عاجل
الأحد 12 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
الحرب الروسية الأوروبية في أوكرانيا القمة الخليجية العربية الصينية
البنك الاهلي
سلاح "اليوان" والقمة العربية الصينية

سلاح "اليوان" والقمة العربية الصينية

في سلسلة مقالات، بدأتها السبت 26 فبراير 2022، حملت عنوان "عالم ما بعد الحرب الروسية الأوكرانية"، ذهبت إلى أن العالم يعيش لحظة فاصلة، بين عالمين، لكل منهما حساباته ومعادلاته، وأقطابه وتحالفاته، بل وشعاراته وحملاته الدبلوماسية لبناء صوره الذهنية المستهدف تصديرها.



 

العالمان هما: عالم ما قبل الحرب الروسية الأوروبية في أوكرانيا، وعالم ما بعد اندلاع هذه الحرب، بما تخلفه من تحولات جيوسياسية، وشرعية الحرب، وتحالفات القوى الجديدة على الأرض.

 

وفي المقال الثاني من تلك السلسلة، الثلاثاء 1 مارس 2022، تحت عنوان: "صفعة قوية على وجه أكبر منظمة دولية"، انتهيت إلى أن الأمم المتحدة بجهازها الأهم "مجلس الأمن"، وتشكيله المسيطر على حق الفيتو، به خمس دول- بينها روسيا إلى جانب أمريكا والصين وفرنسا وإنجلترا- ستشهد تصدعات، وأدلة فاضحة لعجزه عن تحقيق هدفه في حفظ الأمن والسلم الدوليين، وسيدفع العالم إلى إحداث إصلاحات جوهرية في بنية منظمة الأمم المتحدة وجهازها الأهم "مجلس الأمن"، بتوسعة العضوية به، ومعالجة احتكار الخمس دول الكبار لحق الاعتراض على تمرير القرارات.

 

والأهم أن تحالفات عالم ما قبل الحرب الروسية الأوروبية في أوكرانيا، ستشهد تصدعات، وتهاوي نظام القطب الواحد، ليبزغ فجر عهد جديد، متعدد القوى والأقطاب والتحالفات المتداخلة، بما تفرضه تحديات الأمن القومي وموازين القوى الجديدة والمصالح المُشتركة.

 

في هذا المحيط العالمي، متلاطم الأمواج، بات على الدول العربية، صياغة رؤية عربية موحدة، تعزز تأثيرات الإقليم في موازين المعادلة السياسية الجديدة، والتحولات الجيوسياسية وما تفرضها من تحالفات المصالح.

 

وبالفعل اتخذت مصر، والأشقاء العرب- في مقدمتهم السعودية والإمارات العربية والأردن والعراق- خطوات لبناء مواقف موحدة، تنطلق من وحدة الأمن القومي العربي، انطلاقًا من رصد دقيق وعميق للتحولات العالمية في موازين القوى والمصالح، والتحديات المحلية والإقليمية للدول العربية.

 

ولقد بدأ العمل الفعلي، عبر تقدير موقف الخريطة العالمية، وأمواج الصراعات المتلاطمة، لبناء موقف مصري وعربي متوازن، يجيد إدارة الآثار المترتبة على تلك الصراعات والحد من السلبي منها، وتعظيم فرص استثمارها.

 

وبالفعل شهدت مدينة شرم الشيخ المصرية قممًا رئاسية ثنائية وخماسية، سابقة على القمة العربية الأمريكية يوليو 2022، تحت عنوان: "قمة جدة للأمن والتنمية".

 

وهو ذات الموقف العربي الموحد الذي شهدته القمة العربية الصينية بالرياض أمس ١١ ديسمبر 2022، وهي القمة العربية الصينية الأولى، التي سبقتها قمة صينية خليجية، وقمة سعودية صينية.

 

ومع الفارق بين القمتين، وما شهدته من حوارات سياسية، واتفاقيات اقتصادية، ورسائل سياسية؛ فلقد قدمت القمتان مقاييس عملية لمدى تطور العقل السياسي الجمعي العربي، والقدرة على بناء مواقف محددة تنطلق من ثوابت الأمن القومي العربي وتعزز قدرات دولنا.

 

١- عكست القمتان، تحولات جذرية في بنية العمل العربي المُشترك، والتكامل في مقومات القدرة العربية الشاملة، لفرض شراكات عربية مع الأقطاب العالمية تحقق مصالح الدول العربية منفردة ومجتمعة.

 

٢- النجاح العربي في الاستفادة من الموقع الاستراتيجي للمنطقة، ومقومات قوتها الحضارية والاقتصادية، سواء بما تملكه من طاقة تقليدية تتمثل في الوقود الأحفوري- على رأسه البترول والغاز- أو قدرات المنطقة في توليد الطاقة الجديدة والمتجددة.

 

٣- التكامل العربي بات فريضة وخيارًا وحيدًا، في مواجهة التحديات الداخلية لكل دولة، والتحديات الخارجية الناجمة عن صراعات وتحولات عالمية، فالأمن القومي العربي محصلة الأمن القومي العربي، والقدرة الشاملة العربية محصلة تكامل القدرة الشاملة لكل دولة.

 

وهذا النجاح الأهم، وبفضل تحقيقه، تأتي ثمار القمتين السياسية والاقتصادية والأمنية والتنموية، فكلتاهما تخدم المصلحة العربية، ومع ميزة نوعية عملية للقمة الصينية العربية، للأسباب التالية:

 

١- تمتاز الصين عن أمريكا، بأنها تنتهج سياسة المصالح المتبادلة، فتستخدم من الشراكات الاقتصادية آلية للتوسع وتنامي النفوذ، دون تدخل في الشأن السياسي الداخلي لأي دولة.

 

على عكس أمريكا، التي تستخدم القوة العسكرية لإسقاط أنظمة وفرض النفوذ، وتتخذ من شعارات حقوق الإنسان سلاحًا للتوظيف السياسي، ووقفت فعليًا خلف مؤامرات إسقاط عدد من الأنظمة وهدم دول، وتجربتها في العراق وأفغانستان واضحة.

 

٢- تؤمن الصين بالحقوق العربية، وموقفها ثابت ومعلن بشأن القضية الفلسطينية، وحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولة مستقلة عاصمتها القدس الشرقية على حدود العام 1967، وقد جدد الرئيس الصيني شين جين بينج- في كلمته بالقمة- ذلك بكل وضوح، معتبرًا أنه عار على الضمير العالمي استمرار انتهاك حقوق الشعب الفلسطيني.

 

بينما الرئيس الأمريكي، الذي جاء إلى القمة العربية الأمريكية في جدة، ذهب قبلها لزيارة المحتل الإسرائيلي، وعند لقاء الرئيس أبو مازن لم يقدم في كلمته أي جديد يعكس تزحزح أمريكا عن موقفها المنحاز للاحتلال الإسرائيلي.

 

٣- قدم الرئيس الصيني للعرب حزمة مشروعات في مجالات عدة، لعل أهمها تصدير تكنولوجيا الفضاء والطاقة المتجددة، ومشروعات النقل الحديث، وتعزيز المنظومات الأمنية، والدفاع المشترك عن المصالح وتعزيز المنظومة المالية للدول، والاستثمار المشترك.

 

شراكة استراتيجية حقيقية شاملة تمتد للتعاون الثقافي عبر مشروعات محددة، مكتبات عربية صينية، مدارس تعلم اللغة الصينية، وغيرها من التفاصيل لثمانية محاور.

 

وفي الوقت الذي جاء فيه الرئيس الصيني، منطلقًا من قاعدة تعاون تاريخي وتفاعل حضاري بين العرب والصين، وفي القلب منهم الحضارة المصرية القديمة، وموقف مصر السياسي الداعم للصين الشعبية في العصر الحديث، فكانت مصر أول دولة عربية اعترفت بالصين الشعبية المستقلة 1956، كما دعمت انضمامها للأمم المتحدة في مواجهة تايوان 1971، فإن الرئيس الأمريكي جو بايدن جاء لقمة جدة مستهدفًا الحصول على مزيد من حصص البترول، بديلًا عن النفط الروسي.

 

٤- ولعل الحفاوة التي قوبل بها الرئيس الصيني في الرياض، منذ دخول طائرته الأجواء السعودية، لتصحبه طائرات الصقور السعودية، راسمة علم الصين وما تلا ذلك، يعكس حجم الوعي العربي بطبيعة المصالح العربية مع الصين ومدى الثقة في ذلك الحليف الاستراتيجي، مقارنة باستقبال فاتر لبايدن، ثم مواجهة محاولات تدخل أمريكا في الشأن الداخلي للدول بتسييس ورقة حقوق الإنسان.

 

وهنا يظهر الفارق بين حليف ناهض، يمتلك مشروعات اقتصادية عملاقة، أهمها الحزام والطريق، لاستعادة مسار طريق الحرير أهم طرق التجارة التاريخية بين الصين والعرب وإفريقيا، وغيرها من الشراكات الاقتصادية والتنموية، التي تحقق مصالح مشتركة للشعوب، وبين حليف يبحث عن مصالحه أولًا وأخيرًا، وإن عجز عن تحقيقها بالشراكات السلمية يلجأ للضغوط والابتزاز السياسي، بل والقوة العسكرية إن لزم الأمر.

 

٥- الصين شريك موثوق مواقفه ثابتة، بينما أمريكا شريك متقلب المواقف، بحكم قوة خصمه، لا عدالة قضيته.

 

ومؤكد مؤسسات الدولة الصينية درست ذلك جيدًا، لذا حملت كلمة رئيس الصين رسائل واضحة، بأنهم يدعمون الحق والعدل والسلم، دون تفرقة بين دولة قوية وضعيفة، معلنًا موقفه بوضوح من قضية العرب المركزية، القضية الفلسطينية، مشيرًا لثوابت سياسة بلاده الداعمة للشراكات التنموية دون تدخل في الشؤون السياسية الداخلية، مشيرًا في الوقت ذاته لاستعدادهم لدعم الحفاظ على أمن وسلامة الدول العربية.

 

والخلاصة: هناك تنافس صيني أمريكي حاد على تنامي النفوذ، وتحقيق أعلى معدلات نمو اقتصادي، زاد من حدة ذلك الصراع المتغيرات العالمية، وفي القلب منها جائحة كورونا وحرب روسيا، حليف الصين، وأوكرانيا المدعومة من أمريكا والاتحاد الأوروبي.

 

هذا التنافس الحاد، والحرب الاقتصادية المشتعلة، تدفع الجميع لتوسعة تحالفاته، مع كتل فاعلة في مقدمتها الدول العربية.

 

ومصر والدول العربية الفاعلة يعلمون ذلك جيدًا، وبوحدة موقفهم وحرفية إدارة آثار الصراع العالمي، يحققون نجاحات في بناء شراكات استراتيجية تحكمها المبادئ والمصالح القومية.

 

ولعل السلاح الأهم، الآن، في الحرب الصينية الأمريكية؛ هو اليوان في مواجهة الدولار، فالصين تسعى لأن تصبح عملتها عملة عالمية بديلة للدولار، وهذا قد يدفع أمريكا للدخول في صراع مسلح مع الصين.

 

لكن طرح الرئيس الصيني للتبادل التجاري مع العرب بالعملة الصينية، يعظّم من المكاسب العربية ويقلّص من أزمة ارتفاع الدولار في مواجهة العملات المحلية، ومن ثم انعكاساته السلبية على الأسعار.

 [email protected]  

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز