عاجل
الخميس 19 سبتمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
We
البنك الاهلي

خلوتها ومحرابها بالمقطم مازالا مقصدا للعاشقين

آلاف المحبين يحتفلون بالليلة الختامية لمولد السيدة نفيسة

احتفل المصريون بالليلة الختامية لمولد السيدة نفيسة، فهي مقصد لكل محب عندما تدخل مقامها تشعر بالراحة وكيف لا وقد ختمت فيه القرآن مئات المرات وتعبدت وتهجدت، وألقت دروسًا للعلم، حيث كانت فقيهة عالمة فهي الطيبة فرعاً، الزكية أصلاً ومن شعبة الرسالة السـامية الرفيعة النبيلة، أكتنفها العز والشرف والسؤدد والكرامة.



 

هي نفيسة بنت الحسن الأنور بن زيد الأبلج بن الحسن السبط بن أبي طالب، وتعد السيدة نفيسة من نسل سيدنا الحسن رضي الله عنه وأرضاه.

 

ولدت السيدة الطاهرة في يوم الأربعاء الحادي عشر من شهر ربيع الأول سنة خمس وأربعين ومئة من الهجرة النبوية بمكة المكرمة.

 

وكانت شبيهة بعمتها السيدة نفيسة  أخت الحسن الأنور، والتي تزوج بها الخليفة الوليد بن عبد الملك فسماها أبوها باسم عمتها التي دفعت زوجها الخليفة الوليد إلى الفتوحات العظيمة وكفالة الأيتام وترتيب معاش لهم وتخصيص من يخدم المكفوفين، وعمارة المسجد النبوي وتوسيعه، وصرف الرواتب للفقهاء وللفقراء والضعفاء، وفرض لذوي الحاجات ما يكفيهم.

 

وقد رحلت السيدة نفيسة إلى مصر وتوفيت، إذ إنها دفنت بالدار التي وهبت لها من والي مصر أخو زوجها عبد الله بن عبد الملك بن مروان، وكانت صالحة عـابـدة وتوفيت قبل وفاة بنت أختها نفيسة العلوم. 

 

وكان والدها رضي الله عنها وأرضاها  الحسن الأنوار عالما من التابعين مجاب الدعوة شريفا فاضلا وقد تولى إمرة المدينة عام مئة وخمسين من الهجرة إلى أن عزله أبو منصور الجعفر لوشاية فيه سنة ست وخمسين ومئة وتم حبسه. 

نشأت السيدة نفيسة نشأة نبوية بدأت في سن مبكرة في تلاوة القرآن وحفظته في سنة واحدة وكانت تذهب للمسجد النبوي بصحبة أبيها في سن السادسة  تسمع من شيوخه وتتلقى الحديث والفقه من علمائه وعاشت في مدرسة ابيها المحمدية، وقد التقت السيدة نفيسة بالامام مالك وقرات كتابه الموطأ. 

 

وكانت السيدة نفيسة شديدة الجمال وعند بلوغها سن الزواج تقدم إليها الكثير لنيل شرف النسب ولما عرفوه من دينها وعلمها وحسبها ونسبها وصلاحها ومن بين الذين تقدموا لخطبتها إسحاق المؤمن بن جعفر الصادق رضي الله عنه وأرضاه فلم يرد عليه سيدنا الحسن الأمور لفترة طويلة، بالرغم من إلحاح  أبو إسحاق  وحزنه الشديد لأنه يريد أن تكون السيدة من نصيبه فكان يذهب دائما للمسجد النبوي ويدعو أن تكون نفيسه العلوم زوجة له وكأن أبواب السماء مفتوحة، ففي إحدى الليالي رأى الحسن الأنور والد السيدة نفيسة رسول الله في المنام، وهو يقول له: ياحسن زوج نفيسة من إسحاق المؤتمن، فلما أفاق من نومه حتى بعث إلى إسحاق يستدعـيـه إليـه، فسارع إليه وما أن جلس بين يدي الحسن حتى أخبره برؤياه.

 

وما لبث أن عقد له على ابنته في حفل جمع جمهرة من آل بيت، وكان ذلك في سنة احدى وستين ومئة. 

 

وبزواج السيد الشريف إسحاق المؤتمن من السيدة نفيسة اجتمع في بيتها نوران، نور الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، فالسيدة نفيسة جدها الإمام الحسن بن علي والسيد إسحق جده الإمام الحسين. 

 

وولدت نفيسة من إسحاق ولدين هما القاسم وأم كلثوم. 

 

وقالت عنها زينب بنت يحيى المتوج بالأنوار وهي بنت أخو السيدة نفيسة (كانت عمتي نفيسة تحفظ القرآن وتفسيره وكانت تقرأ القرآن وتبكي وتقول: إلهي وسيدي يسر لي زيارة خليلك إبراهيم عليه السلام لأنها تعلم انه أبو الأنبياء. 

وحجت السيدة نفيسة العلوم رضي الله عنها في حياتها المباركة ثلاثين حجة أكثرها ماشية على قدميها، وكانت مقتدية بجدها الحسن رضي الله عنه وأرضاه والذي كان يقول (إني لاستحي من ربي أن ألقاه ولم امش إلى بيته). 

وقالت زينب بنت يحيى المتوج: خدمت عمتي السيدة نفيسة أربعين سنة، فما رأيتها نامت بليل ولا أفطرت بنهار إلا العيدين وأيام التشريق.

 

فقلت لها: أما ترفقين بنفسك؟ فقالت: "كيف أرفق بنفسي وأمامي عقبات لا يقطعهن إلا الفائزون). 

 

سمع منها الحديث وتفسيره والفقه كثير ممن قابلوها، فقد سمع منها غير الإمام الشافعي جمع كثير من العلماء كذي النون المصري وعبد الله بن الحكم وولداه محمد وعبد الرحمن، والربيعان المرادي والجيزي، وعبد الرحمن البويطي. 

 

كانت السيدة الورعة زاهدة في دنياها، وكان رائدها في طريق الزهد جدها رسول الله، وقد مالت بطبعها منذ صغرها إلى حياة بعيدة عن زخرف الحياة الدنيا وزينتها بالرغم من أن أباها الحسن الأنور كان أمير المدينة ، غير أنها ما كانت تستشرف إلى لذائذ الدنيا وشهواتها، فكانت قليلة المأكل.

 

 

 أما عن قدومها مصر فقيل إنه في يوم  السبت الموافق ٢٦ رمضان سنة ۱۹٣ هـ وصلت السيدة نفيسة مصر، قبل قدوم الشافعي إليها بخمس سنين، وكان ذلك في ولاية الحسن  بن الحجاج والي مصر من قبل الرشيد.

 

وفي العريش، استقبل أهل مصر السيدة نفيسة أحسن استقبال فقد أحبها شعب مصر، وكان قد سمع عن أخبارها بالمدينة، وتلقتها النساء والرجال بالهوادج والخيول مرحبين يهللون ويكبرون ولم يزالوا معها إلى أن دخلت مصر فأنزلها عنده كبير التجار بمصر جمال الدين عبد الله الجصاص، وكان من أهل الصلاح ومن أصحاب المعروف والبر والصدقة والمحبة في الصالحين والعلماء والسادة الأشراف نزلت عنده في داره معزّزة مكرمة مبجلة فأقامت بها عدة شهور، والناس يفدون إليها من سائر مدن القطر ومن جميع الآفاق يتلمسون بركتها ويرجون دعاءها.

 

وكانت سيدة من المصريين تسمى بأم هانئ لها دار رحيبة بجهة المراغة   فرجت من السيدة نفيسة النزول في دارها وكانت امرأة ورعة تقيّة صالحة فقبلت السيدة نفيسة انتقلت إلى تلك الدار فلم ينقطع عنها الزوار وانهال عليها الناس من كل حدب وصوب من طلاب الحاجات وراغبي الدعوات وملتمسي الشحات والبركات، ويعودون جميعاً وقد استجاب الله دعاءها وقضى لهم حاجتهم وكشف كروبهم.

 

وكان آل السري يكبرون السيدة نفيسة ويعظمونها ويكثرون من زيارتها ويعرضون عليها خدمتهم إياها، وما أن ذهبت جمهرة من بعيها إلى السري يخبرونه بعزمها الذهاب، ويسألونه أن يتوسل إليها العدول عن عزمها ، فانتقل السري إليها يستعطفها ويرجو بقاءها بمصر. 

 

فقالت له: إنّي قد اعتزمت المقام عندكم، غير أني امرأة ضعيفة وقد تكاثر الناس حولي وأكثروا من زيارتي، فشغلوني عن أورادي وجمع زادي المعادي، غير أن منزلي هذا يضيق بهذا الجمع الكثيف والعدد الكثير، وقد زاد حنيني إلى روضة جدي المصطفى. فقال لها السري: يا ابنة رسول الله إنّي كفيل بإزالة ما تشتكين منه، وسأمهد لك السبيل وأهئ لك مافيه راحتك ورضاك، أما ضيق المنزل فإن لي داراً واسعة بدرب السباع وإنّي أشهد الله تعالى أنّي قد وهبتها لك وأسألك أن تقبليها منّي ولا تخجليني بردها عليّ. فقالت بعد سكوت طويل: إني قد قبلتها منك.

 

ثم قالت ياسري كيف أصنع بهذه الجموع الكثيرة والوفود الغفيرة؟ فقال: تتفقين معهم على أن يكون للزوار في كل جمعة يومان، وباقي الأسبوع تتفرغين لعبادتك وخدمة مولاك فاجعلي يومي السبت والأربعاء للناس.

 

فقبلت منه ذلك وانتقلت إلى داره، وخصصت للزيارة يومى السبت والأربعاء من كل أسبوع.

وقد كان للسيدة نفيسة كرامات كثيرة منها 

 

- ازدحمت الخيل على أمها، وكانت تحملها وهي طفلة رضيع لم تتجاوز نصف حول، فأشارت وهى في حضن أمها بيدها الكريمة برد الخيل فردها الله عز شأنه ببركتها بإشارة فكانت لتلك الطفلة في مستقبل أيامها من علو شأن ورفعة قدر.

 

ومنها أيضا ماقاله - عن سعيد بن الحسن قال: توقف النيل بمصر في زمن السيدة نفيسة فجاء الناس إليها وسألوها الدعاء فأعطتهم قناعها فجاءوا به إلى النهر وطرحوه فيه فما رجعوا حتى زفر النيل بمئه وزاد زيادة عظيمة.

 

 ـ وكانت هناك فتاة مقعدة جرى ماء وضوء السيدة نفيسة على قدمها فشفيت.

 

- كانت تدعو للذين يهرعون إليها فيستجاب دعاؤها.

 

 

قالت السيدة زينب بنت أخو السيدة نفيسة: "تألمت عمتي في أول يوم من رجب وكتبت إلى زوجها إسحاق المؤمن كتاباً، وكان غائبا بالمدينة، تطلب إليه فيه المجيء إليها وموافاتها لإحساسها بدنو أجلها وفراقها لدنياها وإقبالها على أخراها، ومازالت متوعكة إلى أن كان أول جمعة من شهر رمضان فزاد عليها الألم وهي صائمة، فدخل عليها الأطباء فأشاروا عليها بالإفطار لحفظ قوتها والتغلب على مرضها وضعفها، فقالت: واعجباه! إن لى ثلاثين سنة وأنا أسأل الله عز وجل أن يتوفاني وأنا صائمة أفأفطر، معاذ الله تعالى.

 

 

 

ثم أنشدت تقول:

 

اصرفوا عني طبيبي ودعوني وحبيبي

 

زاد بي شوقي إليه وغرامي في لهيب

طاب هتكي في هواه بين واش ورقيب

 

لا أبالي بفوات حيث قد صار نصيبي 

 

ليس من لام بعزل عِنه فيه بمصيب 

 

 

 

جسدي راض بسقمي وجفوني بنحيبي

 

فانصرف الأطباء وهم معجبون بقوة يقينها وثبات دينها، وسألوها الدعاء، فقالت لهم خيرا.

واختارها الله لجواره، ونقلها إلى دار كرامته، وكان ذلك في سنة ثماني ومائتين، وذلك بعد موت الإمام الشافعي بأربع سنين رحمهم الله جميعاً.

 

 

وكانت لها خلوتها الخاصة في أعلى جبل المقطم، وقامت "بوابة روز اليوسف"، بجولة داخل المحراب، وكان لها دعاء مشهور رحمها الله (كم حاربتني شدة بجيشها فضاق صدري من لقائه وانزعج حتى يئست من زوالها جاءتني الألطاف تسعى بالفرج). 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز