عاجل
الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

د. عادل القليعي يكتب: سن التقاعد وما بعده

د. عادل القليعي
د. عادل القليعي

نعم هي سنة الله تعالى في خلقه، ضعف، ثم قوة، ثم ضعف وشيبة، ولن تجد لسنة الله تبديلا.



فتبدأ حياة الإنسان منذ أن يخلقه الله بالضعف لا يملك لنفسه من أمرها شيئا، ثم يشب وبكبر ويصبح شابا عفيا فتيا، ثم يتقدم به السن وقد يطعن في السن فيصبح شيخا عجوزا اشتعل رأسه شيبا، ومنا من يتوفى وآخرون يردون لأرذل العمر لكيلا يعلموا من بعد علم شيئا.

وهذه حياتنا لا بد أن تستمر إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وهو ما يميزها بالحركية والاستمرارية والتحول والصيرورة.

لكن، وما بعد لكن يأتي السؤال المهم، ثم يليه الأهم، ما المقصود بسن التقاعد؟! والأهم هل حياة الإنسان تتوقف ببلوغ هذه السن؟! هل يمكن تقسيم الناس من خلال استقراء الواقع ممن سبقونا وبلغوا هذه المرحلة؟! هل لنا أن نضع خارطة طريق لنا ولم سيأتون بعدنا، تتغير حسب الضرورة ومتغيرات العصر؟!

السيدات والسادة، جميعنا سيأتي عليه الدور وسيبلغ هذه المرحلة العمرية وستقام له الاحتفالات في عمله، في بيته من أسرته الصغيرة، أو من أعضاء ناديه الذي هو عضو به، أو حتى من بني جنسه، أقصد أصدقائه حتى على المقهى الذي يقضي فيه وقت فراغه، والجميع يقدم الهدايا العينية أو الكلمات الثنائية المعنوية التي تشحذ همته وتدفعه دفعا للمواصلة والاستمرارية.

الأحبة الكرام، سن التقاعد هو بلوغ الموظفين في قطاعات الدول ومؤسساتها سواء القطاع العام أو القطاع الخاص- كل حسب قانون العمل الذي ينظم هذه العلاقة- فالمعروف عندنا في مؤسسات الدولة أن سن الستين هو سن التقاعد، قد يمد عام، أو يمدد تيرم دراسي لعميد الكلية أو ضابط شرطة وخلافه، إلا أن هناك قطاعات في القطاع الخاص تنهي للعمال قبل بلوغ هذه السن تخفيضا للعمالة مع الاحتفاظ بمعاشه الاجتماعي وإعطائه مكافأة نهاية الخدمة حسب كل قطاع، وحسب اللوائح والقوانين التي تنظم هذه العلاقة. هذا بالنسبة لمفهوم سن التقاعد على حد معرفتي.

أما هل تتوقف حياة الإنسان عند هذه السن، بمعنى هل يتوقف الإنسان عن العطاء، عن الإبداع، عن التقدم ومواصلة المسيرة، هل يقول كفانا، أديت ما علي، أديت رسالتي تجاه أولادي.

لكن أطرح عليك سؤالا، هل أنت مجرد ترس في آلة لها عمرها الافتراضي، تخرج من الخدمة بعده وتتوقف عن العطاء والاستمرارية، إذا قلت نعم لي سن معينة لا عطاء بعدها، أقول لك، هذه مغالطات منطقية وحججك واهية، كأنك تقول لقد كبرت في السن، وهل حياتنا وبقائنا يقدر بالأعوام والسنين، أقول لك هذه سلبية ما بعدها سلبية. أقول لك أيها الأخ الحبيب، والأخت الغالية، ألم تسمعوا حديث النبي، صلى الله عليه وسلم، لو أن بيد أحدكم فسيلة وظن أن القيامة ستقوم فليغرسها ويلقى الله وهو يعمل، ألم يسمع قول النبي ﷺ، هذه يد يحبها الله ورسله.

الأحبة الكرام سن التقاعد نظمته قوانين العمل حتى تتيح تكافأ الفرص، يخرج مجموعة ويدخل بدلا منهم آخرون وهكذا دواليك.

لكن نستسلم ونقول خلاص، كفاية ننتظر أن نلقى الله، أذكركم بقوله تعالى (وما تدري نفس ماذا تكسب غدا، وما تدري نفس بأي أرض تموت)، فلا أحد منا يعلم متى سيموت، فدعكم من هذه السلبية والاستسلام.

نعم وكما يقولون سن الشباب يبدأ من الستين، فكم من أناس وصلوا إلى هذه السن وهم بكامل قواهم البدنية والذهنية واستمروا في عطائهم، وكم من أناس كانوا يعملون في الهندسة والمحاسبة والشرطة والقضاء، ونجحوا أكثر بعد بلوغهم سن التقاعد، فهناك من أسس المصانع التي استفادت منها البلاد، وهناك من برع في التجارة، وآخرون كانوا مستشارين ولواءات شرطة ولواءات جيش ومعلمين برعوا كل في مجاله، فعلى سبيل المثال المعلمون الذين انتهت خدمتهم بعضهم لم يتوقف وعمل بالمدارس الخاصة، لواءات الشرطة أقاموا مكاتب للمحاماة وهكذا، أيضا هناك المهندسون الزراعيون الذين نجحوا نجاحا مبهرا في إنشاء المزارع، ومشاريع التسمين للدواجن والمواشي والأغنام أعزكم الله تعالى.

لا يمكن بحال من الأحوال أن تتوقف حياة الإنسان عند سن معينة لأن في ذلك فقدان لذاتية الإنسان وشخصانيته، فبدلا من أن يكون قدوة لأبنائه يصيبهم بالإحباط.

بل أرى العكس من ذلك هو الصحيح، ببلوغ سن التقاعد سيتحرر المرء من الروتين والرتابة والملل اليومي، بل سيتغير نظام حياته إلى الأفضل أو إلى الأسوأ بيدنا كل ذلك لا بيد عمرو أو زيد.

من الممكن تقسيم الناس في هذا الموضوع إلى ثلاثة أصناف الأول: المحبطون، أولئك الذين يصابون بالإحباط ببلوغ هذه السن، وقد يصابون بالمرض النفسي، فبعد أن كان مديرا أو يشغل منصبًا مرموقا ويشار إليه بالبنان، مجرد أن يحال إلى سن التقاعد يحدث له نوع من التجاهل من الآخرين بقصد أو عن غير قصد، نظرا للانشغال في دوامة الحياة أو للأسف لسوء تعامله مع الذين يترأسهم، وعلاج ذلك بسيط بقليل من الاستبصار والتذكر أن هذه هي سنة الحياة ويوما ما سنحال إلى التقاعد وشغب نفسه بأمور مفيدة.

الثاني، اللامبالون الذين يقضون حياتهم هكذا حياة نحياها بطولها وبعرضها، خرجنا من العمل محالين إلى سن التقاعد ودخلنا لا ثمة فرق بين دخوله ولا خروجه اللهم إلا فارق الوقت والزمن، دخل شابا يافعا وخرج رجلا هرما، مضى عمره دون أن يشعر به، حياة نحياها وعمل نقتات منه، ثم نتركه متواكلين على قرشين من المعاش لا يسمنون ولا يغنون من جوع، يصرفهم من الصراف الآلي، ويلقيهم في حجر زوجته (وشيلي شيلتك)، وتنظر إليه فتجده مهلهل الثياب، مكفهر الوجه ممسكا بسيجارته وجواله أو ممسكا بكوب الشاي أو فنجان القهوة، جالسا يتشمس في فصل الشتاء، أو يتمشى على الكورنيش في الصيف غير مكترث بشيء.

أما الصنف الثالث، فهم المتفائلون الذين مجرد أن تنتهي خدمتهم الوظيفية لا يتكاسلون، لا يتواكلون، بل يتفننون في الاستفادة من حياتهم بعد ذلك، فإن كان من رواد المساجد يزيد من عطائه، كأن يكثر من مجالس القرآن الكريم والذكر وحلقات العلم ومطالعة كتب السير وحضور حلقات العلم الشرعي.

وإن كان من الصحفيين يزيد من كتاباته الصحفية بل ويسارع في إنشاء المواقع الإلكترونية الإعلامية التي تفيده وتفيد مجتمعه.

المهم لا يتوقف عن الاستمرارية والعطاء لأن ذلك سيكون قدوة للشباب، بل وسيكون دافعا لشحذ الهمم وتحفيزهم للعطاء أكثر وأكثر من أجل رفعة أوطانهم.

وكما نعلم أن حياة الإنسان في الغرب تبدأ بعد الستين، لكن سؤال طرأ على ذهني، هل أصحاب الحرف اليدوية الشاقة لهم سن تقاعد، كالذي يعمل نساجا أو حياكا أو سائقا أو بناء، أو نقاشا، أو نجارا، أو فلاحا، أليس هؤلاء جميعا مكونا أصيلا للمجتمع فلنتخذ هؤلاء عبرة ومثلا أعلى لنا.

حياتنا لا ولن تتوقف بعد سن الستين، والذي يظن ذلك فليراجع نفسه ولينظر بعين الاعتبار والاستبصار لمن هو فوق السبعين والثمانين ويجر عربة خضار أو فاكهة ليبيعها، ليقتات منهم وينفق على ذويه ولا يمد يده لأحد. فلا يأس مع الحياة. هكذا يكون الرجال. هكذا يكون البناء. بناء الإنسان بما هو كذلك.

 

أستاذ الفلسفة الإسلامية – آداب حلوان 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز