإنتاج الفكري، لأن هؤلاء وهم مهتمون بالفكر والإبداع الجاد يضطرون إلى بيع حقوق ملكيتهم الفكرية في إطار المتاح من أجور لدى مؤسسات النشر الرسمية، وإلا فسيتم إخراجهم خارج إطار عالم النشر. 

ففي هذا إساءة استغلال لأهل الفكر والإبداع الجدد، وفي هذا الصدد يمكن مراجعة مكافأة النشر في بعض إصدارات النقد ستجد أن المؤلف يدفع ثمناً أكبر لمختص الكتابة على الكومبيوتر مما يتقاضاه من أجر، مما جعل دخل هؤلاء يعتمد على الجوائز والسعي خلفها وأشياء أخرى. 

أما عن قانون الملكية الفكرية المصري وارتباطه بالتفكير الدولي في هذا الشأن فهو قانون متطور ومعاصر للغاية، فقط يجب الانتباه إلى آثار تطبيقاته الخطيرة في بعض الأحيان.

ما أراه جديراً بالمناقشة حقاً هو حقوق الملكية الفكرية التي هي مقدرة بشكل خاطئ للمبدعين من الكتاب والنقاد، وأصحاب المؤلفات العلمية في مصر الآن داخل المؤسسات الرسمية المعنية بالنشر العام، وامتداد ذلك وتأثيره على مؤسسات النشر الخاصة.

إذ أن المؤلفات التي تحقق الأرباح هي مؤلفات روايات التسلية التي تقوم معظمها على عالم افتراضي يحكي عن الجن والعفاريت وما إلى ذلك، مما يخاطب عقلية جديدة يستهدف جعلها عقلية سحرية معاصرة، ويستخدم في ذلك فصحى أقرب للعامية الجديدة، بينما تختفي أرباح كتب الفكر الجادة تقريباً، ويعتمد أصحابها على الأمل في الجوائز كبديل عن غياب هذا المقابل.

ويتماس ذلك مع أهل الاحتراف في المسرح المصري، إذ باتت أعمال الجادين منهم خارج نطاق ومعايير جهات الإنتاج، وخرجت جهات الإنتاج الرسمية من عالم الاحتراف، لصالح موجات من الهواة اجتاحت المسرح المصري عبر المهرجانات التي يستفيد منها عدد مكرر يتم إعادة تدويرهم في كل مهرجان، بينما لا يستفيد الهواة إلا صناعة لحظات شغل الفراغ التي لا تمكث إلا قليلاً وتذهب.

كان للهواة مساراتهم وأماكنهم ومهرجاناتهم وكان للمسرح المحترف مواسمه وطرقه المهنية وتقاليده التي يجب أن تعود، حتى لا ينتهي المسار المهني المسرحي المصري.

تلك بعض من ملاحظاتي أضعها على مائدة المسرحيين المستديرة، كي لا يصبح شعوري بهذا الطنين الحسي اليومي سبباً ومبرراً لترك تلك الملاحظات الضرورية على تكرارها، ولكن وجب التكرار لعل الأمور تسير نحو الأفضل، ولعل الطنين الحسي يهدأ في أذني قليلاً عندما أؤكد لنفسي ولأهل الفنون استحالة استغناء البشر عن حالة الاجتماع الخاصة التي يصنعها المسرح.  

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز