عاجل
الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

التكوين الديموغرافي والإثني للصحراء الإفريقية

سكنت أقاليم الصحراء العديدُ من الإثنيات والعرقيات عبر الحقب التاريخية، ومنذ أقدم العصور، وفيما يخصُ سُكان الصحراء القُدامى، فمن الأهمية بمكان الحديث عنهم بشيءٍ من الإيجاز، لنتعرف على أصحاب "الإرهاصات الأُولى" في حركة التواصل بين كل من مناطق شمال الصحراء الكبرى من ناحية، ومناطق جنوب الصحراء التي تأسست بها الممالك الإفريقية القديمة جنوب الصحراء من ناحية أخرى، لاسيما مع ازدهار حركة القوافل التجارية بين شمال الصحراء وجنوبها منذ ما قبل الإسلام. 



وتُعتبر قبائلُ "البربر"، وبطونهم، من أقدم من سكن اقاليم تلك الصحراء، ولاريب أن هؤلاء البربر هم أكثر الشعوب تأثيرًا في تلك الصحراء لاسيما إبان الحقبة التي سبقت قُدوم الإسلام إلى شمال إفريقيا.

وتباينت الفرضياتُ والآراء بشكلٍ واضح حول شعوب "البربر"، وأصولهم، وجذورهم الأولى، فمن قال إنهم في الأصل من نسل حام بن نوح عليه السلام، أي أنهم ينتسبون لما يُعرف بـ"الحاميين"، أو "الجنس الحامي" Hamitic Race. وقيل أيضًا بحسب بعض الروايات: إن البربر ربما كانوا من جماعات "الفينيقيين" القدامىAncient Phonecians . 

ومن المعروف أن الفينيقيين القدامى هم سكان سواحل الشام حاليًا، وتحديدًا مناطق الساحل اللبناني، وأنهم كانوا قد هاجروا بعد سقوط حاضرتهم مدينة "صور" Tyre (في آراضي لبنان حاليًا). 

ثم استقر الفينيقيون بعد ذلك في شمال إفريقيا، ولعبوا دورًا مهمًا في الازدهار الحضاري الذي حدث في هذه البلاد منذ القرون المتأخرة قبل الميلاد. والفينيقيون هم في الغالب الذين حلوا محل الكنعانيين في هذه البلاد (أي بلاد الشام)، وهم ينتسبون لأحد "الشعوب السامية" القديمة، أو "العرق السامي" Semitic Race، حيث إنهم ينتسبون إلى نسل سام بن نوح عليه السلام بحسب ذلك الرأي الآنف. 

وثمة رأيٌ آخر، يذهب أصحابه إلى أن قبائل البربر ربما كانت لهم جذورٌ عربية قديمة، حيث يذكر المؤرخ ابن حزم، وغيره من قدامى المؤرخين، أن طوائف من البربر يدّعون الانتساب إلى "عرب اليمن"Arabs of Yemen، وهم ذاته المعروفون باسم: عرب قحطان Qahtan. 

وورد في بعض المصادر الأخرى أن البربر ربما كانوا من ولد قيدار بن إسماعيل عليه السلام، وهذا ما يؤيد انتساب البربر، أو فروع منهم إلى أصول عربية قديمة، ومن المعروف أن إسماعيل عليه السلام هو النبي المعروف بحسب المصادر العربية بأنه "جد العرب"، ولذا يطلق عليهم تسمية: بني إسماعيل Sons of Ismail، وهؤلاء العرب هم المعروفون بـ"العرب المستعربة". 

وهو الأمر الذي تشير إليه المصادر السودانية نفسها، حيث يشير السعدي في حديثه عن الطوارق، وهم من البربر: "تعريف الطوارق، وهم المسوفة ينتسبون إلى صنهاجة، وصنهاجة يرفعون أنسابهم إلى حمير..". 

ومن المعروف أن عرب حمير، هم من ولد سبأ، وهم عرب اليمن، أو عرب قحطان. وفي ذات الشأن، يُشير بعضُ الباحثين لقدوم بعض الهجرات العربية القديمة، والتي كانت قد وفدت قادمة من مناطق شبه "جزيرة العرب" Arabian Peninsula  إلى شمال إفريقيا منذ ما قبل الميلاد.

ومن المعروف أن جزيرة العرب هي موطن العرب، ومهدهم الأول، وكذلك باقي مجموعة الشعوب السامية القديمة Semitic Peoples. ومن ثم، فإن البربر وبطونهم، بحسب هذا الرأي الآنف، ربما يكونون في الأصل من بين أحد الفروع القديمة التي تنتسب إلى "المجموعة السامية"، وأنه لهم فيما يبدو صلة وثيقة بالجماعات العربية القديمة. 

ويؤكد ذات الفكرة بعض الباحثين المحدثين، ومنهم الدكتور الناصري، حيث يعتقدون أنه في أغلب الظن أن قبائل البربر أسبق الفصائل العربية التي هاجرت إلى شمال إفريقيا وقبل الفينيقيين بكثير، وكانوا يشكلون همزة الوصل بين كل من القرطاجيين والأفارقة السود. 

وكانت بعض قبائل البربر قد هاجرت من شمال إفريقيا إلى جنوب الصحراء، ثم قاموا بالتجارة مع بعض القبائل أو الجماعات الإفريقية المحلية من الزنوج في تلك البلاد. وأما فيما يخص البربر وأنسابهم، وموطنهم الأول في قارة آسيا، يقول ابنُ الفقيه: "وكانت دار البرابرة  فلسطين، وملكهم جالوت، فلما قتله داود، انتقلت البربر إلى المغرب"، وهي رواية تشير لقدوم البربر في الأصل من بلاد الشام، وهو ما يؤيد بدوره فكرة وجود ثمة صلات قديمة بين بين كل من البربر والفينيقيين القديمة. 

ويصفُ المؤرخ "القزويني" "البربر" بأنهم: "أمةٌ عظيمةٌ، ويُقال إنهم في الأصل من بقية قوم "جالوت" الذين كانوا قد سكنوا أرض فلسطين. 

وتلك الرواية تؤكد هي الأخرى صلة البربر بالشعوب الفينيقية، وهي ذات الفكرة التي تؤكدها المصادر الأخرى. وعلى هذا، تُؤكد العديد من المصادر على وجود جُذورٍ أسيوية قديمة (عربية – فينيقية) لهؤلاء البربر، أو ربما لبعض البطون أو الفروع منهم، وهذا هو الرأي الراجح، والأقرب للمنطق التاريخي. 

وفي صدد ذات الحديث حول هوية السكان القدامى لأقاليم شمال إفريقيا، والتكوين الديموغرافي (السكاني)، والإثني الخاص بساكني الصحراء الإفريقية، والهجرات القادمة منها وإليها منذ ما قبل الميلاد بزمن بعيد، يقول ك. ماكفيدي: "أما المناطق الإفريقية شمالي الصحراء الكُبرى، فكان الوضع فيها مختلفًا لحدٍ كبير، فقد كانت مأهولةً بأجناسٍ بيضاء تنتمي للساميين القاطنين في شبه "جزيرة العرب"، وهم ينقسمون لجماعات تختلف فيما بينها لُغويًا". 

وفيما يخص أحد التصورات العلمية الأخرى حول البربر، واستقرار بطونهم في شمال إفريقيا، يشير سام إبشتين إلى أن قبائل وبطون البربر هي إحدى الجماعات التي اتجهت إلى الآراضي الإفريقية منذ حوالي 3000 سنة خلت، ومن المحتمل أنهم يمتون بصلة القربى مع بعض السكان في جنوب أوروبا. 

ويقال إنه لاتزال هناك قبائل من هؤلاء القوم الأقوياء بعضهم أزرق العينين، وأبيض البشرة، وبعضهم أسمر يقطنون في أقاليم الصحراء الكبرى. ويُشكل هذا الرأيُ طرحًا آخر، واتجاهًا مختلفًا حول قبائل البربر، وأصولهم، وأنه ربما كانت لهم ثمة صلة قرابة أو نسب مع بعض الجماعات القديمة في مناطق جنوب أوروبا، ومن الراجح أن فروعًا قليلةً من البربر هي التي اختلطت مع الجماعات في الجنوب الأوروبي. 

بينما يشير الأثري "روبير فيرني" إلى أنه مما مكن التدهورُ المتواصل للظُروف المُناخية من سيطرة أناسٍ جُدد على عُموم الصحراء تقريبًا، وهم البربر، لقد نقشوا ورسموا أحيانًا وبصفة رديئة أبقارهم، وعرباتهم، وخيولاً قليلة، وصيدهم البري.

 وتلك هي تقريبًا الموضوعات المهمة التي تعرضت لها الرسوم الصخرية، فالإبل والغزلان والنعام تعتبر أهم الحيوانات المُتمثلة في تلك الرسوم". ويذهب البروفيسور س. إبشتين إلى وجود جماعاتٍ إثنية قديمة سكنت الصحراء الكبرى، وأنها جاءت من بعض مناطق أوروبا القديمة.

 ثم إنهم امتزجوا بالسكان المحليين القدامى في هذه البلاد. ولابد من الإشارة في ذات الصدد أنه حتى المصادر السودانية المحلية ذاتها أشارت لوجود ثمة علاقة نسب أو قرابة بين البربر والعرب، وهو ما يشير إليه عبدالرحمن السعدي في روايته في تاريخ السودان: "التوارق، وهم المسوفة ينتسبون إلى صنهاجة، وصنهاجة يرفعون أنسابهم إلى حمير.."، وقبائل حمير كما هو معلوم لنا هم من عرب اليمن.

ويرى البعض أنه توجد ثمة صلة قوية لايمكن تجاهلها فيما بين البربر، أو الفينيقيين القدامى تحديدًا من جانب، وبين الجماعات العربية القديمة التي كانت قد هاجرت من "جزيرة العرب" قبل الإسلام من جانب آخر.

 ثم حدث نوع من الامتزاج بشكلٍ أو بآخر بين الطرفين (أي بين كل الفينيقيين والعرب) آنذاك، وهو ما أنتج لنا جماعات البربر الحالية، وهو الأمر الذي تؤكده العديد من روايات المصادر القديمة على وجود نسب قديم وواضح بين كل من البربر والعرب، وهذا لايمنع من وجود امتزاج ما مع بعض الجماعات الأوروبية القديمة، وهو ما نلحظه حتى اليوم في ملامح بعض البربر. 

وعلى أية حال، فمن المؤكد أن جماعات البربر تركوا أعظم الأثر الحضاري في هذه الصحراء عبر تاريخها، وامتدادها الواسع أكثر من غيرهم، ولاسيما فيما يخص الصلات التجارية بين مناطق شمال وجنوب الصحراء.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز