عاجل
الأحد 22 سبتمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
We
البنك الاهلي
ملاحظات التغير السكاني في مصر.. رؤية ثقافية

ملاحظات التغير السكاني في مصر.. رؤية ثقافية

إن المقترب المثالي في تقديري للنظر إلى دور الثقافة والفنون في مصر المستقبل، لا يمكن رؤيته بعيداً عن رؤية مصر لمشروعها المهم (مصر 20/30).



 

وهو التصور الاستراتيجي الهام والذي يعمل ضمن الرؤية التي أطلقتها الدولة المصرية بعنوان رؤية مصر 2030 تصوراً ثقافياً واضحاً للأهداف وللسياسات ولوسائل التنفيذ.

 

وهى الرؤية التي يمكن العودة فيها بشكل تأسيسي إلى القاهرة نموذجاً، وذلك بالعودة لتأمل المشروع القريب للعاصمة القاهرة 2050.

 

وهو ذلك المشروع الذي أحاطه النسيان على ما أثاره من جدل وقت طرحه منذ أكثر من عقد من الزمان.

 

وهو التفكير العميق الذي عبر عن رؤية قومية للعاصمة 2050، بالتعاون مع البنك الدولي والأمم المتحدة.

 

كان يستهدف التغلب على مشكلات الإقليم من ارتفاع الزيادة السكانية بالكتلة العمرانية الرئيسية والزحام المروري المتصاعد، وعدم توفر البيئة اللازمة لتحقيق جودة الحياة.

 

وقد كان يستهدف مدينة جديدة تتوسع في المساحات الخضراء، وأيضاً كان يستهدف خلخلة القاهرة الكبرى من المناطق العشوائية، وتحويل القاهرة إلى مدينة على الطراز العالمي خاصة الأمريكي والأوروبي الحديث.

 

وهو ما أثار الجدل الكبير حول تغيير طريقة ملايين البشر وأسلوبهم في الحياة.

 

مما يستتبع إجراء عمليات استئصال وعلاج بعضها مؤلم لعديد من الأحياء العشوائية، ولبعض من الأحياء التاريخية والتي ظهرت لها زوائد طفيلية غريبة جداً.

وهو المشروع المهم الذي تم إعادة إدماجه في رؤية أكثر شمولاً في كل أنحاء مصر، وأخطرها وأصعبها، ألا وهو مشروع مقاومة الأسباب الأصلية في العشوائية وتناميها في كل مدن مصر، وريفها على الأخص.

لا شك أن وسط المدينة التاريخية والذي كان مركزاً للمسارح ولدور العرض المسرحي والسينمائي، كان وبسبب اقتراب المركز من مقر الحكم في عابدين ولاظوغلي مكاناً ثرياً حياً بالحياة والبشر والمكتبات ومحال الترفيه وغيرها.

 

ومع انتقال مقر الحكم إلى مصر الجديدة بعد ثورة 1952بدأ التراجع التدريجي لأهمية وسط المدينة حتى وصلت إلى ما هي عليه الآن، وما صحب ذلك من كتابات حزينة حول تراجع الدور الثقافي لها تدريجياً.

 

وصاحب انتقال مركز الحكم بعيداً عن وسط المدينة، توسعات حضرية جديدة في امتدادات القاهرة المتعددة من مدينة السادس من أكتوبر، والتجمع وغيرها من المدن الجديدة.

 

إلا أن هذه المدن والأحياء الجديدة وإن حظت ببعض من النقاط الثقافية الجديدة المضيئة، إلا أنها لم تشكل ذلك التجمع الثقافي الذي كان في وسط القاهرة، والذي حظى بقدر واضح من التنوع الثقافي، وتعدد في مستوى الخطاب ونوع الجمهور المستهدف، بل وتعددية واضحة في القائمين على الإنتاج الثقافي والفني.

 

ومع بناء دار الأوبرا الجديدة في الجزيرة تم فصل الفنون الرفيعة عن المركز الثقافي القديم لوسط المدينة.

 

وجدير بالذكر أن مثل هذا التراجع قد حدث في المراكز الثقافية الإقليمية الأخرى في عواصم المدن المصرية الأخرى مثل الإسكندرية وأسيوط.

 

وتكرر هذا بشكل أو بأخر وبطرق متعددة في معظم الحواضر المدنية، بالإضافة إلى تراجع منتجي الثقافة الشعبية وفنونها التقليدين بداية بالراوي وفرق المسرح الجوالة وشعراء الربابة انتهاء بالسيرك البلدي وما كان يصحبه معه من فنون الغناء والتمثيل وغيرها.

 

وساهم ذلك في تراجع ذلك الإبداع الشعبي التقليدي الذي كان يضيء ليالي الريف، حدث الأمر بالتدريج مع ظهور الثقافة المركزية لهيئة الثقافة الجماهيرية في الستينيات وامتدادها الآن بمسمى الهيئة العامة لقصور الثقافة، ومعها تكاثرت المبادرات المتعددة للانتقال من المركز للأطراف بقوافل ورحلات وأنشطة متعددة، ورغم أهميتها إلا أنه يجدر التنويه لضرورة توفير البيئة المناسبة للأطراف لإنتاج الثقافة وصناعة إبداعاتها المختلفة.

 

ولذلك فإن العلاقة الوثيقة بين المكان ومراكز الحضر الجديدة، وتجمعات السكان الجديدة، بما فيها المدن والتجمعات العمرانية الناجحة كالأسمرات ومثيلاتها والتي تستهدف العدالة الاجتماعية.

أن تكون مصدر الفهم الأساسي هي وأنماط الحياة اليومية المتعددة والتي جاءت فيها كنتيجة لتغيرات جذرية في التركيبة السكانية وتغير شكل واهتمامات السلوك اليومي البشري، وسلم الأولويات التدريجي لتلك التجمعات السكانية الثقافية المختلفة، كي نفهم الثقافة المصرية.

 

ولذلك فالسؤال ليس فقط عن إتاحة استهلاك الثقافة والفنون، بل عن إتاحة إنتاجها بشكل عادل للجميع، في المراكز السكنية الغنية والفقيرة والمتوسطة، والقريبة من المركز الحضري الجديد، أو البعيدة عنه في الأطراف، سواء بسواء في ذلك الحضر أو الريف، المدن أو القرى، الأحياء الرئيسية أو الضواحي.

 

وفي ذلك يمكننا أن نفكر في مستقبل جديد، بعد الانتهاء من العاصمة الإدارية الجديدة، والانتقال الكامل للحكومة المصرية فيها، بما في ذلك انتقال المركز الرئيسي للحكم إلى هناك وما سيتبعه من تغيرات سكانية حضرية، ستؤدي بالضرورة لبزوغ مراكز ثقافية هامة جديدة ومتعددة.

 

زاوية الاقتراب في تقديري هي حركة السكان وتعداد مصر الأخير المهم والحرص على تجديد بياناته، والحرص على دعم وتنمية وسط القاهرة الذي سيصبح خالياً تقريباً بمبان تاريخية هامة مثل مبنى البرلمان المصري. وغيره، والعمل على استعادة ذلك المركز الثقافي المهم.

 

كما يبقى الحفاظ على حيوية الأحياء الشعبية التاريخية في مصر كلها، ضرورة مع تطويرها من الداخل، وإعادة إطلاق إمكانياتها للعيش والإنتاج والإبداع من جديد، لأن تلك الأحياء التاريخية علامة حضارية كبرى لا يمكن إعادة إنتاجها مرة أخرى، وهي ميزة حضارية لمدن الحضارات القديمة.

 

ولنا في حواضر العواصم التاريخية المتعددة وإعادة تأهيلهما للتعامل مع عالم معاصر نموذجاً للتأمل والاستلهام، إذ يمكن النظر إليها كتراث حضاري تاريخي يجب الحفاظ عليه وإطلاقه حياً ومزدهراً من جديد. وفي ذلك حدث أن قدمت وزارة الثقافة المصرية على يد وزيرها الأسبق د. جابر عصفور استراتيجية ثقافية متكاملة ذات طابع منظومي يستهدف العمل مع كافة ما هو قادر على تنشيط ودعم الثقافة المصرية من جهات ومؤسسات عديدة وهي الاستراتيجية التي يمكن ملاحظة تصوراً أشمل لها شديد الوضوح في أهدافه، وهو المتعلق بالثقافة في رؤية مصر 2030 الشهيرة، والتي تم إطلاقها كمشروع جماعي للدولة والمجتمع المدني.

 

فقط تحتاج تلك الرؤى الاستراتيجية الهامة لتحديث مستمر ولمقاربة هامة مع التغير والتحديث المستمر في حركة المدن والأحياء المختلفة والقرى والنجوع.

 

وذلك لتحقيق الهدف الأمثل ألا وهو تمكين المواطن المصري من امتلاك المعرفة، وإدراك تاريخه وهويته الثقافية، وإتاحة قدرته على الاختيار الحر في تلقي الثقافة وإنتاجها.

 

ودعم مجموعة من القيم الإيجابية للمجتمع المصري في إطار صنع مشتركات ثقافية يتفق عليها الجميع، مع الحرص على إدراك وإتاحة التنوع والاختلاف، وحق التثقيف المدني، وفي ذلك يجب دعم مؤسسات المجتمع الأهلي وإتاحة حرية العمل لها، وتمكين مؤسسات الثقافة الخاصة جنباً إلى جنب مع مؤسسات الدولة، وتطوير العاملين فيها وتمكينهم من ممارسة أدوارهم المهمة، ودعم الصناعات الثقافية والإبداعية والثقة في كونها العلامة الحضارية المصرية الكبرى وأنها أحد أهم مصادر الدخل القومي المصري المتاحة والممكنة.

 

بالإضافة إلى مقدرتها الفاعلة على تعزيز مشاركة مصر في الحضارة الإنسانية المعاصرة وتعظيم حضورها الإنساني المحلي والعربي والإقليمي والدولي.  

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز